هذا الدعاء الرابط بين قلوب المؤمنين برباط من المحبة ووثاق من نور كيف يسري جماله على الأرواح؟ في صحبة الأحياء أنت، ترتفع روحك وتحلق نحو السمو والنقاء. تجالس أطهر خلق الله مسلما عليهم مستحضرا معاني النبوة فيهم. هي رحلة من نور تمحو عن قلبك كل شتات.
أبدأ بحمد الله وتمجيده وأستعين به قائلة (إياك نعبد وإياك نستعين) أرجوه أن يهديني صراطا مستقيما.
فاتحة الكتاب فاتحة حياة.
ثم أستنير بنبراس الروح ومشكاتها مصلية على الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه صلاة تعيرني أجنحة الوصول إلى رحابهم.
اللهم صل على سيدنا محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد.
أنبياء الله عليهم السلام
يأذن لك رب العزة أن تلقى روحك أرواحهم وتجالسهم وأنت في حضن صحبة اختصرت بك كل المسافات.. أي فضل! بل أية نعمة! أنا الغافل الغارق في أوحال نفسي وأحوالها، أطير بنبض قلبي المشتاق لأتنسم عبير وصالهم وأتشرب عبق جهادهم. إنهم أنبياء الله ورسله الكرام، نزورهم، نعرج على بساط أنسهم، نتشرب من وداد قلوبهم، ونستنير بنور أرواحهم.
وتختار الروح أن تحل ضيفة على َمن سجدت له ملائكة الرحمان معظمة شأن الله فيه.
الصلاة والسلام عليك يا سيدنا آدم ويا أمنا حواء!
يا أبا حبيبا اشتقت إلى الجلوس بين يديه والانحناء على عتبة حبه، وأما حنونا تاقت الروح أن تفوز منك بحضن يدفئ قلبا يرتعش من برد غربة دار الفناء.
سيدى آدم صلى عليك الله وسلم وبارك.
حدثني عن نعيم الوصال، حدثني عن الجنة، حدثني عما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، حدثني عن قطوف دانية وثمار. حدثني عن ملائكة يسجدون لله وملائكة يركعون ويُسَبِّحون ويحمدون، حدثني عن حملة العرش، حدثني عن سر الجمال.
حدثني عن القرب من رب العالمين!
حدثني عن أول ليلة في الأرض، كيف استوحشتَ وبماذا شعرتَ وكيف نمتَ وماذا أكلتَ وكيف جعتَ وعطشتَ؟؟آه، كم تعبَ جنابك الشريف، لا كهرباء تضيء لك ظلمة الليل ولا طريق معبداً يحمل خطواتك الشريفة.
سيدنا آدم عليه السلام
الأب الحبيب، أول من وطئ الثرى، يفارق وطنه الأول ليذوق ألم الشوق إلى محبوبه صابرا على كل ما يتعب جسدا لم يتعود إلا نعيم الجنان، الصبر والتسليم والرضا والعمل الدؤوب لمباشرة أمانة الاستخلاف في الأرض بكل ما يتصل بها من معاناة.
أمنا حواء كم وددت أن أقبل قدميك الشريفتين.. كم أتألم لمجرد تخيل هذه الحيطان والأحجار وقد اعتادت أمي الحبيبة على الدلال والتيه في معانى الوصال.. كيف تحملت فراق عالم الأنس والشهود؟ كم من العواطف اختزنتها بداخلك تتوزع إرثا بين قلوب الأمهات.
السلام على روحك الطاهرة سيدي آدم!
السلام على روحك الطاهرة أمي الحبيبة حواء!
أودعكما على مضض، وفي الروح شوق إليكما لا يطفئه إلا حضن وصالكما.
سيدنا نوح
وتحن الروح لسيدنا نوح، أول رسل الله بعد أبينا آدم.
سيدنا نوح ينتظر نصر الله في سفينة اليقين، يحمل فيها من كل زوجين اثنين لتنجو أمة آمنت بالله من غضبة الطوفان.
سلام الله عليك يا نبي الله، سلام على قلب نطق بالحق فلم توهنه العزائم الفاترة، سلام على من طال به الزمان يدعو قوما للآخرة لكنهم تفننوا في الاستهزاء به، فما توانى في تحذيرهم من مغبة الكفر بالله رب العالمين. سلام عليك إذ يحين موعد الوعيد فيخبرك ربك عن ابنك أنه عمل غير صالح فتخضع طائعا راضيا لجلال الله المهيمن. سلام الله عليك.
سيدنا إبراهيم
تستأنف الروح خطواتها الخجلى، تستأذن الدخول على من أبت النار أن تحرق قلبا كان أمة لوحده، صدع بالحق وثبت، خليل الله، صدق الرؤيا وتل فلذة كبده للجبين، يا أبت افعل ما تومر، ما أعظم الموقف! وما أسمى المعاني! أبوة وبنوة تتبادلان كل أنواع البر مع إيثار محاب الله عن محاب النفس.
سيدي إبراهيم! كم وددت أن أجلس بين يديك لأتشرب منك قوة العزم والثبات على الحق وتفويض الأمر إلى من أمر النار أن تكون بردا وسلاما عليك. وددت أن تحدثني بقلب الأب الحاني عن تلك اللحظة التي ترجمت كل الطاعة لأمر الله الواحد الأحد، ابن هو زهرة الفؤاد بين يديك بكل ألوان التسليم والرضا، خفقات قلبه تهمس في قلبك (لا صوت يعلو فوق صوت الله القهار).
رباه! سلمت أمري إليك وأسكنت قلبي في واد يعبق بكرمك الفياض.
سيدنا يوسف
عليك مني سلام الله يا من أوتي شطر الجمال وأوتي معه قلبا اتسع لضيق الدنيا فعفا وصفح وجمع الشتات ولم الشمل.
سيدنا يوسف، حسده إخوته فكادوا له، رموه بئرا تشرفت باحتضانه بسر العناية الربانية، فتعطر ماؤها بصفاء جماله.
بكاه الأب الرحيم فابيضت عيناه، ولم تنطفئ جذوة الشوق، يقينا في أن الله هو الجامع لشمل القلوب المتحابة فيه.
آبار كثيرة رمتنا فيها الأقدار الإلهية ليبلونا ربنا أنشكر أم نكفر.
وكثيرة هي تلك السجون التي أسرنا فيها أرواحنا الظمآى إلى نصيبها من حرية العبودية لله ذي الجلال والإكرام.
سيدنا موسى
في تابوت ألقته أمه في اليم وألقت معه كل أحمال الدنيا، ليعود لها نبيا مؤزرا، ذهب في خدمة أهله يلتمس نارا لكنه كان على موعد مع كلام ربه، وتلك العصا يهش بها على غنمه أسجدت السحرة لله رب العالمين.
سيدنا موسى لم يخف في الله لومة لائم، وفرعون المتجبر تحت ملك الله، يَغرق ويُغرق معه قوما استخفهم فأطاعوه.
سيدنا داود
صاحب الصوت الجميل، كلما ترنم بذكر الله سبح معه الكون يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ، ألان الله له الحديد ليأكل من كسب يده وليحصن قومه بدروع من يقين، تعبد ربه يوما للصوم ويوما للإفطار، وله كذلك في القيام حكايات وأسرار، كيف لا وربه يوصيه: اعْمَلُوا آلَ دَأوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ.
لله درك! أي صوت هذا الذي وهبك ربك حتى سبحت معك عند سماعه كل المخلوقات.
سيدنا سليمان
أوتي النبوة ومعها الملك، سخر الله له الطير والريح تجري بأمره، يجلس ليتعلم من نملة، ما أعمت الدنيا، وهي طوع بنانه، بصيرته، جاءته ملكة سبإ بقومها تهديهم سبيل الرشاد، يشكر الله على فضل الله ويعلن بين يدي الله عجزه وافتقاره.
سيدنا أيوب
عنوان للصبر بامتياز، أنهكه المرض لكنه رضي بحكم الله، فلما تسلل إلى قلبه نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
سيدنا العزير
تساءل أنَّى يحيي الله قرية خاوية على عروشها فأماته الله مائة عام ثم بعثه ليشهد على خلق الله.
سيدنا يونس
ذهب عن قومه مغاضبا؛ في عرض البحر، يتجلى ربك القهار، مشيئة الله قدرت أن يلقى به في البحر، يلهمه الله التسبيح، في بطن الحوت يردد لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ليجد نفسه وقد توسد ساحل النجاة.
سيدنا زكرياء بلغ من الكبر عتيا، رجل المحراب، يكفل مريم ليتعلم منها أن الذي أطعمها رزق الشتاء في الصيف، سيهبه يحيى ليكون آية للعالمين.
سيدنا عيسى
كلمة الله، معجزة تزين بها عقد الأنبياء النوراني، أبرأ الأكمه والأبرص، وأحيى الموتى بإذن الله.
لله درهم أنبياء الله صفوة خلق الله! كانوا مصابيح تنير درب الحيارى والتائهين، منهم تستمد الروح همة السير إلى الله.
كيف لا؟ وهم ينهلون من نور الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، حبيب الله، صلى بهم إماما بقلب اتسع لكل مخلوقات الله. نور الحبيب سكن القلوب، فأنار دياجير الظلام، تشرَّب منه الصحابة رضوان الله عليهم، فأحبوه وفدوه بالروح والمال والولد، فكانوا كالنجوم بأيهم اقتدت الأمة اهتدت.
اللهم صل على سيدنا محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد.
أمهات المؤمنين رضي الله عنهن
الحبيبة التي سكنت سويداء الفؤاد وملأت شغاف القلوب. أمنا خديجة الطاهرة {كلا واللهِ ما يخزيك اللهُ أبدًا، إنك لتصلُ الرحِمَ، وتحملُ الكلَّ، وتكسبُ المعدومَ، وتُقري الضيفَ، وتعينُ على نوائب الحقِّ} يوقفها الله على سر النصر ومفتاح الدعوة بكلمات قلائل تعبق برجاحة عقل امرأة أذن الله لها أن تكون أول من أسلم على الإطلاق، واست بالمال وبالنفس، حكيمة حنون، عاشت مع الحبيب كل تفاصيل الدعوة وآثرت الله عز وجل وصبرت على خروج الحبيب نبيا مرسلا متهمما بمصير أمته، كثيرة هي التضحيات التي لم يسطرها التاريخ لأمنا خديجة لكن رب السماء خلد اسمها في قلوب أمة الحبيب. سيدنا جبريل يبلغها من ربها السلام. وترد بأدب الواصلين الموصولين {الله السلام، ومنه السلام، وعلى جبريل السلام} وتأتيكِ البشارة الربانية! ربكِ الحبيب يبشركِ {بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَب}. لله درك أمنا الحبيبة!
رضي الله عنك و أرضاك.
أمنا عائشة؛ عويش أو الحميراء، عنها أخذ الصحابة نصف دينهم، ابنة الصديق حِب الحبيب، أوتيت من العلم فضلا كثيرا، اختارها الله لتكون إمامة من تعرضت للطعن في طهر أو عفاف. برأها الله من إفك الأفاكين، وجاد عليها بوصله ليرتفع ذكرها في العالمين. أمنا عائشة تنسب الفضل لله رب العالمين وتلقننا درسا في الاستقلالية في طلب وجه الله عز وجل في علاه.
أمهات المؤمنين، بيوت تتلى فيها الحكمة ويلقن فيها الخير الكثير، أم سلمة تنقذ بمشورتها أمة من الرجال حتى لا يخالفوا عن أمر رسول الله.
أمنا حفصة، عنوانها القرآن، صوامة قوامة.
سيدتنا زينب ذات اليد الطولى، حبيبة المساكين.
صفية الصفية، وجويرية بنت الحارث، وتلك رملة بنت أبي سفيان، وهذه سودة بنت زمعة، زينب بنت خزيمة وميمونة الميمونة، بيوت تتلألأ من نور.
لا زلنا في بيت النبوة، نطرق باب الكرم النوراني، نسلم على أبناء الحبيب المصطفى وبناته، نستلهم منهم حكايا الصبر على قضاء الله و الثبات في ميدان الجهاد؛ القاسم وعبد الله وإبراهيم، وزينب الوفاء، ورقية وأم كلثوم، درتان زينتا قلب عثمان الحييء، وأم أبيها الزهراء، سيدة نساء الجنة وأم آل البيت الأطهار، الحسن والحسين سيدا شباب الجنة. سيدنا العباس وأسد الله حمزة سيد الشهداء.
اللهم صل على سيدنا محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد.
قلوب تتلقى بكليتها أنوار النبوة، أصحابه صلوات ربي وسلامه عليه يتقدمهم سيدنا أبو بكر، صاحب الغار، وسيدنا عمر فاروق الأمة، وسيدنا عثمان ذي النورين، وسيدنا علي أول من فدى الحبيب بالروح، وباقي العشرة المبشرين بالجنة.
وتستمر الرحلة عبر سلسلة من نور تمتد إلى كل من تشتم فيه عبق الولاية، بدءا بباقي الصحابة الكرام والتابعين وتابعيهم وكل صالحي الأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
دعاء الرابطة، نقلة من عالم الغفلة إلى عالم الحضور، من عالم الفناء إلى عالم البقاء، زيارة حب للأرواح الطيبة، نحن الموتى نحيا بذكرهم وهم الأحياء عند ربهم، فتتقد العزائم وتتوهج القلوب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.