لشهر ماي، وهو الشهر الخامس من السنة الشمسية، علاقة ودلالة خاصة في تاريخ وأداء جماعة العدل والإحسان المغربية، ذلك أن هذا الشهر شهد العديد من الملاحم التي سطرها أبناء وبنات الجماعة أعضاء وقيادة، بتحملهم لأذى المخزن في جولات كثيرة أو بخروجهم المنظم الواعي للشارع السياسي المغربي في مواقف قوية ومعبرة.
لعل أشهر ذكريات العدل والإحسان في شهر ماي؛ اليوم الثامن منه من عام 1990، الذي سجل أقوى اعتصام سلمي بمحاكم المغرب شهودا وتضامنا مع مجلس الإرشاد الذي كان يحاكم استئنافيا بعدما أصدرت المحكمة الابتدائية بالرباط في 16 مارس 1990 حكمها الابتدائي الجائر في حق كل عضو منه بالسجن سنتين وغرامة مالية تقدر بعشرة آلاف درهم.
سبق ذلك بست سنوات، أي في ماي 1984، صدور حكم ظالم في حق المرشد الإمام عبد السلام ياسين بنفس المدة السجنية؛ سنتين نافذة، وغرامة 5000 درهم. والشيء الذي يثير الاندهاش هو هذا التشابه المطبق والاستنساخ المطلق للأحكام القضائية المخزنية، وكأن مصدريها يبنون حججهم على نفس الأدلة أو أنهم يتلقون ذات الأوامر. خاصة مع تشابه بعض حيثيات الملف، ومن ذلك أن المتابعين في القضيتين يحاكمون وهم تحت الاعتقال منذ خمسة أشهر.
بعد عام من ملحمة 8 ماي المجيدة، وفي ظل الحصار الذي فرضه المخزن على الجماعة باعتقال مجلس إرشادها، وإجبار مرشدها رحمه الله تعالى بالتزام بيته تحت المراقبة الدائمة للأجهزة الأمنية المرابطة على أبواب البيت بمدينة سلا، شارك رجال ونساء العدل والإحسان في المسيرات العمالية المخلدة لعيد العمال العالمي الذي ينظم كل سنة في اليوم الفاتح من شهر ماي. وفي ذلك الكثير من الدلالات والرسائل من أهمها:
– تخليد العدل والإحسان لعيد العمال العالمي ذي الخلفية الغربية هو مشاركة وانخراط مع الإنسانية جمعاء في نضالاتها ومطالبها المشروعة والتي توحد الطبقة العاملة عبر المعمور.
– النزول إلى الشارع في مسيرات فاتح ماي إلى جانب المركزيات النقابية إشارة إلى قبول أعضاء العدل والإحسان بالعمل المشترك مع كل الفرقاء النقابيين والسياسيين، وهذا ما ستتم الدعوة إليه بشكل واضح سنة 1994 من خلال طرح فكرة الميثاق الجامع على شركاء الوطن والنضال.
– فضلا عن إظهار الجماعة لقوتها على الحشد الجماهيري المنظم، بحيث أن مشاركتها في فاتح ماي 1991 كانت في معظم المدن المغربية الكبرى مثل البيضاء والرباط ومراكش وفاس ووجدة وأكادير وغيرها، فإنها أكدت بالملموس لكل المراقبين داخليا وخارجيا، أن العدل والإحسان نشطة في توسيع قاعدتها الشعبية بمختلف مناطق ومدن وقرى المغرب، وذلك بما يشمل كل فئات الشعب المغربي العمرية وشرائحه الاجتماعية والثقافية.
بقي أن نشير أن شهر ماي في ذاكرة أبناء وبنات العدل والإحسان ليس فقط ذكرى الملاحم والنزول للشارع، وإنما كذلك هو شهر العمل الجاد الهادئ؛ ففي السابع والعشرين منه بدأ الإمام المجدد رحمه الله تعالى عام 1988 تحرير كتاب الإحسان الذي يعد من أمهات الكتب في تصور وسير الجماعة، وفي الخامس من ماي 1989 تمت كتابة ديوان شذرات الذي استغرق تحريره كاملا 10 أيام، وقد وعظ فيه رحمه الله تعالى بالنثر وبالشعر كل مسلم ومسلمة لكي يقبلوا على الله تعالى بالذكر والصحبة وبذل النفس. وقبل ذلك في 25 ماي 1988 كانت فصول كتاب سنة الله قد تمت بفضل من الله ومنة.