في ذكرى النكبة.. الذاكرة الحيّة والمصير المشترك

Cover Image for في ذكرى النكبة.. الذاكرة الحيّة والمصير المشترك
نشر بتاريخ

تحلّ ذكرى النكبة الفلسطينية في الخامس عشر من مايو كل عام، وهي محطة أليمة في الذاكرة الجماعية للأمة الإسلامية، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، تُستحضر فيها أهوال الكارثة الإنسانية والسياسية التي حلت بفلسطين عام 1948. حينها، تمّ تهجير قسري لأكثر من 750 ألف فلسطيني من أرضهم وقراهم، وتدمير ما يربو عن 500 بلدة ومدينة، على يد العصابات الصهيونية المسلحة، تمهيدًا لإعلان قيام ما يُعرف بدولة “إسرائيل” على أنقاض الوطن الفلسطيني.

إن ذكرى النكبة لا تستحضر فقط مشاهد التهجير والتدمير، بل تفتح جراح المجازر الدامية التي ارتُكبت بحق المدنيين العزّل، كمجزرة دير ياسين، والطنطورة، وأبو شوشة، وغيرها من المذابح التي راح ضحيتها المئات من الشهداء، في مشهد دامٍ يشهد على الطابع الوحشي والإرهابي للمشروع الصهيوني منذ ولادته.

النكبة ليست ذكرى لماضٍ بعيد، بل هي عنوان دائم للمشروع الصهيوني الاستعماري التوسعي، وهي مرآة كاشفة للطبيعة الإجرامية لهذا الكيان الغاصب، وفي المقابل، هي أيضًا رمز لصمود الشعب الفلسطيني وتضحياته الأسطورية المستمرة منذ أكثر من سبعة عقود.

في ظل العدوان الهمجي على غزة اليوم، تعود النكبة لتذكّر من يحمّلون الشعب الفلسطيني ومقاومته مسؤولية ما يجري، بأن المأساة لم تبدأ مع إطلاق صاروخ، بل مع اغتصاب الأرض، وسفك الدماء، وتشريد الملايين. فالمقاومة ليست سبب النكبة، بل هي ردّ عليها، وهي الحائل الأخير دون تكرارها. ولولا بسالة المقاومة ويقظة أهلها، لكانت النكبة قد تحوّلت إلى تصفية نهائية للقضية.

لقد أثبتت معركة 7 أكتوبر -طوفان الأقصى- أن المقاومة ليست خيارًا، بل ضرورة وجودية. فلولا تلك الضربة الاستباقية التي أربكت حسابات الاحتلال، وأربكت منظومته الأمنية والعسكرية، وفضحت مخططاته التصفوية التي بدأت تتكشف، لكان المشهد مختلفًا كليًا، ولكانت فلسطين تُمحى من الخارطة، ببطء وخبث.

النكبة تمثل أحد أكثر المشاهد مأساوية في التاريخ الإنساني الحديث، ولا يضاهيها في الجرح والفظاعة سوى ما يتعرض له قطاع غزة اليوم، من مجازر إبادة وتهجير قسري، تجاوزت كل الحدود، وتخطّت كل المواثيق الدولية. ومع ذلك، فشلت آلة الحرب الصهيونية في كسر إرادة الفلسطينيين، وفشلت في تهجير الفلسطينيين وإنتاج “نكبة ثانية”، رغم كل ما سخّرته من بطش ودعم دولي.

إن الواجب اليوم -وأكثر من أي وقت مضى- أن تتحمل الشعوب الإسلامية والعربية مسؤولياتها الأخلاقية والتاريخية في نصرة فلسطين، لأن التخاذل لن تدفع ثمنه المقاومة وحدها، بل ستدفعه الأمة بأكملها، وساعتها لن ينفع الندم.

لقد شكّل طوفان الأقصى نقطة تحوّل مفصلية في مسار القضية، إذ حقق ما لم تحققه الجيوش، ولا اتفاقيات “السلام”، ولا طاولات التفاوض. لقد أسقط القناع عن الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني، وأظهره أمام العالم ككيان مجرم، يلاحقه العار والقضاء الدولي، وأسقط أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”، وتآكلت هيبة الردع لديه، وتغيرت معادلات الاشتباك، وعادت قضية فلسطين إلى صدارة القضايا العالمية، بعدما أُريد لها أن تُنسى.

نعم، هناك تضحيات جسام وآلام عظيمة، لكن في المقابل، هناك إنجازات أعظم، وانتصارات بطولية، تبثّ الأمل في فجرٍ قريب يُشرق على أرض فلسطين من بحرها إلى نهرها.

وفي هذه المناسبة الخالدة، أعلنت الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع عن تنظيم يوم وطني لإحياء الذكرى في مختلف مدن المغرب، تتوّجه مسيرة شعبية بالدار البيضاء يوم الأحد القادم، كما دعت الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة إلى المشاركة في جمعة طوفان الأقصى، وكل هذا إحياءً للذكرى وتجديدًا للعهد مع فلسطين، وتأكيدًا على الحق في العودة، ورفضًا لكل أشكال التهجير والتطبيع، وتمسّكًا بخيار المقاومة كخيار مشروع وواجب.