في ذكرى الأستاذ أحمد الملاخ: العدد الأول من مجلة الجماعة

Cover Image for في ذكرى الأستاذ أحمد الملاخ: العدد الأول من مجلة الجماعة
نشر بتاريخ

تمهيد

تحل هذه الأيام ذكرى وفاة الأستاذ أحمد الملاخ رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وهو أحد رجالات دعوة العدل والإحسان الكبار، الذين كان لهم قدم السبق في بناء صرحها، وإشاعة الرحمة التي تدعو لها، وتأسيس قواعد سيرها وعملها في التربية والدعوة والجهاد.

عمل رحمه الله على تعليم أبناء العدل والإحسان وباقي الشباب المسلم كيف نصنع التاريخ، كيف نربي النماذج الحية المجسدة للمبادئ الخالدة، كيف نرفع الظلم والأثرة والحرمان، كيف نحقق العدل كيف نعاكس التيار كيف نغير المدرسة ومنهاجها والجامعة وعقليتها والأمة ولغتها والدولة لحملها على الحكم بما أنزل الله) 1 .

ساهم بدور كبير وبارز في بداية خروج دعوة العدل والإحسان إلى الشعب المغربي والأمة الإسلامية، من خلال منبرها الإعلامي الأول مجلة الجماعة، حيث عمل هو والإمام المجدد عبد السلام ياسين وباقي رجالات الجيل الأول، على إعداد وإصدار أعداد المجلة، رغم كل العقبات والعراقيل التي كانت منصوبة أمامهم.

والعدد الأول من مجلة الجماعة له أهمية ومكانة خاصة حيث إنه كان هو البداية في المجال الصحفي الإعلامي، ثم لأنه واجه الكثير من المصاعب حتى قبل صدوره حيث إنه صدر العدد الأول من هذه المجلة بعد سنة من المحاولات عاقتنا فيها عن الظهور عراقيل إدارية مقصودة) 2 .

رجلان

روى الإمام مسلم في صحيحه حديث السبعة “الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله” وقال في شرحه الإمام النووي رحمة الله عليه: اجتمعا على حب الله وافترقا على حب الله، أي كان سبب اجتماعهما حب الله واستمرا على ذلك حتى تفرقا من مجلسهما وهما صادقان في حب كل واحد منهما صاحبه لله تعالى، حال اجتماعهما وافتراقهما).

بنفس المعنى والروح والقوة كانت المحبة بين الإمام المجدد عبد السلام ياسين وأخيه الأستاذ أحمد الملاخ. ومن هذا الحديث وبهذه المعاني الخالدة، اقتبس الإمام رحمه الله لفظ “رجلان” ليكتب في فهرست العدد الأول ما يلي: إن مجلة حرر موادها رجلان لا تحتاج إلى فهرست. ما ذلك لأننا نريد احتكار المجلة للدفاع عن قضايا تخصنا. أو لتكون منبرا نستعلي من فوقه على الناس. لكن لأن إخواننا المؤمنين الذين ينتظرون أن يكون للإسلام صوت مسموع في هذه الديار فصلنا عنهم وفصلهم عنا قواطع الصمت الذي كان مفروضا) 3 .

الخط التحريري الواضح

بدأت مجلة الجماعة مسارها على يد رجالها، أو قل، إن شئت، أراد الله عز وجل أن تكون واضحة في خطها التحريري، قاصدة في مسيرتها وغاياتها، بلقاء ناصعة في لغتها ولهجتها وهنا أخلص إلى دور هذه المجلة التي نريدها أداة عمل، أداة تعريف بين الإسلاميين أولا، وأداة توعية عامة تتبعها يقظة : توعية للعقل ويقظة للقلب. قراءة لكتاب العالم وقراءة لكتاب الله وقراءة متزامنة ينير فيها الإيمان القلبي الجهد الفكري. نريد لهذه المجلة أن تكون الصوت المسموع للإسلاميين، فإننا لا ننسبها إلى أنفسنا إلا عنوانا للخدمة الواجبة علينا نحو قضية ليست قضية فرد أو أفراد أو جماعة معينين محصورين تحت العناوين التي تفرقنا. بل هي قضية كل من ينبض قلبه بالإيمان) 4 . فهذه مجلتكم أيها المؤمنون المقبلون على الله الملتزمون بالإخاء والجهاد، والقضية قضيتكم. غير أننا لا نحب أن ننشر الكلمات الخجولة ولا التي تمت بصلة للذهنية المصطنعة. نحب الفكر الهادف الذي ينم عن إرادة ويخاطب الهمم لارتياد التجديد واقتراح الحل الإسلامي لمشاكل أمتنا الإسلامية الكئيبة بما يفرض عليها من استسلام في وجه الصهيونية وقوى الجاهلية، وانحدار في مهاوي التخلف الاقتصادي والتظالم الاجتماعي والإلحاد) 5 .

عقبات كأداء

اعترضت سبيل مجلة الجماعة الكثير من العقبات المعيقات، والصعوبات المثبطات، كان من أبرزها:

ــ ضعف الإمكانات المادية وقلة الموارد المالية لكن اعلم أخي أن مواردنا محدودة، ولسنا كمن يتلقون أموالا بلا حساب من جهات تذيع أفكارها السياسية أو تستخدم الدين لأغراضها السياسية بواسطة من يكتب ويعظ عن وعي أو عن غير وعي لدور التخدير الذي يلعبه) 6 .

ــ إعراض المطابع عن طبعها خوفا من التهديدات المخزنية وبعد فقد صدر العدد الأول من هذه المجلة بعد سنة من المحاولات عاقتنا فيها عن الظهور عراقيل إدارية مقصودة ثم إعراض المطابع عنا. وصدر العدد الأول وعلى وجهه ندب الأغلاط المطبعية كأنما يصرخ بيتم الكلمة الإسلامية في سوق الكلام وبقلة النصير. وها نحن نحاول الصمود ونستدعي الجهود) 7 .

ــ المنع المخزني الذي يلبس لبوس الإجراءات الإدارية والمساطر القانونية قانون النشر في هذا البلد ينص على الأوراق التي يتكون منها الملف عند إعلان صدور مجلة، ونفس القانون يحرم ويحرم أن تتلقى المنشورات الوطنية مساعدة من الخارج. هذا نص القانون، أما تطبيقه فيوزن للناس وزنا حسب انتمائهم السياسي والديني. يعلم المغاربة الواعون أن من الهيئات الناشرة من يتلقى مطابع بأكملها وحمولات البواخر من الكتب ومن الورق من شرق الجاهلية وغربها، وليخسأ القانون. أما هذه المجلة المسكينة فقد قدمت ملفها كاملا فشاء موظف أن يشترط عليها من عقده واجتهاده أوراقا أخرى فتعطلت ستة أشهر) 8 .

الآفاق الرحبة

فلعله بعد هذه المسيرة الطويلة الشاقة، المحفوفة بالصعوبات والمخاطر، الحافلة بمن الله وكرمه المتجلي في العطاءات والمكرمات، تنفتح لدعوة العدل والإحسان الآفاق الرحبة الفسيحة التي لا يحدها مدى، ولا تسعها آفاق. آفاق تتجلى فتحا بعد حصار، وسعة بعد ضيق، ويسرا بعد عسر، بمنشورات كثيرة متعددة، تخاطب كل الشرائح الاجتماعية والنخب الفكرية بلغات شتى، تشمل الفكر بفروعه، والإبداع وصنوفه، وتحلل الواقع وهمومه، ولا ترفض وكالات النشر والتوزيع توصيلها للقراء عبر المكتبات والأكشاك، وبمطبوعات ورقية، ومواقع إلكترونية، وإصدارات سمعية بصرية كثيرة بهية، تسر الناظرين وتغيض الحاقدين، تبلغ الآفاق ببلدنا المغرب وسائر المعمور، لا يمنعها حائل ولا يصدها صاد. وما ذلك على الله بعزيز.

وفي الختام

رحم الله آباءنا ورجالنا العظام، بما جاهدوا وصبروا وصابرو ورابطو، وبما ربوا وعلموا وهذبوا. يقول الأستاذ أحمد الملاخ رحمه الله تعالى في مقاله التحليلي الرائع بالعدد الأول من مجلة الجماعة، تحت عنوان: في البحث عن موقف):

لا نعادي أحدا ولا نحقد على أحد، إنما نعادي الفساد والفحشاء والجور والطغيان. نظرتنا إلى الإنسان من حيث هو مخلوق هي نظرة تكريم، لكن نظرتنا للأعمال التي يقوم بها وإلى سلوكه في المجتمع تتحدد بشريعة الله في الأرض. لا نيأس من حاكم مفتون أو سياسي جاهلي مغرور ولا يغرنا عابد زاهد ولا عالم ذو ذلاقة لسان. في المؤمن جاهلية يجب تربيتها كما في الجاهلي لطيفة ربانية يجب تزكيتها. نقول لمن يؤمن بالله واليوم الآخر، توبوا إلى الله توبة نصوحا، هاجروا إلى الله ورسوله وانصروا اله، أقيموا العدل، ارفعوا الظلم، كفوا أيديكم وانشروا الرحمة في الناس) 9 .


[1] مجلة الجماعة، العدد الأول، ص 97، 98.\
[2] مجلة الجماعة، العدد الثاني ص 09.\
[3] مجلة الجماعة العدد الأول ص 113.\
[4] نفس المصدر، العدد الأول، ص 44.\
[5] نفس المصدر، العدد الأول، ص 113.\
[6] نفس المصدر، العدد الثاني ص 106.\
[7] نفس المصدر العدد الثاني، ص 9.\
[8] نفس المصدر، العدد الأول، ص 51.\
[9] مجلة الجماعة، العدد الأول ص 77.\