في حوار مع الشاهد.. الدكتور المسئول يبسط رأي “العدل والإحسان” في تعديل مدونة الأسرة

Cover Image for في حوار مع الشاهد.. الدكتور المسئول يبسط رأي “العدل والإحسان” في تعديل مدونة الأسرة
نشر بتاريخ

لفت الدكتور عبد العلي المسئول عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان ومنسق اللجنة المشتركة للنظر في مدونة الأسرة التابعة للجماعة إلى أن “العاقل لا يتحدث عن المساواة” في إطار العلاقات بين الرجل والمرأة.

القوامة والحافظية.. المفاضلة بين الرجل والمرأة لا تعود إلى الجنس بقدر ما تعود إلى ما يتحمله الرجل من تبعات

الدكتور المسئول الذي كان يتحدث في برنامج “ضيف الشاهد” مع الإعلامي محمد الإبراهيمي، في حلقة خاصة بالنقاش الوطني المفتوح حول تعديل مدونة الأسرة المرتقب، أكد أن الله تعالى سوى بين الرجل والمرأة في الأحكام والواجبات وفي أمور عدة، وهو الأصل عندنا إلا أن هناك بعضا من الأمور ليست فيها مساواة وإنما فيها مفاضلة لا تعود إلى الجنس بقدر ما تعود إلى ما يتحمله الرجل من تبعات، كما في قوله تعالى: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين.

وشدد على أن وظيفة الرجل هي القوامة، وهي صيانة زوجته وجلب المصالح إليها ودرء المفاسد عنها والنفقة عليها، ولذلك الزوجة ولو كانت موظفة أو ذات مال، فهي إن ساعدت زوجها جزاها الله خيرا وهذا من باب المكارمة والإحسان بينهما، لكن الرجل هو المطالب بالنفقة شرعا.

ووظيفة المرأة في مقابل ذلك هي الحافظية، وهي أن تحفظ نفسها وأن تحفظ بيتها وأولادها ومال زوجها، وهنا الحديث عن التكامل الذي أشار إليه قول الله تعالى الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله. وقد جمع القرآن الكريم بين وظيفتي الرجل والمرأة في هذه الآية.

فنحن نتحدث عن العدل وليس عن المساواة، يقول المتحدث، موضحا أنه حيثما وجد هذا العدل فثمة شريعة الله، لأنه هو الذي يحقق لنا المصالح ويدرأ عنا المفاسد، لأن المنطق لا يسلم بالمساواة بين المتفرقات والمختلفات وإنما بين المتماثلات، والله تعالى قال: وليس الذكر كالأنثى. ومرد ذلك إلى ما يتحمله كل منهما من تبعات وما تستوجبه تلك التبعات.

شرطا الاجتهاد.. أن يصدر من أهله وأن يوافق محله

وعن نظرة الجماعة إلى الاجتهاد، اعتبر المسئول أن الاجتهاد ينبغي أن يتحقق فيه أمران، الأول هو أن يصدر عن أهله، والثاني أن يوافق محله لكي يكون صحيحا وصائبا.

وبيان ذلك كما تحدثت عن ضرورة الاجتهاد الجماعي، هو وجوب حضور الخبراء إلى جانب العالم بالشريعة، فبعد الحديث عن موضوع ما من وجهات نظر الخبراء؛ يتحدث عالم النفس وعالم الاقتصاد والخبير في السياسة وعالم الاجتماع مثلا ويتضح أمر هذا الموضوع، آنئذ يقول الفقيه كلمته لأنه هو الأعلم بنصوص الشريعة وقواعدها والأعرف بقواعد الاستنباط وقواعد اللغة العربية، وهو الذي يقول بأن هذا الأمر مباح أو مندوب أو واجب…

ومن ضرورات الاجتهاد الجماعي، يقول المتحدث، أن شخصية العالم الموسوعي الضابط لعدة علوم كانت فيما سبق، فمثلا ابن رشد كان فقيها وفيلسوفا… وأمثال هذه الشخصيات اليوم نادرة ولهذا ندعو إلى الاجتهاد الجماعي.

فإذا كان هذا بيان “أهل الاجتهاد”، فإن “محل الاجتهاد” يقتضي توضيحا أكثر، حيث إن عددا من الأمور التي يتحدث عنها الناس الآن هي خارج نطاق الاجتهاد، فليس كل موضوع نحتاج فيه إلى اجتهاد، وليس كل ما ورد في القرآن الكريم من نصوص تحتاج إلى اجتهاد، ولذلك تحدث العلماء عن هذه المسألة فقالوا: “لا مجال للاجتهاد في النصوص القطعية الثبوت قطعية الدلالة”، فالنصوص التي جاء بها القرآن الكريم ولها معنى واحد ودلالة واحدة تعد من قبيل المحكم، فهذه النصوص وما أجمع عليه العلماء لا مجال فيه للاجتهاد. وبناء على ذلك مثلا؛ لا يمكن للاجتهاد أن ينظر في النساء المحرمات على الرجل، التي جاءت في قوله تعالى: “حرمت عليكم أمهاتكم و…” لأن هذا النص قطعي وهذه المسألة حسمت.

وأشار المتحدث إلى أن النصوص إن كانت قطعية الثبوت لكنها ظنية الدلالة لا إشكال لفتح باب الاجتهاد فيها، وكذلك النصوص ظنية الثبوت قطعية الدلالة، وظنية الثبوت هي التي ثبتت بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أننا نقول إننا نحتج بالحديث الصحيح والحديث الحسن في الأحكام ونأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن بعضهم يريد أن يحذف السنة المشرفة من مجال الاحتجاج والاقتصار على القرآن الكريم.

ومما ذكره الدكتور الفقيه عبد العلي المسئول عن الاجتهاد الجماعي التشاركي، أن الجماعة عندما قررت النظر في مدونة الأسرة جمعت في اللجنة عددا من الممثلين من مؤسساتها ولجانها، وهذه اللجنة المشتركة فيها “ممثلون من اللجنة العلمية وهي لجنة تعني بقضايا التأصيل الشرعي، وعندنا ممثلات عن نساء العدل والإحسان بما فيها الهيئة العامة للعمل النسائي والقطاع النسائي، وممثلات عن لجنة الأسرة والطفل، وحضر معنا أيضا ممثلون وممثلات من قطاع المحامين ومن قطاع العدول، الذين يحتكون على الدوام بهذه القضايا”.

دواعي النظر والتعديل

وفي إطار حديثه عن مدونة الأسرة الصادرة سنة 2004، بسط الدكتور المسئول مواقف الجماعة من إصلاح المدونة على ضوء الوثيقة التي أصدرتها، والتي وسمت بـ “مدونة الأسرة.. منطلقات مؤسسة”، إذ إنه بعد عشرين سنة من التطبيق الفعلي لها، نوه بالجهود المعتبرة المبذولة فيها، وأوضح أنها “جاءت باجتهادات في قضايا معينة في غاية الأهمية”، موضحا أن مما يحسب لها كذلك “أن اللجنة الاستشارية لهذه المدونة كان من بين أعضائها عدد من الفضلاء والعلماء الكبار”.

 غير أنه عند تنزيل المدونة ظهرت العديد من الاختلالات، الراجعة في نظر المتحدث، إلى أمور متعددة منها “ما يتعلق بنص المدونة نفسه، حيث إنه اجتهاد بشري وفهم لعدد من النصوص الشرعية وفهم للواقع”. ومنها ما يتعلق بـ “بطء عدد من المساطر التي اتخذت عند تنزيلها، وهو ما تسبب في ضياع عدد من حقوق الناس ومصالحهم”. كما أن مدونة الأسرة “افتقرت إلى موارد بشرية حيث إن الملفات المعروضة على قضاء الأسرة كثيرة ومتعددة والموارد البشرية لا تنسجم مع حجم هذه الملفات”، ينضاف إلى ذلك أن “هيئة القضاء تحتاج إلى تأهيل، حيث إن عددا من القضايا يرجع فيها إلى سلطة القاضي وتقديره”.

هناك أيضا إشكالات تخص المجتمع، يقول الدكتور المسئول، فـ”الزوج والزوجة والأطفال، كل أولئك لهم أعرافهم وتقاليدهم وأخلاقهم، وهذا تسبب في وجود بعض الأعطاب”.

واعتبر أستاذ الدراسات القرآنية أن مطلب تعديل المدونة مطلب أساس جاء نتيجة سياقات محلية وأخرى دولية؛ محليا أحال على ما سبق التحدث فيه من “بطء المساطر المعتمدة في تنزيلها، وقلة الموارد البشرية، وكون مدونة الأسرة يراد لها أن تكون منسجمة مع الوثيقة الدستورية التي صدرت سنة 2011، ثم هناك التحولات الاجتماعية التي عرفها البلد، والتي تمس المرأة والرجل”.

وهناك أيضا سياقات دولية ضاغطة، “حيث إن المغرب منذ أن وقع على اتفاقية سيداو والضغوط تتوالى عليه لكي يغير عددا من النصوص، وفي اجتماعات الأمم المتحدة سنة 2020 صدرت توصيات تمس هويتنا؛ تمس نظام الإرث ولا تجرم الإجهاض والشذوذ والفساد.. ليصل هذا الضغط أوجه سنة 2022، حيث طولب المغرب بمهلة سنتين لكي يرفع التحفظات على عدد من القضايا كي يكوّن منظومة قانونية خالية من الميز ضد النساء؛ من مثل تزويج القاصر وتعدد الزوجات وأمور تتعلق بالحضانة وأمور تتعلق بالإرث”.

وأكد المسئول أن الجماعة “مع الاتفاقيات الدولية، التي أخذت مسار عولمة حقوق الأسرة من منطلق المنظومة الأممية، لكن شرط أن تحافظ على فطرة الإنسان، وألا تتعارض هذه الاتفاقيات الدولية مع أصول ديننا وقطعياته، فضلا أنه ينبغي ألا تتعارض مع هويتنا الثقافية والحضارية”.

وحول دواعي انخراط الجماعة في هذا النقاش بين الدكتور المسئول أن “جماعة العدل والإحسان حركة مجتمعية والأسرة نواة المجتمع لذلك كان لزاما أن تنخرط الجماعة في هذه القضية المجتمعية ذات الأهمية، لأنه لا يمكن لأي تغيير ولا إصلاح للمجتمع أن يتم إلا إذا مر عبر قناة الأسرة”، وأضاف أن “الأسرة جزء لا يتجزأ من اهتمامات الجماعة، بل إنها أسست لجنة تسمى بلجنة الأسرة والطفل تهتم باحتضان الأسرة وبتأهيلها”. إضافة إلى ما نرى “من مآس تعيشها عدد من الأسر داخل مجتمعات اختارت إطلاق العنان للرذيلة وكانت النتيجة أن تفككت أسرهم. لذلك نقول إن الحلول المستنسخة من بيئات غير بيئتنا لا يمكن أن يصلح معها أمرنا بمعزل عن هويتنا وعن مرجعيتنا”.