في الذكرى الثانية لرحيل الإمام ياسين.. نظرات في التغيير الذي أراده

Cover Image for في الذكرى الثانية لرحيل الإمام ياسين.. نظرات في التغيير الذي أراده
نشر بتاريخ

تطل علينا في هذه الأيام الذكرى الثانية لرحيل الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله (28 محرم بالتقويم الهجري – 13 دجنبر بالتقويم الميلادي) والأمة الإسلامية تعيش أزمات خانقة واضطرابات متصاعدة تراكمت على مدى تاريخها منذ انتقاض عروة الحكم، وترسخت جراء هيمنة الاستبداد، واستفحلت بسبب التدخل الخارجي والتآمر الداخلي.

لم تكن وفاة الإمام المرشد رحمه الله تعالى عدا عكسيا لامتداد مشروعه في الزمان والمكان، بل كانت، على العكس من ذلك، حدثا كبيرا أثار الانتباه إلى ما بذله على مدى عقود طويلة من جهود علمية وفكرية وتربوية ودعوية وسياسية، ونبراسا كشف الطريق أمام رواد التغيير برصيده الفكري الرصين، وبجهاده الميداني البناء، وبمثاله الذي سيبقى حيا يقتدى.

لقد بات شعار التغيير هو المطلب الأول للأمة المغلوبة على أمرها، والمبتغى الأكثر إلحاحا على الإنسانية التائهة الشقية بمن يقودها إلى مزيد من الخراب والدمار. فمن أي مدخل يكون التغيير؟ وبأية إرادة ينطلق؟ وإلى أية غاية يمضي؟

للإمام المرشد رحمه الله أجوبة واجتهادات غنية مبثوثة في مشروعه الكبير، والذي يعتبر فيه التغيير محورا أساسيا في الجهاز المفاهيمي الذي أسسه، فلا يكاد يخلو حديث من أحاديثه أو مخطوط من مخطوطاته من تناول التغيير، آفاقه ومقوماته ووسائله وثمراته، تصريحا أو تلميحا، إجمالا أو تفصيلا، بدءا وأساسا بتغيير الإنسان. فإذا كانت الثورات تهدف إلى تغيير بنيات المجتمع، وبناء اقتصاده، وإصلاح نظامه السياسي. ثم لا شيء بعد ذلك إلا هذه الثقافةُ الثوريةُ، والفنُّ الثوريُّ) 1 ، فإن القرآن الكريم يشير أيضا إلى تغيير المجتمع، بنياتِه واقتصادِه وسياستِه، ويُشَرِّعُ لذلك شرائع، ويرسُم له منهاجا. لكن ذلك التغيير لا يدور حول نفسه، ولا ينتهي عند مقدماته، بل يدور حول الإنسان، ويخدُم غاية تحرير الإنسان من كل عبودية، ليدخل في العبودية لله عز وجل) 2 .

ولم يفت الإمام المرشد رحمه الله أن ينبه إلى أهمية الإرادة الحقيقية والتعبئة الكاملة والتحام الطليعة بالعامة في أي فعل تغييري واعد. فالتغيير في نظره رهين بانبعاث الإرادة المغيرة الفاعلة من داخل صدور الملايين، وقد ألِفَتْ الملايين قرونا أن تضع أمرَها بين يدي الحاكم، وتتواكل إليه، وتسكت عنه) 3 . لذلك فمبادرات التغيير التي تتخذها القيادةُ تبقى مولوداً ميتا، أو تعيش كائنا هزيلا، إن اصطدمت بأرضية الخمول، ووُكِلَ تنفيذُها “للروتين” الإداري، ولم يَتَبَنَّها الشعب) 4 . كما أن ابتكار المستقبل وشكل النظام لا يقومان على أرضية انتخابية أو برنامج حكومي. وإنما يقتضي الأمرُ مَشروع عُمرانٍ واضح الخُطَّة ونظرة بعيدة تبني مشروع مجتمع يستجيب للحاجات الدائمة التي تفتقر إليها الشعوب الإسلامية، ويُؤَمِّنُ العدل والسلام الذين تتوق إليهما. لا بد لهذا المشروع أن يصاغ وأن يجسد في إرادة عامة) 5 .

كما يعتبر، رحمه الله، التواصل والحوار مدخلا أساسيا لجمع كلمة وجهود العاملين لأجل التغيير السياسي والتنموي ولتدبير المراحل الانتقالية، فبما أن الديمقراطية حوار وحوار، وحل للخلاف السياسي بالوسائل السياسية المتحضرة لا بالدبابات تُحشد لحصد الخصم السياسي الفائز عليك، فإن في الأفق أملا) 6 . فلا يفيد أن نرفض الحوار مع من يطلب الحوار، ولا أن نستعلي بالإيمان عن الجلوس إلى مناقشة، ولا أن نغتر بالحق الذي ندعو إليه إن عجزنا عن تبليغ كلمة الحق، والبرهنة عليها، ومصابرة المجادل، ومطاولته، ومجاولته. لا يفيد أن نلوي أعناقنا أو نتناسى وجودًا مكثفا لطائفة تتفاوت علاقتها بالإسلام) 7 .

التغيير إذن عند الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى يأخذ أكثر من بعد ويلامس أكثر من قضية ويجيب عن أكثر من سؤال. لذلك تعلن جماعة العدل والإحسان عن إطلاق فعاليات إحياء الذكرى الثانية لرحيله وفاء وعرفانا للرجل وعطاءاته، واكتشافا متجددا لمفهوم التغيير في كتاباته وفكره.

إن الإحياء السنوي لذكرى وفاة الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى سيبقى مناسبة للتذكير بما أجراه الله على يديه من خير يعم الأمة والإنسانية، وفرصة لتجديد الصلة بمشروعه الكبير، ولإلقاء الضوء على الكثير من تفاصيل فكره وتصوراته في مختلف المجالات، خاصة وسط هذا الحصار الخانق، ومع هذا التناول غير الموضوعي لنظريته واجتهادته، بسبب مواقفه الصادعة بالحق الثابتة عليه والصامدة في وجه الظلم والجور.


[1] إمامة الأمة، عبد السلام ياسين، ص 85/86.\
[2] نفسه، ص 87\
[3] نفسه، ص 91.\
[4] نفسه، ص 89.\
[5] الإسلام والحداثة، عبد السلام ياسين، ص 325.\
[6] حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، عبد السلام ياسين، ص 62.\
[7] الإسلام والقومية العلمانية، عبد السلام ياسين، ص 129.\