في الحاجة إلى رمضان

Cover Image for في الحاجة إلى رمضان
نشر بتاريخ

١

رمضان عطية الله إلى أحبابه لتصحيح الوجهة إليه، يمد لك يد الصحبة في زمن موقوت محدود لكنه ممتد النفع غزير الفضل قوي السر عجيب الأثر.

شهر رمضان شهر التحقق بوحدانية الله بامتياز.

رمضان جاء ليطهر سريرتك من الأغيار على وجه السرعة، فالموعد لن يتجاوز زمنا أذن به الله حتى تستعجل الانتفاع بضيف الله.

تتقرب من الله عز وجل، فلا يهمك بعدها بمن رضي عنك أو سخط، يكفيك هو. يكفيك الله. الله ذو الجلال والإكرام رب الكون ومكون الأكوان.

الله… يتجلى على أهل الدنيا بنوره يتودد إليهم.. هل من سائل؟ يحب الله العطاء فيعطي، يحب الكرم فيكرم، يحب الجود فيجود… هل من تائب؟ يحب الله التوابين ويحب المتطهرين من أدناس النفس وأوصافها، يفرح بتوبة العبد حتى وإن بلغت ذنوبه عنان السماوات والأرض.

ينظر إلى عباده فينير بنظرته قلوبهم ويمنحهم نورا يمشون به بين الناس.

وسام محبة لا يراه إلا أصفياء القلوب.

الله… يتودد إلى عباده ويرزقهم ويعدهم أن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

٢

صحبة ومحبة

تمشي في الأرض مشي الساعي على الأيتام؛ أيتام الروح، لتدلهم على حقيقة أبوة الروح وولادة الروح وسير الروح وسلوك الروح ولقاء الروح بالروح. تضع يدك في يد أحباب لك يحملون معك نفس الهم فتنزاح العقبات وتعبد الله كثيرا وتذكره كثيرا وتقيم الدين بقوة.

تجعل نهارك سبحا جميلا ويكون ليلك سفرا في الملكوت، تقبل على الله متذللا بين يدي جبار قوي متين وقد سكنت روحك بين يدي ودود رؤوف حليم… ثم لا يبزغ فجرك إلا على بشارة “قوموا قد غفر الله لكم”. تغفر الذنوب وتولد القلوب وتتحاب.

تختصر المحبة الطريق ويسلمك الله عهدا منه لا يقبل النقض “حقت محبتي للمتاحبين فيّ”، “حقت محبتي للمتواصلين في”، “حقت محبتي للمتجالسين في”…

٣

لا إله إلا الله

تعتكف بين يدي الواحد الأحد؛ تمد يدك المرتعشة وتمد قلبك تود أن تزيل عنه الحجاب تلو الحجاب، وتذيب قسوته مع كل “لا إله إلا الله”…

تعيد إليه الحياة بعد اختناق.

تعيد إليه فرحة النبض بالله.

تكثر من قول لا إله إلا الله وأنت توقن أن “لا إله إلا الله” مفتاح البركات ومرسى السالكين، بها يتفيؤون من النور.

“لا إله إلا الله” عملة الأرواح، بها تفيض المعاني فتحمل الروح إلى الأعالي.

“لا إله إلا الله” منارة الذاكرين.

“لا إله إلا الله” سر الوصول والقبول، سر الرضا من الرحمن.

من دعي إلى “لا إله إلا الله” ولم يستجب، فهو مغبون مغبون.

من دعي إلى “لا إله إلا الله” ولم يكن له منها حظ، فقد شتت شمل روحه بكلتا يديه.,

“لا إله إلا الله” سر التوحيد.

“لا إله إلا الله” مطهرة للقلب من الأدران مطردة من الأغيار.

كل الموازين مهما ثقلت تسبقها “لا إله إلا الله”.

“لا إله إلا الله” سر لا يعلمه إلا الله.

٤

القلب وعاء

يتهيأ القلب، يتطهر، يتحقق بالتوحيد جوهرا ومظهرا، يصفو، ثم تصقل مراياه وتضيء قناديله وتشتغل فوانيسه.

هكذا يستعد القلب لتلقي القرآن الكريم؛ كلام الله المنزل إلى قلب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قلبه صلوات ربي وسلامه عليه إلى قلوب صحابته، ثم يتصل سند القلوب ومعه سند الحب وتقر عين الحبيب بأهل الله وخاصته.

في القرآن وبالقرآن تعلو همم المحبين وهم يرتلون كلام حبيبهم، يتحسسون الود والحب والرحمة واللطف، يشربون شراب الصفاء والهيام، يشربون شراب الروح ويسقيهم ربهم طعام الواصلين إلى مآدب الأنس.

٥

بين يدي سيدي رسول الله

ماذا تكون في رمضان غير متبع لسيدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه متقربا منه مقتفيا أثره.  تعلم يقينا أن الباب الأقرب للدخول على الله عز وجل أن يرضى عنك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحبك ويشفع لك فتتوسم رضاه في كل صغيرة أو كبيرة. تبحث عن سننه فتتبعها محبا وتتحسس ربانيتها وأثرها على قلبك. تخرج من بيتك خروج مجدد للنية طالبا من ربك أن يجعلك على أثر سيدنا رسول الله ما استطعت. ثم لا تفتأ تذكر محبوبك، بكثرة الصلاة عليه.

الصلاة على الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، فتح قلب وسلوة روح ووصال لا تحبسه برازخ الموت.

الصلاة على الحبيب وثيقة حضور بين يديه صلوات ربي وسلامه عليه؛ تحدثه ولسان حالك يترجم جذوة العشق الملتهب في فؤاد الْتاع من شدة الشوق:

سيدي يا رسول الله يا بغية الروح ويا أملي

هذي أجنحة قلبي متكسرة عرجاء ودت لو أنها طارت إليك وتحت جناح محبتك تتدثر حتى يزول منها كل شك ويرفع عنها حجاب المنع.

٦

هلا صمت؟

جوارحك الصائمة مطالبة بأن تصدق.

عينك ولسانك ويدك ورجلك؛ نوافذ مشرعة إلى السراب… إن أنت أطلقتها في غير ما يرضي الله فلن تنال من صومك إلا الجوع والعطش.

يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ .

صم ظاهرا وصم باطنا .

صم عن الأغيار، اصدق الله في الحب، أخبره أنك تحبه.

أخبره أنك صائم عن وصال غيره.

أخبره أنك أمسكت عن عبادة الهوى، وأنك مفطر على شراب الحب حتى يذهب الظمأ وتبتل العروق ويثبت الأجر.

أظهر له صدق هجرتك لكل المفطرات .

ومن المفطرات أن تذكر محبوبا غير الله.

٧

رمضان والإنفاق

هذه سمة رمضان في كل الأزمان؛ أن تكون يدك سخاء، تنفق من غير حساب ولا تخشى من ذي العرش إقلالا.

عرف المنفقون الفضل فلزموه، وعدهم الله أنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

ويتجاوز أهل الله إنفاق المال إلى إنفاق المعنى.

يفيضون عليك بالمحبة فيجبرون الكسور ويضمدون الجراح بدعوات في خلوات الأسحار.

يربطون القلوب بعقد النور ويرفعون طلبات الوصال إلى الحي القيوم. 

يخدمون عيال الله ويتوددون بخدمتهم ربا حبيبا قريبا لا إله إلا هو.

يخدمون العباد ويذللون الطريق ويشدون بالهمم الفاترة ويحيون القلوب المتساقطة في بحر الأوجاع.

لعل نظرة منه سبحانه تروي أشواقهم الملتهبة إلى لقائه.

بل لعل موعد اللقاء يحين، فلا ألذ من النظر إلى وجهه الكريم.

٨

وعباد الرحمن

أن تمشي على الأرض هونا؛ تعني أن تخفض جناح قلبك لمن أحبه الله فجعله له عبدا، نسبه إليه لأنه أرحم به من كل الرحماء.

تذكر… على قدر همتك تعطى، وعلى قدر عطشك تروى، وعلى قدر صفائك تحمل، فيريك الله من آياته ما يلين به جلدك  وتسمو به روحك  ويسجد  به قلبك؛ سجودا لا ترفع منه إلا وقد نلت البشارة وحزت الجائزة وفزت بالله مع الفائزين.