غفلة عن جارة (قصة قصيرة)

Cover Image for غفلة عن جارة (قصة قصيرة)
نشر بتاريخ

التقيتها اليوم أمام باب العمارة؛ نحيلة الجسم، غائرة العينين، خائرة القوى تكاد تسقط على الأرض من فرط التعب، متكئة على كتف ابنتها الكبرى تسندها وتشد عضدها، تلعثمت ولم أنبس ببنت شفة من هول ما رأيت، حدثت نفسي في خجل: يا ترى ما الذي دهى جارتي فاطمة؟ يا ترى ما الذي فاتني عنها من أحداث وخبر؟ أعلم أني فرطت في حقها – وهي القريبة مني – فقد غبت عنها وانشغلت بفتن الحياة والسعي على العيال بلا كلل ولا ملل، ولكن ألهذا الحد تأخذنا الدنيا حتى ننسى الأقارب والأحباب والجيران!

عانقتها بلهفة المحب الولهان، وأنا أغالب دموعي وتغالبني… ضممتها إلى صدري وأنا أتمتم: سامحيني عزيزتي فقد غبت عنك قليلا. أجابتني بحرقة شديدة وعبراتها تنسدل كلؤلؤ يترقرق بين الوجنتين: أجل غبت ولكن غبت طويلا، إنها ثلاثة أشهر من الفراق، لم تدقي لي بابا أو تسمعيني همسا أو تسألي عني ابنا أو بنتا، ما كل هذا الجفاء يا جارتي! يا كاتمة سري، يا سندي قبل أهلي وأحبابي، يا من توسمت فيها الخير قبل نفسي، يا من دلتني على رفقة الطيبات، يامن علمتني ذكر ربي في الشدة والرخاء، يامن بفضلها ذقت حلاوة الإيمان في مجالس الذكر والقرآن، يامن علمتني الصلاة على خير الأنام…

أمسكت بيدها ودلفنا بيتها، شعرت كأنها تودعني، أدخلناها أنا وابنتها غرفتها، وضعناها في مضجعها، وسرعان ما استسلمت لنوم عميق، خرجت مهرولة نحو بهو البيت أستفسر ابنتها لعلي أجد الجواب لسؤالي العليل: مهلا عزيزتي ماذا أسمع؟! هل أنا في واقع أم حلم؟! ما كل هذا العتاب والوجع؟! ما الذي تشكو منه أمك يا بنيتي أصدقيني الخبر؟! هيا أسرعي قبل أن يتوقف نبض القلب أو ينخلع.

لا تجزعي يا خالة فالأمر والحمد لله ليس بالأمر الجلل، شملتنا رحمة الرحمان وأطفأت لهيب الجزع، إنه فقط ورم حميد يحتاج الدواء والدعاء قبل أن يتلاشى ويندثر.

الحمد لله الحمد لله. هويت على الأرض ساجدة شاكرة لفضل المولى سامع الشكوى وكاشف البلوى، وعبراتي سيل على الخدود تجري بلا هوادة أو انقطاع، حمدت ربي أن جعل لي فسحة جديدة لأدثر جارتي بحسن الجوار، وأشملها بمسك الصحبة والزيارة والتعهد في الشدة والرخاء.

فسلام على من أحسن للجوار والجار ولو تعدى وجار.