غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم

Cover Image for غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم
نشر بتاريخ

ارتبطت الشجاعة منذ القدم بالقوة العضلية، فلا تكاد تجد أمة من الأمم إلا وتخلد اسم شخص يضرب به المثل في القوة.

ولطالما تغنى العرب بمن يغضب حمية ويبادر بالانتقام والثأر، خاصة وأن الغضب في الجاهلية كان أمرا محمودا حيث الحمية والعصبية، بل كان رمزا  لكمال الرجولة ودليلا على الشهامة والقوة رغم ما كان ينشأ عنه من بطش وظلم وحروب.

فالغضب إن كان انتصارا للنفس فهو أداة مدمرة تلحق الضرر بصاحبها قبل أن تلحقه بخصمه، وتجعله يرتكب الحماقات، ويحيد عن سلوك العقلاء. وصدق الشاعر لما قال:

مالي غضبت فضاع أمري من يدي ** والأمر يخرج من يد الغضبان

ولما جاء الرحمة المهداة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم غيّر مجرى التاريخ، ووضع حدا فاصلا بين الغضب المدمر الذي يهدم ولا يبني وبين الغضب لله الذي منشأه الحق والعدل. فالغضب نوعان كما قال بن عرفة: «الغضب بين المخلوقين شيء يداخل قلوبهم، ومنه محمود ومذموم، فالمذموم ما كان في غير الحق، والمحمود ما كان في جانب الدين والحق» (لسان العرب، ج 11، ص 55).

وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الغضب المذموم الذي تتسلط فيه النفس وتتأله، وتجعل صاحبها يندم حيث لا ينفعه الندم؛ كأن يقتل شخصا أو يطلق زوجه طلاقا لا رجعة فيه أو غير ذلك.. وأثنى صلى الله عليه وسلم على الذي يملك نفسه عند الغضب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (متفق عليه).

وما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه غضب لنفسه قط، فقد أوذي واستهزئ به وقيل عنه مجنون وساحر، ووضع سلا جزور على رأسه الشريف، وأخرج من أحب البلدان إلى قلبه، وتعرض لشتى أنواع الإيذاء، فما كان رده صلى الله عليه وسلم على ذلك كله إلا  قولته الشهيرة: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون”. ولم يثبت عليه أن فجر غضبه في شخص معين أو ضربه، فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل» (رواه مسلم).

فعند انتهاك حرمات الله كان صلى الله عليه وسلم يغضب لله حتى تحمر وجنتاه الشريفتان، فلما طلبت قريش من أسامة بن زيد أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن المرأة المخزومية التي سرقت ليسقط عنها الحد تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: “أتشفع في حد من حدود الله؟”،  فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله. فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: “أما بعد فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها” (متفق عليه). رضي الله عنها وأرضاها ما كانت لتسرق وهي الكاملة الطاهرة المطهرة، إنما  وضح صلى الله عليه وسلم مطلق العدل الإلهي الذي كان يسعى لتحقيقه، ونبذ كل محسوبية وزبونية. صلى عليك الله يا علم الهدى. ما أحوجنا لهذا العدل ولمن يغضب هذه الغضبة في زماننا.

كما كان يغضب صلى الله عليه وسلم خوفا على أمته وحرصا على تبليغ دعوته برفق وروية، فعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: «أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إني لأتأخر  عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، قال: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط أشد غضبا في موعظة منه يومئذ، قال: فقال يا أيها الناس، إن منكم منفرين فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز فإن فيهم المريض، والكبير، وذا الحاجة» (رواه البخاري).

فعندما تعلق الأمر بالصلاة؛ فإنه صلى الله عليه وسلم يغضب من كل منفر لا يجيد الدعوة للإسلام، ولا يترفق بالناس، وفي هذا عبرة لكل داعية يحمل لواء الإسلام.

والمواقف التي غضب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت كلها لإحقاق الحق وإبطال الباطل، وهي كثيرة لا نستطيع حصرها، تجلى فيها الغضب لله والحق.

ما أعدلك يا سيدي يا رسول الله! عدل حتى في غضبك. وما ألطفك بأمتك! كنت حريصا تمام الحرص على هدايتها. رزقنا الله حسن اتباعك، ووفقنا لتبليغ دعوتك كما تحب وترضى. آمين آمين. والحمد لله رب العالمين.