غزوة بدر والحاجة إلى النصر

Cover Image for غزوة بدر والحاجة إلى النصر
نشر بتاريخ

مع  حلول شهر رمضان من كل سنة تطل علينا ذكرى عظيمة تأخذنا إلى زمن النبوة، حيث الملحمة الكبرى التي غيرت مجرى التاريخ وأبانت عن الروح الإيمانية العالية والثبات والإقدام في سبيل نصرة المستضعفين وإعلاء كلمة الحق.

لم يكن لهذا الحدث العظيم أن يتم لولا إرادة الله في هدم الباطل وإحقاق الحق، إرادة أجراها الله تعالى على يد نبيه الكريم وصحابته العظام، لِما رأى من برهان صدقهم وثباتهم طوال سنوات الظلم والقهر والاضطهاد الذي مورس في حقهم من طرف قوى الشرك المسيطرة، ولِما وافق من تربية نبوية إيمانية رحيمة امتدت على مدار خمسة عشر سنة، زرعت في قلوب الصحابة والصحابيات يقينا صادقا بما وعد الجليل في كتابه العزيز: وكان حقا علينا نصر المؤمنين (الروم، الآية 47)،  ودفعت بهم إلى الإعداد لهذا اليوم العظيم، إعداد القوة القلبية والعقلية وإعداد العدة والعتاد، وبذلك أهلتهم لينالوا شرف التأييد الرباني  والمدد الإلهي.

ونحن اليوم إذ ننظر في هذه الذكرى العطرة إنما ننظر في حال أمتنا وما تتجرعه من مآسي وما تكابده من آلام واضطهاد وظلم واستبداد وفساد، لا يختلف في جوهره عما عاشه النبي وصحابته الكرام منذ البدايات الأولى للدعوة الإسلامية، جوهر قوامه محاربة مشروع رباني يروم “إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام”، فالذي نصرهم ومكن لهم بالأمس قادر أن يمكن لنا  اليوم في الأرض ويستخلفنا كما استخلفهم فيها، وهو القائل في محكم آياته: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور، الآية 55).

ولبلوغ ذلك سنكون في حاجة إلى قوة يقين تدفعنا إلى العمل وإعطاء الأسباب حقها، علما وعملا وسلوكا جهاديا، كما كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “سنة الله أن ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة، إن آمنوا وعملوا الصالحات، لا إن أخلوا بالشرط الجهادي حالمين بالمدد الإلهي الخارق للعادة، وهو مدد لا يتنزل على القاعدين بل يخص به الله من قام وشمر وتعب في بذل الجهد، وأعطى الأسباب حقها، وأعد القوة وبذل المال والنفس وحزب جند الله وجيشهم وسلحهم وتربص بالعدو وخادعه وماكره وغالبه” (1).

كما سنكون في حاجة إلى البحث عن صحبة قيادية ربانية ترسم لنا معالم الطريق، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان معلما ومزكيا ومربيا صقل قلوب الصحابة الكرام والصحابيات الجليلات، ورباهم تربية قائمة على الذكر الدائم لله، والصدق في طلب ما عنده، وبذل النفس والمال في سبيله، ثم قبل كل هذا رباهم على الأخوة والمحبة فيه عز وجل، كما كان قائدا أهلهم للجهاد، وقاد معاركهم ورص صفوفهم، ووجه جيوشهم.

وسنكون أيضا في أمس الحاجة إلى قوة الدعاء لله والتضرع بين يديه والتماس العون والمدد منه تأسيا برسول الله وصحبه، كما أخبرت بذلك الآيات: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (الأنفال، الآية 9).

أفلا يحق لهذه الغزوة العظيمة أن تدفعنا إلى البحث عن مكامن الضعف والعجز في جسد أمتنا، فتبث أملا صادقا في قلوبنا، وتضع بين أيدينا منهاجا نبويا متكاملا ينقلنا من حال الشك والريب إلى حال اليقين والتصديق، ومن اليقين الحالم بالمدد الإلهي إلى اليقين الممزوج بالعمل، ومن العمل المرتبط بالسلوك القلبي الذي يروم خلاصا فرديا إلى العمل السلوكي الجهادي الذي يتطلع إلى خلاص جماعي غايته حمل هم الأمة وتحقيق العدل للمستضعفين.


(1) سنة الله، عبد السلام ياسين، الطبعة الأولى: 2005-1426، مطبعة النجاح، ص 9.