غزة كما أرادها الله لا كما يشتهي الأعداء

Cover Image for غزة كما أرادها الله لا كما يشتهي الأعداء
نشر بتاريخ

تجري بنا الأحداث وتتسارع، وقد وضعت الحرب أوزارها وبدأت النتائج تظهر للعيان، كان النصر حليف جند الله ممن اختارهم الله رجالا للمقاومة، الأشاوس الذين سطروا ملحمة فريدة وعجيبة في التاريخ الحديث، كتبوا بدمائهم الزكية وأرواحهم الطاهرة على رقعة غزة عبارة: (غزة مقبرة الغزاة)، «لقد مني العدو بخسارة استراتيجية في السابع من أكتوبر تتكرس في كل لحظة على أرض غزة اليوم، هُزِمَ العدو على كل المحاور وفي جميع الميادين وساحات المعركة المستمرة، سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا وأمنيا وإعلاميا وشعبيا؛ أمام صمود شعبنا وقوة وبسالة المقاومة وعدالة قضيتنا ومشروعية حقوقنا» 1.

هي غزة كما أرادها الله وكما هي تحت عينه وعنايته سبحانه، مهما كان الألم لفقد الأحبة والدمار الشامل الذي أصاب البر والبحر والجو.. ننظر للأحداث بنظرة الغيب؛ إذ الحق سبحان قد أنجز وعده لعباده حيث صدقوا الله فصدقهم، وقد اتخذ منهم شهداء كما طلبوه صادقين، فكيف إذن يطلبون الشهادة؟ حتى إذا بلغ المقصود وتحقق المراد أصابنا الذعر وخابت الآمال وكأننا نريد غير ذات الشوكة ونوشك أن ننسى قوله تعالى: وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء.

اختارهم الله وحقق ما كانوا ينتظرون وما من أجله استرخصوا الأنفس والمهج.

ولك أن تتأمل قول تلك المرأة الحرة الأبية وقد قدمت بين يديها ثلاثة شهداء وهي تنادي الحق سبحانه: “خذ من أبنائي حتى ترضى”، وأخرى يسألونها عن فقد أربعة فتجيب: “ما آلمني حقا وصدقا أني لم يكرمني المولى بالشهادة”، وليست تأسف على فقدان فلذات أكبادها.

وكأني أتأمل قول ذلك الرجل الصالح وهو يحذر أحد الشباب من البكاء: “لا تبكِ يا زلمة..”؛ لا تظهر لهم الحزن فيفرح العدو الغاصب ويشمت فينا .

غزة العزة اليوم عنوان النصر والتحرر في العصر الحديث، لا حديث في نوادي الناس وفي كل مؤسساتهم إلا عن غزة، وكأن الله اختار أهل هذه البقعة المباركة كما اختار الصحابة في غزوة بدر.

أخرجهم وكانوا حريصين على قافلة قريش فقط، ويريد الله لهم ذات الشوكة، يريدها الله حربا ضروسا بين الحق والباطل، وقد عبر عن ذلك القرآن الكريم: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ [الأنفال: 5-6].

فالذي أخرج الصحابة الكرام يوم بدر هو من أخرج أهل الله أبطال المقاومة في غزة، والذي مكَّن من النصر يوم بدر لا يعجزه أن ينصر جنده المتمسكين بشريعته، فهو سبحانه الذي قتل وهو الذي رمى قال سبحانه: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأنفال: 17].

قَالَ مُجَاهِدٌ: سبب نزول هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ لَمَّا انْصَرَفُوا عَنِ الْقِتَالِ كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ: أَنَا قَتَلْتُ فَلَانًا وَيَقُولُ الْآخَرُ مثله، فنزلت هذه الْآيَةُ. وَمَعْنَاهُ: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ أَنْتُمْ بقوّتكم ولكنّ الله قتلهم بنصرته إيّاكم وتقويته لكم. وقيل: ولكن اللَّهَ قَتَلَهُمْ بِإِمْدَادِ الْمَلَائِكَةِ 2.

يطالعنا ترامب بخطاب أقرب للتهديد والوعيد منه للرجاء والطلب، يستقبل صنوه وتوأم روحه بالبيت الأبيض فيقربه ويدنيه ويفرش له السجاد الأحمر ويهيئ له النمارق.

يهش في وجهه ويبش، يسمعه من أحلى الكلام ما يفرحه ويسعده ويغنيه، كأنها البشرى، يتلقفه نتنياهو وقد صدّت في وجهه الأبواب وتقطعت به الأسباب، وقد أفضى صاغرا إلى هزيمة نكراء على يد سواعد متوضئة وجباه تأبى السجود إلا لله وهامات ترفض الانحناء والركوع إلا له سبحانه.

ذاق مرارة الهزيمة في أرض المعركة وخسر ماء الوجه بعد المعركة، والقادم أفضل بإذن الله، حيث لن ينفعهم البكاء ولا اللطيمة وحتى العويل.

كتب الله لينصرن جنده وليمحقنَّ الكافرين المحتلين الغاصبين، يتبجح ترامب وبلا حياء أنه سيغتصب الأرض وسيعمل على تهجير شعب من أرضه وكأنه نسي أن سلفه بايدن نزل هناك بخيله ورجله بعدته وعظيم عتاده ما يزيد عن خمسة عشر شهرا فانهزم شر هزيمة.

فهل بوسع المتعجرف أن يصنع أكثر مما صنع سلفه؟ وهلا أخذ الدروس والعبر؟ ولو كان بوسعه شيء لما ترك جنوده يذبحون كما هي الخراف أيام العيد، ولما احتاج لهذا الوعيد والتهديد، وهو يعلم يقينا أن غزة العزة مقبرة الغزاة.

ويقيننا أن الذي حفظ المقاومة ما يزيد عن سنة ونيِّف قادر على حفظ جنده في ما بقي، قال الشاعر :

كما أحسن الله فيما مضى

كذلك يحسن فيما بقي

أمريكا مع هذا الرئيس ستكتب نهايتها قريبا في غزة، والتاريخ بيننا، وصدق الله وكذب ترامب، أمريكا انهزمت في أفغانستان وستندحر في فلسطين، كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة: 21].

وكأني أتأمل قصة فرعون وهو يطلب المدد من وزيره هامان يريد منه أن يبني له الصرح حتى يتجرأ على الله، قال تعالى: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ  أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ [غافر: 36-37].

وقد جعل لنا المولى من القصص القرآني عبرة: لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِى ٱلْأَلْبَٰبِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَىْءٍۢ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ [يوسف: 111]. لعلهم يعتبرون بهذه القصص والأحداث، لأهل الخير وأهل الشر، وأن من فعل مثل فعلهم ناله ما نالهم من كرامة أو إهانة، ويعتبرون بها أيضا، ما لله من صفات الكمال والحكمة والقوة والبطش الشديد.

وهل استطاع فرعون بفساده وجبروته وتنكيله ببني إسرائيل، حيث كان يقتل الرجال ويستحيي النساء ويظهر في الأرض الفساد، أن ينتصر على نبي الله المؤيد بالوحي والمسدد بالمعجزات؟ كلاّ وألف كلاَّ، قال سبحانه حكاية عن ذلك إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِى ٱلْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْىِۦ نِسَآءَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ [القصص: 4].

لمن العبرة بالنتيجة وبالمآل حيث نجى الله عباده المؤمنين الصادقين وأغرق فرعون وهو الذي كان في القريب يفتريِ ويتبجح على الله: قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر: 29]؟

كتب الله وحكم وهو أصدق الحاكمين أن يندحر نتنياهو ومعه ترامب وكل رموز الفساد والظلم والاستبداد، وستبقى غزة العزة وسترتفع راية النصر خفاقة على أرض الإسراء والمعراج، والنصر حليف المقاومة، وما هي إلا أيام وتنتصر إرادة الله على إرادة ترامب، وستسقط أحلام وأمنيات كل المتصهينين العرب الذين يكيدون للمقاومة ويمكرون بها خوفا على عروشهم، ولا يعتبرون وأنى لهم أن يتعظوا.

توعد حاكم أمريكا بتهجير أصحاب الأرض وأن يلقي بشعب هو أفضل من طلعت عليهم الشمس في زمننا هذا في الصحاري والقفار كما يلقي بالقمامة في مطرح النفايات. توعد أن هذه الأرض لم تعد صالحة للعيش بما حلّ فيها من الدمار، ونسي أن جيشه هو من شارك في الإبادة الجماعية لأهل هذه الأرض، وعوضا عن تقديم الاعتذار صفح عن المجرم الجلاد وتوعد الضحية بأن يقتلعه عن أرض نبت فيها وجذوره متأصلة لا تزول ولا يطولها الموت، شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها يناطح السحاب هناك سريعة الإنبات وفيرة العطاء ولو كرِهت أمريكا ورضيعتها تل أبيب.

أهل غزة لن يبرحوا أرضهم ولن يتركوا ديارهم وإن أصبحت مجرد أكوام من الركام، فرائحة الجنة هناك، ولن يساومهم ترامب ولا نتنياهو ولو بالسكن والعيش في كنف وأحضان البيت الأبيض. ولن يخرجوا منها إلا منتصرين أو شهداء إلى جنة الخلد مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

وختاما أستحضر ما قاله أبو سفيان قبل إسلامه وقد أعيته الحيلة في اجتثاث دعوة الله في مهدها بمكة: “كلما زدناهم عذابا ازدادوا قوة”.

ورجال الله في غزة يكتبون في سمائها: “سيكون عليكم أن تقاتلوا الأجيال القادمة، وأما نحن فحياتنا ستكون أطول من حياة الفرعون ترامب ونتنياهو”، “وكما أنت هنا مزروع أنا ولي في هذه الأرض ألاف البذور، ومهما حاول الطغاة قلعنا ستنبت البذور. أنا هنا في أرضي الحبيبة كثيرة العطاء، ومثلها عطاؤنا”؛ كلمات صدرت عن الشهيد القائد محمد الضيف، وإنه لجهاد نصر أو استشهاد.


[1] من كلمة لأسامة حمدان عضو المكتب السياسي بحركة حماس.
[2] تفسير البغوي “معالم التنزيل”.