عيدك سعيد سيدتي المهمشة

Cover Image for عيدك سعيد سيدتي المهمشة
نشر بتاريخ

بعد عقود من النضال داخل الجبهات النسائية، لاتزال مناضلاتنا الفضليات يطالبن بحقوق المرأة بنفس النمطية المعهودة، وكأنهن يقمن باجترار المقولات الغربية في شأن القضية النسائية دون اعتبار للفارق الذي يجعل القياس ضربا من المستحيل، فليس من المقبول أن تختزل قضية المرأة في نزاع حقوقي لا يبارح مكانه دون الحديث عن إسقاط كلي لمنظومة الفساد والاستبداد التي تعرقل أي اصلاح في المغرب، إذ إن الإشكال الحقيقي لا يتعلق بالنصوص والتشريعات، إنما بالبيئة الحاضنة التي من شأنها أن تضمن حصانة التنزيل لهذه القوانين، فإذا استطاعت الحركة النسائية في الغرب تحقيق كم هائل من المكتسبات، فالفضل يرجع بالأساس لأنظمتها الديموقراطية واحترامها لحقوق الإنسان في إطار شامل لا تجزئه الاختلافات السياسية، وكل ذلك ضمن إرادة سياسية حقيقية تفرض سمو القوانين وتضمن تطبيقها، وفي غياب تام لهذه الأجواء نتساءل عن جدوى القوانين في بلادنا.

وكلما أطلت علينا ذكرى الثامن من مارس، أعادت لنا معها مرارة الإحساس بالإقصاء والتهميش لمختلف قضايانا، كنساء تواقات إلى الحرية والانعتاق من واقع الظلم الذي يكبل إرادة المرأة ويعيق مسيرتها؛ ابتداء من إنكار دورها داخل الأسرة وعدم الاعتراف به، مرورا بتجاهل فعلها الاجتماعي من داخل مجتمع مدني جاد ومسؤول وحر الإرادة، وانتهاء بعملها السياسي وضرورة الاعتراف بأهمية دورها في صناعة التغيير من أجل الدفع بالبلاد نحو التنمية الحقيقية التي تحترم الإنسان وتجعله في صلب اهتمامها.

منا من يضيق زاوية رؤيته فيظهر الصورة وكأنها مجرد صراع نناضل فيه ضد رجل استبد ليحتكر السلطة ويمارس العنف ويستهين بالمرأة، وهو كذلك لا محالة، لكن أصل البلاء أشد عمقا وأبعد أفقا، وآن الأوان للإشارة إلى مكمن الداء؛ ألا وهو استبداد الدولة واستهتارها بالإنسان عامة رجالا ونساء، إذ الظلم إطار شامل يمتهنه المستكبرون حماية لمكتسباتهم، وتثبيتا لتسلطهم للتحكم في مصائر العباد، وتحديد خط تسير وفقه كل البلاد. في خضم ذلك تعاني المرأة من ظلم مركب، ظلم تشترك فيه بالمناصفة مع أخيها الرجل يتقاسمان البؤس وضيق العيش في غياب كامل للعدل، وتضيق حولها حلقة الظلم لتصبح مستضعفة المستضعفين في ظلم يخصها به مجتمع ذكوري هو نتيجة حتمية للهبوط القيمي والتربوي للمجتمع المسلم الذي تخلى عن منابع قوته.

فقضية المرأة إذن لا يمكن حلها إلا في إطار شامل يستحضر كل الأبعاد سواء التربوية منها أو الاقتصادية والسياسية، وذلك كله لا يمكن تحقيقه إلا بإرادة سياسية حقيقية ترتفع فوق الترقيعات التي لا تصلح إلا لتجميل الصورة في الخارج، لكنها في المقابل تخفي مستنقعات من البؤس والإقصاء؛ بؤس الجهل والأمية التي تكاد تكون الإحصاءات بشأنها صادمة وللمرأة منها نصيب الأسد، خط الفقر الذي يظل أعلى من أن يبلغه عدد كبير من المغاربة فهم يقبعون تحت ظله المظلم، ونصيب المرأة منه أكبر الأنصبة… ومع ذلك لاتزال الأبواق الإعلامية الرسمية تدعي الاحتفاء بالمرأة المغربية، وكدنا نصدق لولا مرارة السؤال المزعج.

نستغل الثامن من مارس لا لنسميه عيدا، لأن العيد يوحي بالفرح والابتهاج، ولكن لنعيد به قضايا النساء إلى الواجهة وإلى دائرة الضوء لإغناء النقاش حول واقعها المظلم الذي لا ينفصل عن التردي العام، أملا في أن تتحرك بعض السواكن لمقاربتها المقاربة الحقيقية التي تنتصر للحل في إطاره الشمولي بعيدا عن المساهمة في تكريس واقع الحال.