عن “العدل والإحسان”.. الفكرة والتجربة

Cover Image for عن “العدل والإحسان”.. الفكرة والتجربة
نشر بتاريخ

نوه الأستاذ ياسر الزعاترة، صحفي ومحلل سياسي فلسطيني أردني، بكون جماعة العدل والإحسان “من أهمّ روافد الصحوة الإسلاميّة في المغرب”. وبكونها “قدّمت نموذجا فريدا في المحيط الإسلاميّ برفضها الانخراط في المؤسّسات السياسيّة القائمة، والمطالبة بإصلاح جذري؛ من دون أن تدخل في معارك جانبيّة مع من رأوا غير رأيها”. وأيضا لأنها “قدّمت نموذجا تربويّا متميزا في صناعة أفواج من الشبان المنتمين لدينهم، والحريصين على قضايا أمّتهم الكبرى”..

ونصح الجماعة بأن “تواصل الإبداع على صعيد الفكر وأدوات التغيير”، وألا تبقى أسيرة ما كتب الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى، “رغم أهمّيته وروعته”، نظرا لما تشهده المرحلة من انتقال تاريخي في موازين القوى الدوليّة.. في زمن عنوانه التغيّر المستمر.

نورد فيما يلي شهادة الأستاذ زعاترة، التي اعتبرها “نصيحة محب”، كاملة.


لا تخرج “العدل والإحسان” بتجربتها الطويلة والثريّة عن إطار ما بات يُعرف بـ”الإسلام السياسي” الذي يعتقد كثيرون أنه وحده المستهدف من قبل “الثورة المضادة” ردّا على “ربيع العرب”.

والحال أن المُستهدف هو “الصحوة الإسلاميّة” برمّتها، بل الدين على نحو أكثر دقّة، لأن من يديرون تلك الحملة كانوا وما زالوا يعتقدون أن بقاء التديّن، يعني بقاء الحاضنة لقوى “الإسلام السياسي”، والمطلوب (تبعا لذلك) هو تجفيف ينابيع التديّن، الأمر الذي يستدعي التشكيك بالدين وثوابته، وصولا إلى إقصائه من مجتمعاتنا.

حركة “العدل والإحسان”، وطوال 40 عاما من مسيرتها المباركة، كانت من أهمّ روافد الصحوة الإسلاميّة في المغرب، مع أثر خارجي لا بأس به أيضا، لا سيّما أنها قدّمت نموذجا فريدا في المحيط الإسلاميّ برفضها الانخراط في المؤسّسات السياسيّة القائمة، والمطالبة بإصلاح جذري؛ من دون أن تدخل في معارك جانبيّة مع من رأوا غير رأيها؛ كأنّها لم تجد بأسا في أن يدخل الناس “من أبواب متفرّقة”؛ ما دامت بوصلتهم هي خدمة هدف الأمّة في استعادة المرجعيّة الإسلاميّة للدولة والمجتمع.

وهي بجانب ذلك؛ قدّمت نموذجا تربويّا متميزا في صناعة أفواج من الشبان المنتمين لدينهم، والحريصين على قضايا أمّتهم الكبرى، وفي مقدمتها قضية فلسطين، وهؤلاء بدورهم قدّموا لمجتمعهم نماذج حيّة للتديّن الإيجابي، ما عزّز مسيرة الصحوة.

وإذا كانت لصاحب هذه السطور من كلمة تأتي في سياق النصيحة لأحبّة يتمنى لهم كل الخير، فهي القول إن على قيادة الحركة أن لا تقع فيما وقع فيه أحد الأحزاب الإسلاميّة؛ حين اعتبر تنظيرات مؤسّسه هي المبدأ والمنتهى في قراءة الدين والتاريخ وطرق التغيير، بل حتى واقع السياسة المتغيّر بطبعه، الأمر الذي جعله يخرّج نسخا “كروبونية” من العناصر، وانتهى إلى وضع لا ينسجم مع تغيّرات الواقع في زمن عنوانه التغيّر المستمر.

الخلاصة هي أن على الحركة أن تواصل الإبداع على صعيد الفكر وأدوات التغيير، من دون البقاء أسيرة للشيخ عبد السلام ياسين (رحمه الله) وما قدّمه، رغم أهمّيته وروعته، فكما أن هذه الأمّة كانت ولّادة على مدار التاريخ، فإن حركة كبيرة وفاعلة تضمّ جحافل من المبدعين الرساليّين، ينبغي أن تكون كذلك أيضا، وهي كذلك إذا ما فُتح باب الاجتهاد في التعامل مع مستجدّات الكون والحياة؛ وكل ذلك في مرحلة انتقال تاريخي في موازين القوى الدوليّة؛ ستشهد من دون شك عواصف على كل صعيد، حتى إنني لا أبالغ إذا قلت إن من سيعيشون الثلاثين عاما القادمة، سيرون كونا مختلفا وعجيبا على كل صعيد؛ في الأرض وفي الفضاء، وفي الواقع وفي الأفكار.

الفكرة الكبرى للحركة هي تجمّع يصنع جحافل من الرساليّين الذين يحملون همّ دينهم وأمّتهم، وما تبقى يمكن أن يكون قابلا للاجتهاد؛ بحسب ظروف الزمان والمكان، مع استمرار الإبداع الفكري أيضا على صعيد معالجة ما يستجدّ من قضايا، وهي كثيرة للأمانة.

الصحوة الإسلاميّة في خطر عظيم، وهي تحتاج لجهود كل المخلصين كي تتمّ المحافظة عليها، ودور “العدل والإحسان” في ذلك كبير وكبير. فمن دون الصحوة، لن يكون للخلاف حول طرائق التغيير أيَّ معنى، وستتحّول القوى الإسلامية عموما إلى مجاميع تشيخ وتشيخ، وصولا إلى التلاشي، لأن الحركات ذات الأبعاد الاجتماعية والفكرية لا تموت بالسكتة القلبية، بل تنتهي بالشيخوخة.

الأولويّة راهنا هي الحفاظ على الدين في مواجهة موجات التشكيك فيه، لكن النشاط السياسي الذي ينحاز للغالبية المطحونة يظلّ ضرورة لتحقيق المهمّة، لأن الأفكار تنتقل بالنموذج أكثر من الوعظ المجرّد، وانحياز القوى الإسلاميّة للجماهير وتعبيرها عن ضميرها وهمومها هو الجانب الأهم في المعركة، وفي اعتقادي أن دور “العدل والإحسان” كان رائدا في السابق، ويمكن أن يكون كذلك في المرحلة المقبلة، وهي الأخطر دون شك. وأقول الأخطر لأن تأسيس الحركة جاء في مرحلة إقبال كبير على الدين والتديّن، خلافا للمرحلة الراهنة التي تقاتل فيه الحركة وشقيقاتها رياحا صفراء (تدعمها المليارات)؛ هدفها تغيير هويّة مجتمعاتنا.

أدعو الله أن يسدّد قادة الحركة لما فيه صلاحها وصلاح أبنائها، ولما فيه صلاح الأمّة وعزّتها، والذي لن يكون بغير صلاح أمر دينها.