المحاور:
1. تقديم
2. أسباب تأزم العلاقة بين الآباء والأبناء
3. بواعث إحياء العلاقة بين الآباء والأبناء
4. أساليب تربوية تدعم العلاقة بين الآباء والأبناء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. تقديم
حظيت العلاقة بين الآباء والأبناء باهتمام كبير لما لها من أهمية في بناء أسرة متماسكة مترابطة، قادرة على حماية الأفراد والمجتمع في اللحظات العصيبة.
هذه العلاقة التي يسودها ود ومحبة واحترام وتفاهم، وقد يسودها تأزم وفجوة بين الآباء والأبناء، فجوة قد تولد قطيعة، ثم تفكك ثم انهيار للأسرة.
ولكن؛
ـ من المسؤول عن هذه الأزمة؟ الآباء أم الأبناء أم كلاهما؟
ـ ما هي أسباب اندلاع هذه الأزمة؟
ـ هل الأسرة تمتلك أساليب تربوية كفيلة بإخراجها من هذه الأزمة؟
ـ هل للبيئة الخارجية دور في تأجيج هذه الأزمة؟
ـ كيف نحيي ونحافظ على العلاقة بين الآباء والأبناء؟
ـ كيف يرى ديننا الحنيف العلاقة بين الآباء والأبناء؟
وهذه الفجوة؛
ـ هل هي فجوة من صراع بين جيلين؟
ـ أو من تحفظ من جانب الابن اتجاه أبويه؟
ـ أم من افتقار لجسور التواصل والحوار بين جيلين؟
هذه أسئلة نحاول الإجابة عنها أو عن بعضها في هذا المقال؟
2. أسباب تأزم العلاقة بين الآباء والأبناء
السبب الأول:
في الماضي كان الحوار تلقائيا وبسيطا، ينسج ويمد جسور العلاقة بين الآباء والأبناء. أما الآن، فيعيش بعض الآباء حاضرين غائبين عن أسرهم، وكل منهما يتحجج بكثرة مسؤولياته الدنيوية والأخروية، ويدعي أن هذه المسؤولية تصرفه عن تقوية العلاقة بأبنائه، وهذا يترك فرصا متزايدة لتواجد الأبناء خارج سياج الأسرة، ويؤدي إلى تنامي علاقات خارجية على حساب العلاقة الداخلية الأسرية.
السبب الثاني:
كان كل من الأبوين معلما، يلجأ إليه الأبناء، ويطمئنون إليه، ويصارحونه، ويأخذون منه المعلومة. أما الآن: كل منهما لا يجلس ولا يعطي فرصة لأبنائه. هنا يبحث الابن عن بديل خارجي يطمئن إليه، وينصت إليه ويأخذ منه معلومة.. ويمكن أن تكون المعلومة مسمومة.
السبب الثالث:
الأسرة خندق، والخندق تقنية من التقنيات الحربية، والحرب تحتاج إلى إدارة عمليات، إدارة حاضرة قلبا وقالبا، وعينها على أبنائها، تمتلك وسائل للدفاع والهجوم في حالة زعزعة أو محاولة هدم كيانها، وإذا كان الآباء لا يمتلكون من هذه الوسائل شيئا، هُدِّم الخندق، وتأزمت العلاقات.
السبب الرابع:
تعد الفجوة العمرية أكثر الفجوات تأسيسا للاختلافات، فبقدر ما يبتعد جيل الآباء – زمنيا – عن جيل الأبناء، تضيق مساحة الالتقاء الفكري والثقافي وحتى اللغوي، خصوصا بتواجد الوسائل التكنولوجية الحديثة.
السبب الخامس:
ازدياد مستوى القلق والتوتر لدى الآباء أدى إلى افتقار الحوار الهادئ والمجادلة بالتي أحسن، هذا أربك العلاقة بين الآباء والأبناء.
السبب السادس:
جيل سطحي يتميز باللامبالاة، مقلد لثقافات وعادات الشعوب الأخرى، جيل غير قادر على تحمل المسؤولية، هذه تهم يوجهها الآباء للأبناء.
بالمقابل يتهم الأبناء جيل الآباء بالتمسك بعادات متخلفة، وبالتقيد بتقاليد بالية، ويضيف الأبناء أن الآباء ليست لهم القدرة على التعايش مع المتغيرات التي تعتري المجتمع.
تهم متبادلة تؤدي إلى تصدع في العلاقات بين الآباء والأبناء.
السبب السابع:
سياسة المواجهة المستمرة؛ هذه السياسة تُراكم المشاحنات وتزيد من الإساءات وتؤدي إلى تدمير العلاقات.
السبب الثامن:
تصميم أحد الأبوين على رأيه يجبر الابن إما على الانسحاب من ساحة الحوار وإما الاصطدام، وفي الحالتين تكون العلاقة سيئة بين الطرفين.
3. بواعث إحياء العلاقة بين الآباء والأبناء
في هذه الفقرة، نتطرق لبعض الأساليب لتوطيد العلاقة بين الآباء والأبناء.
الباعث الأول:
يتميز جيل الأبناء بالقدرة على التغيير السريع واستيعاب الثقافات، والتكيف مع التطور التكنولوجي الحديث، لذا وجب على الآباء البحث عن الأدوات التي تؤهلهم لمسايرة جيل الأبناء، وذلك ب:
1. تحيين معلوماتهم.
2. حضور دورات تكوينية تعنى بمجال تربية النشء.
3. البحث عن رفقة خارجية تساعد على توطيد العلاقة بين الآباء والأبناء.
الباعث الثاني:
إحداث مجلس شورى الأسرة. بإحداث هذا المجلس نحيي سنة بداية، ثم نوطد علاقة، حيث يدور حوار هادئ ومناقشة حرة مبنية على المحبة والاحترام المتبادل واحترام الرأي المخالف، والأخذ بالرأي المتفق عليه.
الباعث الثالث:
تضييق مساحة السيطرة الأبوية يتيح للأبناء مساحة أكبر للتفكير والإبداع، ويكون لديهم شخصية متزنة قادرة على تحمل المسؤولية، وبالتالي خلق انسجام فكري داخل الأسرة.
الباعث الرابع:
يتلقى الابن كما هائلا من الأفكار والمعلومات والوسائل بما فيها من عيوب ومميزات، وفي غياب مصفاة منهاجية، يظل هذا الأخير تائها، مضطربا، قلقا. فالرفق الرفق، والرحمة الرحمة.
فالابن في حاجة إلى حضن دافئ يستمد منه ثقة وأمنا واطمئنانا.
وبالمقابل حث الإسلام الأبناء على البر بوالديهم حيث قال عز وجل: وَقَض۪يٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِالْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰناًۖ اِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ اَ۬لْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاٗ كَرِيماٗۖ (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ اَ۬لذُّلِّ مِنَ اَ۬لرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ اِ۪رْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَٰنِے صَغِيراٗۖ (24) (الإسراء).
أيها الابن: عبادة الله مقرونة بالإحسان وبر الوالدين، وكما تحسن إلى والديك يحسن إليك أبناؤك. قال صلى الله عليه وسلم: “وبروا آباءكم، تبركم أبناؤكم” (رواه الحاكم في المستدرك). فالجزاء من جنس العمل.
هذه بواعث أساسية وإلا فهناك أخرى توطد العلاقة بين الآباء والأبناء.
4. أساليب تربوية تدعم العلاقة بين الآباء والأبناء
التربية من أكبر المهام التي تقع على عاتق الآباء، فهم مأمورون باعتماد الأساليب التربوية النبوية، هذه الأساليب، حية فعالة غاية في الروعة والإعجاز، تؤدي إلى الرقي والسمو بالعلاقة بين الآباء والأبناء. نذكر منها:
أ – أسلوب التربية بالمحبة:
أسلوب أظهر نجاعة وفاعلية في توطيد العلاقة بين الآباء والأبناء.
ب ـ أسلوب التربية بالقدوة:
من الأساليب التي حث عليها القرآن والسنة، فكل من الأبوين وجب أن يراقب سلوكه، وأقواله، وأفعاله التي يقوم بها أمام أبنائه، ثم يهتم بتهذيب الوسط الذي يتربى فيه ابنه.
ج ـ أسلوب التربية بالحوار:
من أهم الأساليب التربوية النبوية لما فيها من شحذ للذهن، وتقريب للمعاني، وتشخيص للحقائق، ومشاركة في عملية التربية والتعليم، وتوضيح لقضايا دينية ودنيوية.
وأختم بإثارة انتباه الآباء إلى التركيز على بعض النقط التي أراها مهمة.
1 ـ التربية والشركاء في العملية التربوية
الشركاء في التربية اثنان، شريك يسعى لتضييق الهوة بين الآباء والأبناء بآليات لاتُجاري ولا تُنافس آليات الشريك الثاني الذي يسعى جاهدا لتعميقها بكل ما أوتي من أدوات مثيرة تسلب العقول.
بالرغم من ذلك فالشريك الأول يتوفر على آليات تبدأ من القلب قبل العقل، آليات لو عض عليها بالنواجد لتجاوز عدة عقبات ومشاكل، أساليب نبوية فطرية ناجعة، ولكن سُلب العمل بها. وأدعو الآباء لعدم التفريط في واحدة، هي “الدعاء”، والدعاء سهم لا يخطئ أبدا.
2 ـ الآباء والتكنولوجيا الحديثة
“كل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده” وبالتالي لا إفراط ولا تفريط.
على الآباء أن يخصصوا وقتا لتحيين معلوماتهم، ويستعدوا لمواجهة تيار جارف من التكنولوجيا الحديثة، وعلى الأبناء مساعدة الآباء في هذا الأمر لتقليص الأبعاد الفكرية واللغوية.
3 ـ من المسؤول الأول عن تدهور العلاقة بين الآباء والأبناء؟
يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ (التحريم، 6).
ويقول صلى الله عليه وسلم: “أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” (من حديث عبد الله بن عمر، متفق عليه).
إذن المسؤولية المباشرة هي للوالدين، ولكن لابد من تقديم يد المساعدة من المؤسسات الفاعلة والحية في المجتمع؛ ندوات ودورات تكوينية مهتمة بشأن تربية الأبناء..