عرفة.. تاج العشر

Cover Image for عرفة.. تاج العشر
نشر بتاريخ

ما زلنا نعيش بركات العشر الأوائل من ذي الحجة، ونستظل بظلالها، لعلنا نُرحم مع المرحومين، ونلبي النداء فنكون من الفائزين. فلبيك اللهم اجتهادا وعملا صالحا حتى ترضى.

عشر شهد لها الحبيب صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل أيام الدنيا، وأعظم أيام السنة على الإطلاق.

عشر يكفيها فخرا أنها تضم يوما جليلا مهيبا من أيام الله، ألا وهو يوم عرفة، وما أدراك ما يوم عرفة.

فإذا كانت ليلة القدر هي تاج العشر الأواخر من رمضان، فإن يوم عرفة هو تاج العشر الأوائل من ذي الحجة.

هو يوم مبارك عظيم له فضائل عظيمة، فبالإضافة إلى أنه يوم من الأشهر الحرم، ويوم من العشر الأوائل من ذي الحجة، فهو أفضل يوم في هذه الأيام، مصداقا لقول المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه: “أفضل الأيام يوم عرفة” 1.

وإذا كان جبريل عليه السلام والملائكة ينزلون في ليلة القدر فإن الله عز وجل بعظمته وجلاله ينزل إلى السماء الدنيا يوم عرفة، ففي حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء..” 2.

هو يوم أقسم الله عز وجل به في كتابه العزيز مرتين ولا يقسم الله إلا بعظيم. قال سبحانه في مطلع سورة الفجر: وَٱلۡفَجۡرِ * وَلَیَالٍ عَشۡرࣲ * وَٱلشَّفۡعِ وَٱلۡوَتۡرِ. قال بعض المفسرين إن المقصود بالشفع هو يوم النحر، والوتر هو يوم عرفة. وقال عز وجل في أول سورة البروج: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ، فقيل إن المشهود هو يوم عرفة.

هو يوم اختاره الله عز وجل من بين كل أيام الدنيا ليجعله يوم إكمال الدين، وإتمام النعمة، واكتمال الرسالة، فقال عز من قائل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا 3.

ويوم عرفة هو أكثر يوم يعتق فيه العباد من النار، فعن أمنا عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما من يوم أكبر من أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة”.

وهو يوم المباهاة، فعن أبي هريرة أن المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه قال: “إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاءوني شعثا غبرا..”.

هو المقصود الأعظم من شعيرة الحج، ومن فاته عرفة فلا حج له، كما قال عليه الصلاة والسلام: “الحج عرفة” 4.

وأما صيامه فيكفر سنتين مصداقا لقول الحبيب عليه الصلاة والسلام: “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” 5.

عرفة هو يوم استجابة الدعاء، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: “خير الدعاء دعاء عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من بعدي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير” 6. لذا كان سلفنا الصالح يدخرون كل دعواتهم وحاجاتهم ليوم عرفة.

أما عن تسمية عرفة بهذا الإسم فقد قيل: لأن الناس يتعارفون فيه، وقيل لأن جبريل عليه السلام طاف بإبراهيم فكان يريه المشاهد فيقول له: أعرفت؟ أعرفت؟ فيقول إبراهيم عليه السلام: عرفت، عرفت. وقيل لأن آدم عليه السلام لما أهبط من الجنة هو وأمنا حواء التقيا في ذلك المكان فعرفها وعرفته.

ولمّا كان يوم عرفة يوما عظيما، وليس لكل أحدٍ أن يقف على ذلك الصعيد المبارك، جعل الله لأهل الأمصار ومن جلسوا في بلدانهم فرصاً كثيرة لاغتنام هذا اليوم العظيم؛ بأن شرع لهم عبادات وقربات يتقربون بها إلى ربهم، تُرفع بها درجاتهم، وتُحط بسببها خطيئاتهم، وتستجاب دعواتهم.

فهنيئا لمن وفقه الله في هذا اليوم العظيم لكل خير وأعانه على الإكثار من كل أنواع الطاعات وتقبلها منه إنه سبحانه على كل شيء قدير.


[1] رواه ابن حبان.
[2] رواه ابن حبان.
[3] المائدة، الآية 3.
[4] رواه أصحاب السنن.
[5] رواه مسلم.
[6] رواه أصحاب السنن.