الضرورات تقدر بقدرها، وإنما الموفق من أدرك واجب الوقت، فلكل وقت أذان!
في زمن نُستهدف فيه كي يُسلب منا وعينا الإيماني وتُهاجَم فيه ذاكرتنا الروحية، تُسرق من بين مهجنا الرموز والدلالات، بل حتى الإيحاءات صارت تَخضع للطمس والتزييف في مصانع ومختبرات الأعداء.
وجب علينا أن ننتبه! أن نرفع للحق راية جماعية مشتركة ترفرف فوق التفاصيل والفوارق البسيطة التي لا وقت لها الآن، نفعل ذلك متعاونين متناصرين واثقين بوعود القرآن الكريم التي بشرنا بها الأنبياء والمرسلون، إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج: 38]، خوان كفور أي كل خائن للأمانات وجاحد للنعم.
إن من أعظم واجباتنا وآكدها في راهنية مأزومة مكلومة كالتي نعيشها، هو أن نٌذَكِّرَ المسلمين والناس أجمعين، بكل داع صالح نهض يطلب الإصلاح في الأمة، وبكل مقدام رباني وثب يقاوم الظَّلَمَة.
في الليلة الظلماء يفتقد البدر
هو عجز بيت شعري قاله أبو فراس الحمداني وهو في الأسر بيد الروم:
سيذكرني قومي إذا جدّ جدهمُ
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدرُ
“في الليلة الظلماء يفتقد البدر!”
هذه العبارة هي واحدة من أشهر العبارات وأكثرها تداولا عند أهل اللسان العربي، ومفادها أن حقيقة وقيمة الأشخاص الذين غابوا عنا أو الأشياء المفقودة تظهر جلية واضحة في وقت الحاجة الماسة إليها، حيث كان الغائب المفقود يسد تلك الحاجات أو الثغرات بحنكة واقتدار وتمكن وكفاءة..
في زمن اغتيال القادة ماديا ومعنويا، وقلة وغياب – ولا أقول انعدام – الزعامات الحقيقية القادرة على توجيه الهمم وتحرير الإرادات وتحريك الطاقات نحو المستقبل المشرق المضيء الواعد بالخير والسعادة والسلام؛ نفتقد هذا الرجل العظيم: عبد السلام ياسين.
نفتقد بصيرته النفاذة، نفتقد حركيته الوقادة، نفتقد همته التي ساقت أجيالا من غفلة العادة إلى يقظة العبادة. نفتقد ربانيته ونورانيته، نفتقد إشراقاته وإشاراته..
اجترح من سجنه المتكرر وحصاره الخانق أعجوبة تجلت في كونه بقي قادرا على أن يمد من حوله بالعزيمة والصبر والأمل، وهذا في حد ذاته دليل على أنه كان من رجال الإحياء والبعث، كان يتماهى مع رسالته في إخلاص وعبودية وتفان.
من على كل المنابر وفي كل الساحات، وعلى امتداد العالم العربي والإسلامي من طنجة إلى جاكرطا، ونحن نرى المُسْتَذْئِبينَ (الذئاب البشرية) يغيرون كل شيء حتى جلودهم كالأفاعي؛ مطبلين مهللين لكل جاسوس أو عميل جعل مصلحته الرخيصة القذرة أغلى وأعلى من مصلحة ومستقبل أمته، لكل هؤلاء نقول: لن ننخدع، فقد عرفنا سيرة الرجال من أمثال عبد السلام ياسين، عرفنا كيف تكون التضحية والثبات، عرفنا كيف تكون الرجولة والبطولة والشرف… عرفنا رجال الحق!