طوفان الأقصى والقضايا النائمة

Cover Image for طوفان الأقصى والقضايا النائمة
نشر بتاريخ

كلما برزت القضية الفلسطينية إلى سطح الأحداث، كما هي عليه اليوم بعد انطلاق طوفان الأقصى، كلما عاد النقاش العاقل ليركز على أمهات القضايا، غير مكتف بمعالجة الأفعال وردود الأفعال على أهميتها. قضايا يتجدد التفكير فيها مع أول شرارة تنطلق على المستوى المحلي بفلسطين لتشمل محيطها الإقليمي والدولي؛ قضايا تفرض نفسها في الحاضر فرضا، لكنها تستدعي الماضي بشكل مستعجل كشاهد إثبات، وتستشرف المستقبل لتمحو بالآمال والبشارات التي ينثرها سوء ما خلّفه الماضي والحاضر معا.

قضايا بقدر ما هي، في عمومها، ظاهرة للعيان، بقدر ما شابها في الكثير من معالمها طمس وتحريف وتزوير، تشابكت من أجله كلٌّ من أيادي صناع القرار السياسي، والقرار الثقافي، والتعليمي، والإعلامي، وغيرها، سواء على المستوى الدولي أو على مستوى الأمة كما على مستوى الوطن، حتى عاد العقل الجمعي لا يعيرها الاهتمام الكافي لكثرة هذه التراكمات المتداخلة، فيغفل من يغفل، ويتغافل من يتغافل، بل ينسى أو يتناسى كل من ليس له موقظ، ما يجعل تلكم القضايا “تنام” ولو مؤقتا، في الظروف المسماة عادية، لتصبح كما اصطلحنا عليه “قضايا نائمة”.

توضيح: أصل هذا المقال هو مشاركة سريعة لي في إحدى الندوات تحدثت فيها عن أربع قضايا نائمة أيقظها طوفان الأقصى: القضية الفلسطينية؛ طبيعة أنظمة الحكم العربية؛ المؤسسات الدولية؛ أزمة العقل الغربي في ارتباطه بالقيم والأخلاق.

القضية النائمة الأولى: أصل القضية الفلسطينية

إن أم القضايا التي تعمل الآلة الصهيونية وكل من يسير في ركبها من الشرق ومن الغرب وحتى من  العالم العربي بكل ما أوتوا على طمسها لتصبح أمرا واقعا، هي القضية الفلسطينية نفسها، من حيث نشأتها على مراحل من طرف الإمبراطورية البريطانية بعد ظهور فكرة البحث لليهود عن وطن  نتيجة ما واجهتهم به الدول الأوروبية من معاداة بدأت إبان القرن التاسع عشر، وكان الحل المجمع عليه في أحسن الأحوال هو إبعاد اليهود خارج أوروبا. من أجل ذلك ظهرت عدة مقترحات لمشاريع استيطانية تبعا للغاية التي تراها هذه الدولة الاستعمارية أو تلك من توظيف لليهود بعد توطينهم. وهكذا تم اقتراح عدة مشاريع استيطانية منها مشروع استيطاني بالأرجنتين، ومشروع سيناء وقبرص، ومشروع أوغندا وكينيا، ومشروع مدغشقر، ومشروع شرق ليبيا، قبل أن ترسو سفينة الاستيطان في أرض فلسطين مقتنصين في ذلك أربع فرص مترابطة فيما بينها:

الفرصة الأولى: فرصة إضعاف الحكم العثماني خلال ثورة الاتحاد والترقي، والتي كان للحركة الصهيونية يد فيها، ضد السلطان عبد الحميد الذي كان رافضا لاستيطان فلسطين بصفة خاصة رغم ضغوطات الأوروبيين آنذاك. ينقل عنه أنه قال: “إذا كنا نريد أن يبقى العنصر العربي متفوقًا، علينا أن نصرف النظر عن فكرة توطين المهاجرين في فلسطين، وإلا (..) نكون قد حكمنا على إخواننا في الدين بالموت المحتم”. وحسْمًا منه للموقف قال: “انصحوا هرتزل (زعيم الصهيونية) ألا يتخذ خطوات جديدة حول هذا الموضوع، لأنني لا أستطيع أن أتنازل عن شبر واحد من الأراضي المقدسة لأنها ليست ملكي (..) فليحتفظ اليهود بملايينهم، فإذا مزقت دولتي من الممكن الحصول على فلسطين بدون مقابل، ولكن لزم أن يبدأ التمزيق أولا في جثتنا”. وبالفعل تعرض لمحاولتي اغتيال على الأقل.

الفرصة الثانية: اتفاقية سايكس بيكو

اتفاقية سايكس بيكو (وقعت سنة 1916 والحرب العالمية الأولى على أشدها) هي معاهدة بين فرنسا وبريطانيا على افتراض أنهما ستربحان الحرب، أريد لها أن تكون سرية كما هو الشأن في العديد من سابقاتها ولاحقاتها بين الإمبراطوريات الاستعمارية، ما يعكس قوة المؤامرة وضبابية العلاقة بين الغرب والشرق. صادقت على الاتفاقية كل من روسيا القيصرية وإيطاليا، وكان الهدف منها هو تحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا وتقسيم الدولة العثمانية ككل، وخاصة ما كان يسمى الولايات العربية العثمانية خارج شبه الجزيرة العربية. في التفاصيل خضعت منطقة فلسطين لإدارة دولية، في مناورة تعدها بريطانيا خدمة للحركة الصهيونية.

وقّعوا الاتفاقية سرّا في وقت كان العرب يتلقون الوعود من بريطانيا بالاعتراف باستقلالهم كأمة واسعة وموحدة بعد الحرب، بشرط إعلان الحرب ضد الدولة العثمانية من جهتهم من أجل استكمال الطوق عليها وتفكيكها.  لكن حين استولى البلاشفة على الحكم في روسيا في العام 1917، كشفوا كل الاتفاقيات السرية بما فيها اتفاقية سايكس بيكو، من غير أن يغير “الثوار” العرب موقفهم! وللتذكير جاء الفضح أسابيع قليلة بعد وعد بلفور.

ثم جاءت معاهدة سان ريمو 1920 لتعيد تحديد مناطق النفوذ البريطانية والفرنسية في بلاد الشام والعراق، فتم تقسيم بلاد الشام إلى أربع دويلات كما نعرفها اليوم: سورية، لبنان، الأردن، فلسطين. وُضِعت سوريا ولبنان تحت سلطة الانتداب الفرنسي بينما وُضِع الأردن وفلسطين تحت سلطة الانتداب البريطاني تمهيدا لاستكمال تنفيذ وعد بلفور للحركة الصهيونية في فلسطين.

الفرصة الثالثة: وعد بلفور أو “وعد من لا يملك لمن ليس له الحق”

قبل أن يتم لبريطانيا الاحتلال الكامل لأراضي فلسطين التاريخية خلال الحرب العالمية الأولى، أصدر وزير خارجيتها آنذاك جيمس بلفور، وعدا إلى الحركة الصهيونية، أطلق عليه “وعد بلفور”، وذلك في الثاني من نوفمبر 1917. ومما جاء فيه أن “حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل عظيم جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية”! وهذا حسب خبراء القانون الدولي يعتبر باطلا. وجاءت إعلانات الموافقة على الوعد المشؤوم تباعا من طرف دولة إيطاليا وفرنسا وأمريكا واليابان وغيرها.  

 يا للعجب، بريطانيا التي لا تملك أرض فلسطين تعطي وعدا بـ”تمليكها” لقوم سيتم استجلابهم من كافة دول العالم لا يجمعهم بهذه الأرض جامع! والدافع الأساسي إبعادهم خارج أوروبا كي لا يتعرضوا لما تعرضوا له على يد الأوروبيين خلال التاريخ من جهة، وتوظيفهم لصالح الغرب الاستعماري من جهة أخرى. وكل هذا على حساب الفلسطينيين السكان الأصليين الذين عملت بريطانيا طوال احتلالها الرسمي لفلسطين (1917-1948) وما بعده على ارتكاب مجازر قَتْل في حقهم  وتهجيرهم بقوة السلاح بمعية العصابات الصهيونية وانتزاع أراضيهم وممتلكاتهم، من أجل استنبات اليهود والصهاينة الوافدين وتفويتها لهم.  

من نوادر القول، أن صحيفة الغارديان البريطانية عبرت سنة 2020، في شبه اعتذار عن موقفها من الوعد المشئوم، على أن إعلان دعمها لهذا الوعد في 1917 كان من “أسوأ أخطائها”، ولفتت إلى أن رئاسة تحريرها (آنذاك) “ناصرت الصهيونية، الأمر الذي أعماها عن حقوق الفلسطينيين”. وبناء عليه نتساءل متى تعتذر بريطانيا عن جريمة وعدها وتبعاته، تفاعلا مع حملات الضغط التي تنظم لهذا الغرض؟

الفرصة الرابعة: الخدع الغربية المفضوحة لإكساب دولة الاحتلال الشرعية الدولية

من نتائج الحرب العالمية الأولى، رجحت فكرة وضع قانون دولي ترجع إليه الدول في حل نزاعاتها.

تأسيس عصبة الأمم

قبل الحصول على صفة الدولة المنتدبة على فلسطين، عملت بريطانيا وحلفاؤها المنتصرون في الحرب العالمية الأولى على تأسيس عصبة الأمم سنة 1919، وكان من المفروض أن تفتح لجميع دول العالم طمعا في “عالم بدون حروب” كتغطية على ما جنته أيديهم على الشعوب. إلا أن عضوية العصبة، التي تألفت من جمعية عمومية ومجلس، اقتصرت في بداية الأمر على الدول المنتصرة في الحرب. وكان أول أمين عام لها هو البريطاني السير إريك براون. وهكذا ظل بنيان عصبة الأمم أوربيَّ الطابع في غالبه ولم تستطع حل القضايا المعقدة لأن الدول الكبرى لم تكن مستعدة للتضحية بمصالحها القومية في سبيل حل المشاكل العالمية وإنجاح العصبة، فبقيت أداة طيعة بيدها وخاصة إنكلترا وفرنسا المسيطرتان على السياسة العالمية في ذلك الوقت.

ميثاق عصبة الأمم (26 مادة)

 أصدرت العصبة ميثاقها، ميثاق عصبة الأمم (أو صك عصبة الأمم) على مقاسِّ الدولتين المهيمنتين، وجاءت المادة 22 منه، التي تنتمي إلى القسم الذي يقال أنه يعالج موضوع التعاون العالمي، لتكون أساسا لصك الانتداب البريطاني على فلسطين.

ومن بين ما وعدت به المادة  22  أن “المستعمرات والأراضي (…) التي لم تعد خاضعة لسيادة الدول التي حكمتها سابقًا، والتي تسكنها شعوب لم تتمكن بعد من الوقوف بمفردها في ظل الظروف الصعبة للعالم الحديث، ينبغي أن يطبق عليها المبدأ القاضي بأن رفاه هذه الشعوب وتقدمها يشكلان أمانة في عنق الحضارة (…) وإن أفضل طريقة لإعطاء تأثير عملي لهذا المبدأ هو أن الوصاية على هذه الشعوب يجب أن تُوكَل إلى الدول المتقدمة (…) بصفتهم مُنتدَبين نيابة عن العصبة”. وأضافت المادة أنه “يتعين أن تكون رغبات هذه الشعوب هي الاعتبار الرئيسي في اختيار السلطة القائمة بالانتداب”.

صك الانتداب على فلسطين (28 مادة)

أعلنت عصبة الأمم مشروع الانتداب البريطاني على فلسطين بتاريخ 6 يوليوز 1921، ووضع موضع التنفيذ في 29 سبتمبر 1922. وحرص محرروه على الإشارة إلى أنه جاء بناء على الوعد الذي أطلقه وزير خارجية بريطانيا جيمس بلفور عام 1917 بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

حيثيات صك الانتداب

جاء في نص الصك الحيثيات التالية:

لما كانت دول الحلفاء الكبرى قد وافقت على أن يعهد بإدارة فلسطين -التي كانت تابعة فيما مضى للدولة العثمانية- بالحدود التي تعينها تلك الدول، إلى دولة منتدبة تختارها الدول المشار إليها تنفيذا لنصوص المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم؛ (تختارها دول الحلفاء هنا وليست رغبة الشعب الفلسطيني!).

ولما كانت دول الحلفاء قد وافقت أيضا على أن تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن تنفيذ التصريح الذي أصدرته في الأصل حكومة صاحب الجلالة البريطانية في اليوم الثاني من شهر نوفمبر 1917 وأقرته الدول المذكورة لصالح إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين؛ (يتم البناء على وعد باطل!).

ولما كان قد اعتُرف بذلك بالصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين وبالأسباب التي تبعث على إعادة إنشاء وطنهم القومي في تلك البلاد؛ (صلة مفتراة بحكم التاريخ!).

في مضمون صك الانتداب

ومن بين ما نص عليه صك الانتداب من صلاحيات الدولة البريطانية المنتدبة وإدارتها أن يكون لها السلطة التامة في التشريع والإدارة، والاعتراف بوكالة يهودية ملائمة كهيئة عمومية لإسداء المشورة والتعاون في الأمور التي قد تؤثر في إنشاء الوطن القومي اليهودي ومصالح السكان اليهود في فلسطين. كما يجب سَنّ قانون للجنسية، يشتمل على نصوص تسهل اكتساب الجنسية الفلسطينية لليهود الذين يتخذون فلسطين مقاما دائما لهم. وفيما يتعلق بالسياسة اللغوية، يجب أن تكون الإنجليزية والعربية والعبرية اللغات الرسمية لفلسطين.

وتمهيدا للهدف الصهيوني المسطر من قَبْلُ لما بعد الانتداب، والذي هو تحقيق غطاء الشرعية الدولية لدولة الكيان المحتل، جاء في المادة الأخيرة أنه في حالة انتهاء الانتداب الممنوح للدولة المنتدبة بموجب هذا الصك يتخذ مجلس عصبة الأمم ما يراه ضروريا من التدابير.

نهاية الانتداب والتنكر الغربي لدولة فلسطين

إن منطق القوة الغربي الحامل لمعاني التوسع والسيطرة والاستيلاء، دفع دُوَّله الكبرى إلى إشعال حرب عالمية ثانية (1/9/1939- 1/9/1945) غير عابئين بما التزموا به في ميثاق عصبة الأمم من رفض للحروب. ومرة أخرى، وعلى مشارف نهاية الحرب، يؤسسون منظمة دولية جديدة، منظمة الأمم المتحدة التي بدأت عملها رسميا في (24/10/1945)، وهذه المرة تحت وصاية الولايات المتحدة الأمريكية متزعمة الحلف المنتصر.

قرار تقسيم فلسطين

إذا كان الفلسطينيون بدأوا مبكرا مقاومتهم منذ بدايات هجرة اليهود إلى الأرض الفلسطينية، وبعد الإعلان عن وعد بلفور، ثم مع استصدار قرار الانتداب البريطاني على فلسطين لاستكمال تنفيذ الوعد المشؤوم،  فإن حدة المقاومة ازدادت مع استشهاد عز الدين القسام سنة 1935 الذي كان أحد أبرز المقاومين للاحتلال البريطاني، فكان لاستشهاده الأثر الأكبر في اندلاع “الثورة الكبرى” (1936-1939)، حيث أوقع الجيش البريطاني خلالها 7000 شهيد، و50000 معتقل، و20000 جريح، ونسف 2000 بيتا (مذكرات محمد عزة دروزة).

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، أصبح الوضع في فلسطين خارجا عن السيطرة بشكل متزايد وخاصة بعد ظهور فكرة تقسيمها إلى دولتين، فأعلنت بريطانيا في فبراير 1947 نيتها في إنهاء الانتداب. وبالفعل سلمت رسميا القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، مع تقديم طلب تكوين لجنة خاصة للنظر في المسألة. وعلى عجل تكونت “لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين = UNSCOP ” التي قدمت تقريرها من خطتين: خطة تقسيم مع وحدة اقتصادية، وحل لدولة فيدرالية. وفي الأخير تم التركيز على خطة التقسيم التي اقترحت دولة يهودية على أكثر من نصف فلسطين المنتدب عليها، في وقت كان اليهود يشكلون أقل من ثلث عدد السكان ويمتلكون أقل من 7 في المائة من مساحة الأرض.

وعند تقديم الاقتراح إلى التصويت في الأمم المتحدة، خشي مؤيدو التقسيم عدم الحصول على الأصوات الكافية فأرجؤوا العملية مدة ثلاثة أيام، فكانت كافية لواشنطن والمنظمات الصهيونية أساسا لممارسة الضغوط على الدول الأعضاء، ليتم  في 29 نونبر 1947  إقرار قرار تقسيم فلسطين، حمل رقم 181، إلى دولتين عربية ويهودية، وتحتفظ القدس بإدارة دولية، على أن يصبح  القرار ساري المفعول في نفس اليوم الذي تنسحب فيه قوات الانتداب البريطاني من فلسطين والذي لا يتعدى 14 ماي 1948.

ومن جملة ما جاء في قرار التقسيم رقم 181، أن الجمعية العامة للأمم المتحدة توصي بريطانيا وجميع الدول الأعضاء بتبني المشروع، وتطلب من مجلس الأمن أن يتخذ الإجراءات اللازمة من أجل تنفيذه. كما تم التنصيص على أن كُلاَّ من الدولتين أصبح ما سماه القرار”استقلالها” نافذا، ينظر في طلب قبولها عضوا في الأمم المتحدة.

القبول بدولة الكيان في الأمم المتحدة 1949

بناء على وعد بلفور بإنشاء “وطن قومي يهودي”، وعلى قرار التقسيم الذي فسرته الصهيونية بمثابة تفويض دولي ومرحلة جديدة في الانتقال من مرحلة إنشاء  وطن قومي الذي كان يعني مجرد مأوى أو ملجأ لليهود، إلى مرحلة جديدة هي “إنشاء دولة يهودية ” ذات كيان سياسي مستقل .وبناء على مقدمات إنشائية تعسفت على التاريخ (بادعاء “حق طبيعي وتاريخي” في فلسطين) والجغرافيا (سيطروا على أكثر من 77% من مساحة فلسطين الانتدابية، في تجاوز حتى لقرار التقسيم الجائر)، اجتمع ممثلو الجالية اليهودية والحركة الصهيونية يوم انتهاء الانتداب البريطاني بتاريخ 14 ماي 1948 وأعلنوا قيام الدولة اليهودية على أرض فلسطين دعوها “دولة إسرائيل”. فأعلنت أمريكا اعترافها بها في نفس اليوم ! لتتلوها بعد ذلك مجموعة من الاعترافات من خارج الدول العربية التي رفضت أصلا قرار التقسيم آنذاك.

وفي مخادعة دولية جديدة، تقدمت (1948) بطلب الانتساب إلى هيئة الأمم، فرُفِض الطلب على أساس عدم استيفاء الشروط اللازمة التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة. وفي السنة الموالية تقدمت بطلب آخر فحصلت على توصية من مجلس الأمن بقبول الطلب، وبعدها وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على التوصية بقرار رقم 273 في 11 ماي 1949، فقط أن القرار كان مشروطا بالتزام دولة الكيان المصطنع بميثاق الأمم المتحدة، مع التذكير بقرار التقسيم، والقرار الخاص بعودة اللاجئين، وهذا لم يحدث لحد الآن، فكانت الحالة الوحيدة التي قبلت عضويتها مشروطة. في حين لم تحصل فلسطين على مكانة “دولة غير عضو”! في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلا في عام 2012، مع معارضة الولايات المتحدة وامتناع بريطانيا عن التصويت.

قبل الختام

ما تراه أجيال اليوم من حَمِيّة غربية نُصرة للظالم الصهيوني المعتدي وتنكرا للمظلوم الفلسطيني صاحب الحق، ما هو إلا مرآة حقيقية تعكس ما جَنَته تلك الأيادي الغربية نفسُها على القضية الفلسطينية منذ قرن من الزمن على الأقل، من قتل واعتقال وتهجير وتزوير للتاريخ وتعسف على الجغرافيا. والمظلة الدائمة هي الشرعية الدولية المفترى عليها علانية بالاعتماد على قوة اليد الطولى المهيمنة والضاغطة شرقا وغربا للتحالف الصهيو-بريطاني ثم الصهيو-أمريكي، في سياق التطبيع العربي بصنفيه المعلن والمتخفي القديم منه والمعاصر، تحالفٌ تحرك دبلوماسيا وإعلاميا وحشد قواه العسكرية الكلاسيكية والنووية لحماية الكيان المدلل من طوفان الأقصى لمكونات الشعب الفلسطيني المحاصَر، ورثت مقاومة الكيان الغريب المحتل أبا عن جدّ، وجيلا عن جيل، وتمارسه وفقا لما تنص عليه جميع الشرائع السماوية، والقانون الدولي، وما يسجله تاريخ حركات التحرر في كل قارات العالم.