طوفان الأقصى بين القرآن المقروء والقرآن المنظور

Cover Image for طوفان الأقصى بين القرآن المقروء والقرآن المنظور
نشر بتاريخ

الحمد لله الذي أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده. وما كان الله ليخلف وعده وهو القائل عز وجل: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ” (سورة البقرة آية 212)؛ وذلك عندما اشتد الأمر على الصحابة الكرام.

لقد أبلى هؤلاء الأبطال في أرض – غزة – العزة البلاء الحسن، وجسدوا معاني الكتاب المقروء بين السطور على أرض الواقع، وكأننا نخوض غزوة من غزوات نبينا عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

لقد جسد لنا طوفان الأقصى قوله تعالى: قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (سورة البقرة آية 247). لقد توكلوا على الله حق التوكل؛ بعد إعداد العدة بما استطاعوا من قوة وجهد، ممثلة فيهم الآية الكريمة: وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (سورة الأنفال، آية. 61).

كما تحلوا بالصبر حق الصبر؛ مجاهدين ومدنيين، إذ لا تسمع منهم إلا كلمة الحمد وعبارات الصمود والثبات، فهم حقا شعب اختارهم الله عز وجل واصطفاه للدفاع عن أرضهم والمسجد الأقصى المبارك؛ استمدوا معاني الصبر من آيات الله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (سورة الأنفال الآية 66).

وفي المقابل؛ جسدت لنا معركة طوفان الأقصى المباركة خوف اليهود الصهاينة ووهنهم وشتات قلوبهم وهم يقاتلون مختبئين داخل المدرعات ودبابات ضخمة، وقد صدق فيهم قوله تعالى: لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ (سورة الحشر آية 14).

كما جسدت هذه المعركة كثيرا من الآليات التي تصفهم بالفساد والعلو والتجبر في الأرض، يقول سبحانه وتعالى في سورة الإسراء وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (سورة الإسراء آية 4). نعم لقد جسدوا قول سيدنا قطب إذ يقول: “أعمالنا دمى إن لم تسري فيها الدماء”.

لقد كان قادة المقاومة في ساحة المعركة مثلهم مثل عامة الناس، فها هو الشهيد إسماعيل هنية، وبعده الشهيد صالح العاروري والشهيد البطل يحيى السنوار، وكل الذين استشهدوا من الرجال والنساء والأطفال العزل، ومن الصحفيين والأطباء والممرضين والأطر الصحية ورجال الوقاية المدنية، كلهم استشهدوا في ساحة المعركة وهم يقومون بمهماتهم؛ ويواجهون كيانا قذرا متعطشا للدماء أصابه السعار، فأخذ يقصف المنشآت والمدارس والمستشفيات والمساجد.

حقا لقد فضح هذا الطوفان العالم بأسره والمجتمع الدولي ومحص الصادقين المجاهدين ومن وقف في صفهم من شعوب العالم؛ كما فضح الصهاينة وأزلامهم من الغرب المستعمر وأمريكا ومن طبع معهم؛ فعلا سقط قناع الذين كانوا يجاهرون بحقوق الإنسان، ولم يحركوا ساكنا تجاه الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والجرائم البشعة في حق شعب أعزل ضحى بخيرة شبابه ونسائه وأطفاله، وقدم الغالي والنفيس في سبيل الله.

لن ننسى فضلاء العالم وشرفاءه الذي وقفوا مع الفلسطينيين وشنعوا الإجرام الذي قام به الصهاينة والذين صدعوا في وجوه حكامهم بالحق، وطالبوا بإيقاف المجرمين ومحاكمتهم.

إنه مما يحز في القلب ألا يبادر حكام الجبر بإسقاط التطبيع وموالاة الكفار الصهاينة والأمريكان؛ رغم ما ظهر منهم من جرائم وحشية بشعة، ورغم ماسمعوا من آيات الله تخاطبهم: وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ (سورة البقرة آية 119).

إن سنة الله عز وجل لا تحابي أحدا.. لقد صمد أهل غزة في وجه العدوان، ولم يبرحوا أماكنهم، فقد أخذوا العبرة من غزوة أحد ولم يلتفتوا لا يمينا ولا شمالا، ثبتوا ثبات الصادقين الصابرين في الميدان؛ لم يركنوا إلى من كان يستخفهم ويثبط عزائمهم ويحاصرهم، فكان حقا على الله أن ينصرهم.

إنه نصر من نوع خاص وبطعم خاص؛ نصر أيقظ في الأمة اليقين بوجود الله عز وجل، وبعث في قلوب العالمين اليقين حتى أصبح غير المسلمين يتساءلون عن فظاعة الظلم وبشاعته تجاه الأبرياء العزل، وأيقن بعضهم أن الإسلام هو دين الإنسانية، وهو الدين الحق الذي يستحق أن ينتهي الناس تحت لواء.

وفي النهاية زعمت الصهيونية أنها قادرة على القضاء على حركة المقاومة حماس، وكسر إرادة الشعب الفلسطيني وإذا بها تحيي العالم ليفكر من جديد أي طريق يسلك.