“طنجة المدينة الأزلية العظيمة” بعين الحسن الوزان الفاسي

Cover Image for “طنجة المدينة الأزلية العظيمة” بعين الحسن الوزان الفاسي
نشر بتاريخ

من يكون الحسن الوزان الفاسي؟ هو شخصية عربية فذة، اجتمع له من الخصال العلمية والإنسانية ما جعل الغربيين المسيحيين يقدرونه حق قدره، ويستفيدون من تأليفه الجغرافي بل اعتمدوه كمصدر أساسي عن افريقيا طوال العصر الحديث، ولم يلق التقدير اللازم من المسلمين آنذاك ولم يقدروا كتابه القيم وتركوه في زوايا النسيان.

ازداد في غرناطة المسلمة من بلاد الأندلس سنة 1483 على أصح الروايات أي قبل سقوط غرناطة بنحو عشر سنوات، عاش فيها ردحا من الزمن إلى أن سقطت في يد الإسبانيين، طلب العلم في القرويين في فاس، تقلد عدة مناصب وعمل مع السلطان محمد الوطاسي الملقب ب”البرتغالي” لشدة ما حارب البرتغاليين وأسندت إليه مهام خطيرة في البلاط وخارجه في وقت كان المغرب خلاله يشكو من علة التقسيم إلى مملكتين في الشمال والجنوب وإمارات مستقلة في الجهات النائية، واحتلال برتغالي-اسباني لعدد من الثغور المغربية على البحر المتوسط والمحيط الأطلنتي.

قام بعدة رحلات وهو طفل صغير رفقة والده الذي كان عاملا للسلطان في جمع الضرائب في منطقة الريف وجبال الأطلس المتوسط، كما كان للمهام السياسية والديبلوماسية المسندة إليه آنذاك الدور الكبير في قيامه برحلات في داخل المغرب وخارجه سجل أثناءها مشاهداته ضمها في كتابه الجغرافي.

يقول أبو الحسن الوزان واصفا مدينة طنجة: تدعى طنجة، يسميها البرتغاليون طنجيرة)، وهي مدينة عظيمة أزلية، يزعم بعض المؤرخين -هذه الرواية خطأها محققا كتاب وصف إفريقيا محمد حجي ومحمد الأخضر- أن بانيها ملك اسمه “شداد بن عاد”، حكم العالم كله وأراد أن يبني مدينة تشبه أن تكون فردوس الأرض، فبنى السور من البرونز، وجعل سقوف البيوت من الذهب والفضة.

غير أن الثقاة من المؤرخين يقولون أن الرومان هم الذين أسسوا طنجة على شاطئ المحيط في الوقت الذي كانوا يحكمون فيه إسبانيا، ولما حكم القوط إسبانيا ضمت طنجة إلى سبتة، إلى أن سقطت بيد المسلمين.

ويضيف مؤرخنا الوزان واصفا طنجة: ومازالت طنجة مدينة متحضرة شريفة مأهولة بأحسن العناصر من السكان، مشتملة على قصور جميلة قديمة وحديثة، غير أن الأرض المحيطة بها لا تصلح لزراعة الحبوب، وإنما يوجد بالقرب منها شعب تسقيه مياه عين جارية، ويكثر فيه الحدائق التي تنتج البرتقال والليمون وغيرهما من الثمار. ونشاهد بعض الكروم أيضا بظاهر المدينة.

ويردف واصفا حالها بعد غزو البرتغاليين لأصيلا عاش سكان طنجة عيشة راضية إلى أن سقطت أصيلا بيد البرتغاليين، وعندما بلغهم الخبر -الطنجيون- أخذ كل واحد منهم أثمن ما يملك وغادر المدينة ملتجأ إلى فاس.. فأرسل إليهم ضابطا احتلها باسم هذا الملك إلى أن أرسل إليها الملك أحد أقربائه، وهي فعلا في موقع هام بسبب قربها من جبال غمارة أعداء النصارى).

والواقع أن الملك ألفونسو الخامس -يعلق المحققان- شارك بنفسه في الحملة وأرسل إلى طنجة الدون جواوو فاستولى عليها يوم الأربعاء 11ربيع الأول عام 876ه غشت 1471بتاريخ النصارى.

وقبل سقوط طنجة في يد البرتغاليين بخمس وعشرين سنة، أرسل إليها أسطولا عظيما، مؤملا ألا تتوصل المدينة بأية نجدة، لأن ملك فاس كان آنذاك منهمكا في حرب ضد متمرد سلبه مكناس، غير أن ظن البرتغاليين خاب، وعقد ملك فاس هدنة مع ذلك المتمرد، وأرسل أحد مستشاريه على رأس جنود كثيرة للذود عن طنجة. فهزم البرتغاليين وقتلوا منهم عددا كبيرا، وكان قائد الجيش البرتغالي من بين القتلى، فنقلت جثته في تابوت إلى فاس، وعرضت في مكان مرتفع ليراها الجميع”.

يوضح محققا الكتاب تعليقا على هذه الحادثة نقلا عن الناصري في الاستقصا ففي شهر صفر عام 841ه غشت 1437 أرسل ملك البرتغال إدوارد الأول الدون فيرناندو على رأس حملة ضد طنجة، وكان أبو زكريا يحيى الوطاسي الوصي على العرش يقود جيشا عرمرما إلى تافيلالت، فرجع إلى طنجة وألحق بالبرتغاليين هزيمة نكراء وأسر قائدهم فيرناندو وأبى أن يسلمه إلا في مقابل تحرير سبتة التي كانت محتلة من قبلهم، ولما رفض إدوارد ذلك سيق ابنه أسيرا إلى فاس، ووضع في قفص من خشب وعرض من أعلى سور فاس، إلى أن مات ووضعت جثته داخل جدار المدينة القديمة، وبعد احتلال البرتغاليين لأصيلا وأسرهم للقائد الوطاسي، افتدى هذا الأمير منهم بعض أهله بجثمان فيرنادو).

يضيف الوزان متابعا سرد تاريخ طنجة في هذه الفترة اغتاظ ملك البرتغال من هذه الهزيمة، وجمع بعد فترة وجيزة أسطولا آخر لقي نفس الهزيمة وتكبد خسائر جسيمة وأضرارا فادحة، وبالرغم عن كون البرتغاليين هاجموا المدينة ليلا وعلى حين غرة).

وهنا يعلق المحققان على أبي الحسن الوزان يشرحان ما أشار إليه في أحد الربيعين من عام 868ه دجنبر 1463م قام الملك ألفونسو الخامس بحملة ضد طنجة فكانت كارثة عليه، إذ هاجمه الطنجيون وثارت عاصفة هوجاء في البحر فتكبد بذلك خسائر جسيمة.)ولم يكن حظ حملة مماثلة خرجت من سبتة بأحسن من الأولى، فانقلب ألفونسو إلى البرتغال مهزوما مدحورا).

ويختم مؤرخنا بأن ملك فاس محمد “البرتغالي” صمم على استرداد هذه المدينة، لكنه لم يفلح، لأن البرتغاليين دافعوا عنها دائما بكل حدة وقوة.