صل الأرحام قبل فوات الأوان

Cover Image for صل الأرحام قبل فوات الأوان
نشر بتاريخ

1- لا تَفُتْك جنة تحت الأقدام

تدور بك عجلة الحياة بسرعة مفرطة في كل الاتجاهات، وترمي بك أمواج بحرها الهائج في مرافئ مختلفة. وفي لجة بحرها العاتي، وفي زخم أحداثها المتعاقبة: كدّا وجهدا، تعبا وضنكا، فرحا ومسرة، أو علما وطلبا لاستفتاح أبوابه، أو رزقا وسعيا إلى جلبه، أو رعاية للأهل والأولاد و لهفة عليهم. أمام هذه الرجة التي قد تأخدك شمالا وشرقا، وجنوبا وغربا، وأمام سلسلة نجاحاتك، وكذا إخفاقاتك، لا تغفُل عن صلة الرحم مع والديك؛ فهما سندك، يفرحان لفرحك ويتألمان لألمك، ويشدان أزرك، وينشُدان نصرك، وينتظران دائما بِرّك والتفاتة حانية منك، فلا تحجبك لجج الحياة عن وصلهما، و لا ترمك عجلتها بعيدا عن عتبة برّهما، ولا تجعل سفينة بحرك ترفأ خارج شطيهما.

فأسرع إلى الأعتاب، واطرق الأبواب لنيل الأجر والبر والثواب، قبّل الأقدام وسط الزحام ما دام للوالدين باب مفتوح، ولا تدع الأيام تتوالى ويتصرم عمرك دون نيل رضاهما، ولا تجعل المدلهمات تغلق عينيك عن رؤية بصيص نور قلبيهما الذي يهفو للنظر إلى طلعتك البهية؛ مواسيا وجابرا للخاطر، تأخد النصح والمحبة كلما هممت بتفقد أحوالهما.

سارع، بادر، لا تسوف، واغنم نعمة راغدة، وأياد بالعطاء ممدودة، فقد تتفقد غدا الأبواب فتجدها موصدة، وتبحث عن تلك الأيادي فتجدها تحت التراب ممددة، وتفتش عن حضن يضمك فتنبأ أنه ثوى تحت رموس والتحَدَ.

فهلم إلى صلة الأرحام، وفز مع والديك بالرضوان قبل فوات الأوان.

2- اصبر ولا تعاتب

ليس سهلا أن يظل الوصال سلسا مستمرا مع ذوي الأرحام، ما لم تصبر على أخ وأخت وعم وخال، ليس سهلا أن تسامح من لم يواسك حين احتجت إلى مواساته، ويعزك حين فقدت عزيزا، ومن لم يقف بجانبك حين كنت محتاجا. ليس سهلا أن تكرم الأحباب، وأن تبذل لأجل ذلك الوقت والجهد والمال، دون أن تنتظر المقابل سوى رضا الواحد المنان، وتنال أجر التواصي بالخير والصبر، وصلة الرحم مفتاح الجنان، حتى لا تشكوك الرحم للرحمن.

الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، والكل ينتظر نظير معاملته جزاء وأجرا، شبيها ومثلا، وقد يصاب بالخيبة إن كان وصاله يقابَل بالقطع أو عدم الاكتراث واللامبالاة، فيقرر أن يتوقف عن الوصل، مادام يصدق على الأهل “هل جزاء الإحسان إلا الإحسان”، فلا إحسان مع من لم يقدر الإحسان، وتعامل بتعامٍ، وتغافل ولم يجبر لي خاطرا، و لم يُشركني في فرحه ولم يبشرني بنصره، فأنا همل لا قيمة لي عنده.

توقف..! يا من نفذ صبرك وعيل، وتركت للشيطان مدخلا وسبيلا، يصدك عن باب الرحمة، فيضيع منك أحد مفاتيح الجنة، وتعصى الرحمن لأنك لم تصل الرحم، وعاملت الغافل بالمثل، وضيعت على نفسك فرصة الانتصار على الشيطان، حين غلّبت نفسك وأنانيتك، ولم تقصد في مشيك، وغفلت عن هدفك، وهو إرضاء المنان بوصلك للأرحام.

بادر، وكرر المحاولة، ونوّع الوسائل، وذكّر بالفضائل، وادع الأحباب إلى اغتنام المناسبات والأعياد للتواصل بعد الغياب، بل اختر أنت المناسبة وهيئ المأدبة، وجدد نيتك واجمع أرحامك، وذكّر أهل الجمع ببركة وصل الأرحام في العمر والأرزاق، وقلل العتاب، واكبت أحقاد نفسك وهواها، وانتصر على شيطانها، حتى تفوز بالصبر الذي هو زاد الباغي وجه الله، الساعي إلى نيل رضاه، فلا تنس أن صلة الأرحام مفتاح الجنان. فأنت الآن حيٌّ بين الأنام فاجمع في بنك حسناتك من محبة أهلك وأقربائك ما به تسعد في آخرتك.

فلا تكثر أخي العتاب، أو تجزع إن فرط الأحباب، واغنم من الوصال قبل فوات الأوان.

3- انظر بعيني قلبك وحبك

كانت لمة الأحباب في الأعياد والمناسبات والعطل تنعش الأفئدة العطشى إلى رواء الألفة ودفء الأحبة، وكنت تفرح ملء القلب وتبتهج بكل ما تسمع أو ترى، كانت السعادة تلمع من الأعين، والقهقهات هنا وهناك تعكس براءة المشاعر وقوة المحبة التي يسري صفاؤها نورا يضيء كالمشاعل، يمحو صدأ الهم والغم، فتغدو مجالسة العائلة الكبيرة متنفسا يمد لك حبل الأمل والرجاء في الغد المشرق بالتفاؤل.

نعم، نعم، الكل أحباب لا عدو بينهم، أخطاؤهم لا تُفسد للود قضية، وغضباتهم الإنسانية لا تُكلِم الفؤاد، بل لا تحرك اللسان بقبيح الكلام، ومعاتبتهم اللينة لا تنفرك منهم، فعين الرضا عن كل عيب كليلة.

لكنك الآن بعدما بدأت تنظر بعين الغريب إلى كل قريب حبيب، بعدما أعرت له سمعك واستعرت نظره به تُصنِّف الأحباب، أصبحت: عين السخط تبدي المساوئ. فغدوت تصدر الأحكام بين إقصاء وعتاب، وإدبار وغضب بلا مبرر أو أسباب، حتى أُفرغ مجمع الأحباب وانفض جمعهم، خوفا من حنقك ومن العتاب والعقاب، فقد أصبح أولو الأرحام تحت رحمة تحكيم الأغراب، وأنت الواصل الجامع بسوطه يجلد الأحباب. فأوشكت على قطع الأرحام وتشتيت جمع دام أعواما وأعواما، وتسربت إلى الأفئدة سموم وأحقاد، وتبلدت المشاعر وانطفأ وهج المشاعل. فهلا أعدت النظر، وبعين قلبك عدت تبصر، فتصل من قطع، وتجمع عقدا كاد أن ينفرط، وتحنو على رحم ألفوا مجمعك، ورجوا عودة ودك وتسامحك. فأنت جوهرة العقد وملجأ الأهل والولد، مسمع شكواهم، ومحل فك عقدهم، وتفريج همومهم، قلب جامع للحب يقطر عسله شفاء على الأهل محبة وعطاء.

فيا أيها الحبيب اللبيب؛ لا تعر سمعك لغريب لا يقدر معنى الرحم، وكن أنت الجدار الذي يصد عن أهله أذى الأغيار، بصدرك الذي يفتح لهم، وبصبرك على زلاتهم، وبالتغاضي عن هفواتهم، فابذل من حبك ما يبقي لمجمع الأحباب زهوه بود الوصال للأرحام.

فما أجمل أن يموت الإنسان راضيا مرضيا، فرضا الأرحام مفتاح الجنان. ففز بالوصال والرضا قبل فوات الأوان.