صلة الرحم والصحة النفسية

Cover Image for صلة الرحم والصحة النفسية
نشر بتاريخ

أمر الإسلام بأن يصل كل مسلم رحمه. وصلة  الرحم من الأمور التي تترتّب عليها صلة الله ومعونته لعبده المسلم، فقد رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حتَّى إذا فَرَغَ مِن خَلْقِهِ، قالتِ الرَّحِمُ: هذا مَقامُ العائِذِ بكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قالَ: نَعَمْ، أما تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَن وصَلَكِ، وأَقْطَعَ مَن قَطَعَكِ؟ قالَتْ: بَلَى يا رَبِّ، قالَ: فَهو لَكِ، قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فاقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: فَهلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أنْ تُفْسِدُوا في الأرْضِ وتُقَطِّعُوا أرْحامَكُمْ (محمد، 22)) (1).

وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مَن سرَّهُ أن يُمَدَّ لهُ في عُمرِه ويُزادُ في رزقِه فليبِرَّ والدَيهِ وليصِلْ رحمَه” (2).

ففي هذه الآية والأحاديث فوائد جمة، إن تركها المسلم خاب وخسر، وإن تمسك بها فاز وانتصر. وعلى هذا الأساس فإن صلة الرحم ومساعدة الأقرباء وزيارتهم ووصلهم والإحسان إليهم.. سبب في دوام الصفاء، واستمرار الألفة والمحبة، وتحقيق الرحمة والمودة، والزيادة في العمر وحصول البركة في الرزق.

ولن يخفى على أي باحث في العقود الأخيرة أن صلة الرحم قضية مهمة بدأ علماء الغرب يثيرونها اليوم لما لها من فوائد طبية ونفسية واقتصادية على المجتمعات البشرية.

فغياب صلة الرحم أصبحت مشكلة عالمية ترتبط بأنماط الحياة التي نعيشها اليوم؛ حيث تؤكد بعض الإحصائيات أن ما يقرب من ثلث سكان العالم – خصوصا الناشئة – يعانون من المشكلات النفسية كالتوتُّر والخوف والإحباط، وتوقُّع السوء في مستقبلهم، وحدوث ما يُهدِّد حياتهم. واستمرار هذه المشاعر قد تقود بعض الأفراد إلى السقوط في مصايد الأزمات النفسية كالانتحار والاكتئاب…

وإذا كانت الصحة النفسية تتأثّر بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيولوجية والبيئية فقد جعلها الإسلام من أسمى المقاصد، وجزءا أساسيا لا يتجزّأ من الصحة الجسدية، لما لها من دور في إصلاح الفرد وتأهيله لخدمة المجتمع في ما يعود عليه بالنفع العميم، وهكذا قصد الدين الإسلامي إلى تخليص الإنسان من كل ما يمكن أن يجعله فرداً سلبياً غير ذي نفع؛ همه الوحيد هو محصلة المسارات الفردية، وإنما هو جمعي، تنضبط مسارات الأفراد ضمنه، وتفرض عليه أن يريد الخير لنفسه ولغيره. وإن العباد كلهم إخوة في الرحم الآدمية، لا ينالون رحمة الله وعونه ما لم يتراحموا بينهم ويتعاونوا على العمل الصالح اقتداء بقول الرسول صلى الله عليه و سلم ”ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” (3).


(1) الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 5987 | خلاصة حكم المحدث : صحيح.

(2) المحدث : الهيتمي المكي | المصدر : الزواجر | الصفحة أو الرقم : 2/75 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح.

(3) الراوي : عبد الله بن عمرو | المحدث : الزرقاني | المصدر : مختصر المقاصد | الصفحة أو الرقم : 84 | خلاصة حكم المحدث : صحيح.