بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ.
تنبع أهمية القدس في عقيدة المسلم على مدى التاريخ من المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين، واليوم إضافة إلى قدسيّتها أضحت (حجر الزاوية) في سعي الإدارة الأمريكية الصهيو-مسيحية لفرض الأمركة أو العولمة على المنطقة بأسرها لصالح الصهيونية العالمية، و كحال سياسة كلّ الأنظمة النازية العنصرية المنافية لكلّ الشرائع والقوانين الدولية جاءت سياسية الكيان الصهيوني القائمة على مبدأ الإبادة بشقيه المادي والمعنوي، ولقد تجلّت هذه السياسة العنصرية في الإجراءات اليومية التي تقوم بها في المدينة المقدسة لفرض الأمر الواقع.
ولقد تمثّل بعض هذه الإجراءات الساعية إلى تهويد هذه المدينة المقدسة بالآتي:
اعتمدت هذه الإجراءات منذ لحظة دخول الكيان الصهيوني إلى هذه المدينة المقدسة على إحداث خلل ديموغرافي في البنية التحتية السكانية في المدينة، والذي اعتمد على الترحيل القسري للسكان الأصليين واستبدالهم بسكان غير شرعيين فيها، ومن بقي منهم تعرّض لكلّ أشكال الإبادة الجسدية والثقافية التي تمثّلت بسن قوانين تهدف إلى سلخ هذه الكتلة البشرية عن محيطها العربي والإسلامي، فسجّل هذا الكيان سابقة منع وصول المصلين إلى أماكن العبادة ..
أما الإجراءات الأخرى التي اعتمدها الكيان الصهيوني تمثّلت في مصادرة الأراضي والأحياء العربية الإسلامية وإقامة أحياء يهودية في وسط المدينة، مترافقاً مع عدم منح رخص بناء للمسلمين والعرب فيها وإحاطتها بالمغتصبات الصهيونية من جميع الجوانب، حتى جاءت خطوة إقامة سور على مدينة القدس (حاضن القدس) والذي شرع الكيان الصهيوني بإقامته حول المدينة ليسلخها تماماً عن امتدادها العربي الإسلامي وليجعل محاولة ترويج وهم السلام الخادع مع هذا الكيان الغاصب مهمة مستحيلة والحديث عن حكومة فلسطينية قادمة من رحم أوسلو مجرد ترفٍ سياسي، أوسلو التي تخلّت عن القدس و ها هو الكيان الصهيوني يعمل على تهويدها وفرض الأمر الواقع عليها، ولكن انتفاضة الأقصى ستبقى والجهاد سيبقى إلى أن تعود فلسطين كلّ فلسطين إلى دائرتها الحضارية الإسلامية مهما طال الزمان أو قصر و هذا وعد الله للمؤمنين ولن يخلف الله وعده.
إخواني أخواتي باسمكم وباسمي وباسم مشرفي غرفة فلسطين المسلمة أرحب بالدكتور / جمال عبد الهادي المؤرخ الإسلامي المعروف، فليتفضّل مشكوراً في محاضرته الأولى والتي ستكون بإذن الله ضمن سلسلة من المحاضرات تحت عنوان (صفحات مجهولة من تاريخ بيت المقدس) …
محاضرة الدكتور جمال عبد الهادي
صفحات مجهولة من تاريخ بيت المقدس
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
نبدأ في دراسة صفحات مجهولة في تاريخ بيت المقدس من بعد عام 1098م أو 1099م، كونها مرحلة متسارعة الأحداث وباعتبارها قد بدأت فيها مرحلة جديدة، تمثّلت في سقوط بيت المقدس بيد أبناء أوروبا، بالإضافة إلى منطقة الرها في شمال العراق وأجزاء من آسيا الصغرى (شبه جزيرة الأناضول)، و بهذا دخل العالم العربي والإسلامي في مرحلة صراع ودفع للهيمنة الأوروبية الصليبية التي شاركت فيها ألمانيا، إنجلترا، فرنسا، إيطاليا، وحشدت كلّ قواها لبسط نفوذها على المنطقة العربية خاصة والإسلامية عامة ..
كان يدعم هذه الحملات الصليبية الكنيسة الرومانية الشرقية البيزنطية التي تدين بالأرثوذكسية، والكنيسة الرومانية الغربية التي تدين بالكاثوليكية، واستمر بيت المقدس أسيراً في أيد الصليبين حتى عام 583هـ ..
نلمح في هذه المرحلة أن المقاومة الإسلامية بدأت منذ اللحظة الأولى لاحتلال بيت المقدس وذلك لكونه يعيش في حنايا وقلوب وعقائد المسلمين وانطلقت هذه المقاومة بقيادة كلّ من عماد الدين زنكي وشيخ الدين غازي ونور الدين محمود ونجم الدين أيوب والد صلاح الدين وأسد الدين شيركوه عم صلاح الدين وبمعاونة العلماء ومنهم القاضي الفاضل العماد -ولم يكن صلاح الدين قد ولِد في تلك الفترة و كان مولده عام 532هـ-، واستمرت هذه المقاومة حتى نجح عماد الدين زنكي في تحرير الرها أول معقل من المعاقل الصليبية في ذلك الوقت وحاصر قلعة من القلاع التي تمركز فيها الصليبيون.
وقاد الحركة الجهادية الله صلاح الدين الأيوبي ووفّقه الله -و قد بلغ من العمر خمسين سنة- لتحرير بيت المقدس واستطاع أن ينظّف المسجد الأقصى وقبة الصخرة من شعارات أعداء الإسلام و يعود نداء الله أكبر يتردّد في جنباتها مرة أخرى، وكان ذلك في 27 رجب من عام 583هـ، و بعدها أصبح بيت المقدس جزءاً من الكيان السياسي لدولة الخلافة الإسلامية العباسية على عهد الأيوبيين والمماليك وظلّ كذلك حتى سنة 1918 م ..
ونلمح في هذه المرحلة الهجمة الشرسة التي جاءت من المغول والتتار التي استهدفت الخلافة العباسية التي تشكّل الحصن الواقي الذي يذود عن المسلمين وعقائدهم وعن أمتهم ومقدساتهم، ولقد قيّض الله لهذه المرحلة قطز ومحمد بن قلوون والأشرف خليل يكسروا غزوة المغول والتتار، لتتحرر ليس القدس فحسب بل بلاد الشام وشمال العراق وشبه جزيرة الأناضول، وتنكسّر شوكة أبناء أوروبا في آخر معقل في عكا سنة 692 هـ وبعدها أصبحت الشام كلها والعراق وبقية العالم الإسلامي والجزء الجنوبي من شبه جزيرة الأناضول و شرقها، ومصر والشمال الأفريقي أصبحت تشكّل جزءاً من الكيان السياسي لدولة الخلافة العثمانية التي امتدت حدودها السياسية لتشمل إيران والعراق وخراسان وشبه الجزيرة العربية وشبه جزيرة الأناضول ..
وفي عهد العثمانيين افتتح محمد الفاتح القسطنطينية وأسماها مدينة الإسلام (إسلامبول) سنة 1453م، وبعدها انتشر الإسلام في شبه جزيرة البلقان ووصل المسلمون إلى بودابست (المجر) حتى امتدت الحدود السياسية للدولة العثمانية لتشمل شبه جزيرة البلقان، فكانت صربيا تشكّل منطلقاً للجيوش الإسلامية، وكانت شبه جزيرة الأناضول تشكّل المنطلق الذي ينطلق منه المسلمون لنشر الإسلام في أوروبا، و كانت بلاد الحجاز وبيت المقدس تشكّل متصرفية تتبع الباب العالي مباشرة حماية لها من مؤامرات الصليبين و اليهود التي بدا أمرها يظهر بوضوح منذ عهد السلطان سليم الأول.
إذن من خلال دراستنا لهذه الحقبة التاريخية لبيت المقدس تؤكّد لنا حقيقة لا مراء فيها وبما لا يدع مجال للشك أنه لم يكن لليهود كيان سياسي على أرض فلسطين ولم يكن لأبناء أوروبا موضع قدم على أرض بلاد العالم العربي والإسلامي حتى سنة 1909م ومن هنا بدأت مرحلة من تاريخ الصراع بين الشرق والغرب الصراع بين الحق و الباطل.
وفي خضم هذا الصراع ومن ضمنه أيضاً وقع في سنة 1909م الانقلاب العسكري الثاني الذي أطاح بالسلطان عبد الحميد الثاني الذي شكّل عقبة حقيقية أمام إقامة كيان صهيوني في أرض فلسطين، لكونه رفض أن يفرّط بحبة تراب واحدة من أرضها، والذي كان يردّد دائماً أن هذه الأرض التي رواها آبائي وأجدادي بدمائهم لا يمكن التفريط فيها، و عمد اليهود إلى إغرائه بالمال لتسديد مديونية الدولة العثمانية ولكنه رفض بإباء وشمم، رغم حوجته الماسة لهذا المال في تلك الفترة، ودوّن بمذكراته أنه ليس من حقه التفريط بشبرٍ واحد من أرض فلسطين، وعلى إثر هذا الموقف تم التآمر عليه والإطاحة به على أيدي الضباط من أبناء حزب الاتحاد و الترقي، وهكذا انهارت عقبة من عقبات إقامة كيان سياسي صهيوني على أرض فلسطين.
من أبرز ملامح هذه المرحلة من الصفحات المجهولة انعقاد المؤتمر الصهيوني العالمي في بازل بسويسرا عام 1897م، والذي تقرّر فيه إقامة الكيان الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين، و فيه دبّروا مكيدة الخلاص من العقبة المستعصية التي تقف في وجههم و هي الخلافة الإسلامية بقيادة السلطان عبد الحميد الثاني، فجاء الانقلاب العسكري الأول سنة 1908 والثاني سنة 1909 والذي انتهى بإقامة حكم العسكر ..
وفي هذه المرحلة وقعت الحرب العالمية الأولى والتي صدر أثناءها وعد بلفور، وذلك باتفاق بين ألمانيا وإنجلترا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وروسيا ليشترك الجميع في جريمة غرس هذا الكيان العنصري النازي على أرض فلسطين وبموجبه تم الاتفاق على تمزيق العالم العربي وفق معاهدة سايكس بيكو، والتي اتفق فيها على أن تغضّ فيها فرنسا وإنجلترا عن الروس في المنطقة الواقعة ما وراء البحر الأسود مقابل أن يغضّ الروس الطرف عن الفرنسيين والإنجليز في العالم العربي والإسلامي …
وقامت الحرب العالمية الأولى واستدرج العرب لدخول هذه الحرب تحت قيادة فيصل بن الشريف بن الحسين، بعد أن أقنعوه بأنه يمكن أن يكون خليفة على دولة عربية مستقلة، بشرط أن يتعاون مع أبناء أوروبا من الإنجليز والفرنسيين الحلفاء في ضرب الجيوش الإسلامية العثمانية التي كانت تحمي فلسطين و بيت المقدس و أرض المسلمين، وقَبِل الشريف الحسين أن يحارب تحت راية الصليبين أبناء أوروبا، وهكذا دخلت الشعوب العربية التي ابتليت بهذه القيادة السياسية الحرب إلى جانب ما يسمى الحلفاء الذين تستّروا بستار الصليب، واضطر الأتراك أن يخوضوا هذه الحرب بجانب ألمانيا، وهكذا ضربت ثلاثة جيوش عربية إسلامية عثمانية كانت تحمي بيت المقدس، وعلى إثر ذلك دخل الجنرال اللنبي القدس في ديسمبر 1917م قائلاً: “الآن انتهت الحروب الصليبية”، ودخل الجنرال غورو إلى دمشق و وضع قدمه على قبر صلاح الدين قائلاً: “ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين”، و تعتبر هذه المرحلة من أخطر المراحل التي نعيش تبعاتها لغاية اليوم …
إذن لغاية سنة 1918 لم يكن لليهود كيان سياسي في أرض فلسطين، و لا للاستعمار الغربي موضع قدم على أرض الشام، كان هناك احتلال إنجليزي لمصر سنة 1882م، وكان هناك احتلال فرنسي لتونس والجزائر والمغرب 1830م، وفي سنة 1922 م صدر صك الانتداب من عصبة الأمم بتفويض بريطانيا العظمى لإدارة فلسطين، بمعنى إبادة وتشريد شعبها و فتح الطريق أمام الهجرة اليهودية، وأصبحت عصبة الأمم وإيطاليا وفرنسا وإنجلترا وكلّ الدول الأوروبية تدعم المشروع الصهيوني، وتولّت بريطانيا تيسير هذا الأمر ومنذ عام 1918 واصل الإنجليز تهويد فلسطين وتسليمها لليهود…
ولقد أدرك الشعب الفلسطيني ما يدبّر له وأدرك العالم العربي هذه المخطّطات، ولكن لم يكن يملك من أمره شيئاً، كون العالم العربي يرزح تحت نير الاحتلال الأجنبي، فكانت الأمة مكبّلة بالأغلال، ففلسطين محاصرة، الخلافة غائبة، حكام باعوا أنفسهم للإنجليز أو لأعوانهم، والشعب الفلسطيني محاصر: من الجهة الشرقية كلوب الإنجليزي الذي كان قائد جيش الأردن، و من جهة سوريا وجود قوات احتلال فرنسي، ومصر احتلال إنجليزي ، واستغلال لهذه الأوضاع المزرية قام الإنجليز منذ عام 1918 – 1948م بدعم من الدول الأوروبية بتشريد غالب الشعب الفلسطيني وسلّموا هذه الأرض للعصابات الصهيونية التي فتحت باب الهجرة لها و في عام 1948 أعلنوا الإنجليز انسحابهم بعدما أتمّوا مرحلة التهويد، وعلى إثر ذلك اجتمع ممثلو الكيان الصهيوني، وأعلنوا قيام دولة (اسرائيل) على التراب الفلسطيني في 14/5/1948م ..
الغريب أن أول من سارع للاعتراف بهذا الكيان المسخ هي روسيا وبعد 6 دقائق اعترفت أمريكيا بالدولة الصهيونية الغاصبة على أرض فلسطين، وبهذا أوفت بريطانيا بوعدها؛ وعد بلفور، ونقضت العهود مع الشريف حسين بدولة عربية مستقلة، وما كان له أن ينخدع ولكنه أجرم بحق هذه الأمة لتصديق وعودهم و هم الذين بدون وعد ولا عهد حتى أصبحت فلسطين لقمة صائغة بأيديهم.. وبعد 14/5/1948 بدأ الكيان العنصري الدخيل يباشر نشاطه بدعم من الدول الغربية الاستعمارية وبدعم من المنظمة الدولية، وبهذا أصبح الكيان الذي اقتلع شعب من جذوره، وانتهك المقدسات، وصادر أرض الغير، عضواً في المنظمة الدولية، و يدعم بالرجال والسلاح، فروسيا فتحت باب الهجرة إلى أرض فلسطين، وفرنسا هي التي نفّذت المشروع النووي للكيان الصهيوني، وألمانيا هي التي زوّدتهم بغواصات نووية وزوارق التوربيد وتدعمهم بالمال و لخبرات لتصنيع الأسلحة الجرثومية والكيميائية، وأمريكيا تدعمهم بالمال والسلاح، وللأسف فإن العالم العربي والإسلامي بنواقصه وقف مواقفه السلبية وهو يرى هذا الكيان يعلو يوماً بعد يوم وهو لا يحرّك ساكناً .. ونسي الجميع أن القدس وقف إسلامي وفلسطين بتاريخها جزء من عقيدة المسلمين وتحريرها فرض على المسلمين وهو واجب شرعي وضرورة حياتية لا يعذر منها أحد و نصرة أهلها من عقيدة المسلمين والأمة حكام ومحكومين واقعة تحت تكليف تحرير بيت المقدس ..
في هذه المرحلة التي علا فيها اليهود علوّاً كبيراً كما أخبر الله عز وجل: وَ قَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَ كَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاًهذه المرحلة تحتاج إلى دراسة متأنّية كي نفقه وندرك بفرض الله على أمتنا لنصرة المسلمون في كلّ مكان يظلمون فيه ليس فلسطين فحسب وإنما العراق والشيشان كذلك، يقول ابن قتامة: “إذا سطا العدو على شبر من أرض الإسلام فقد أصبح الجهاد متعلّقاً في رقاب المسلمين أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَ بِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ“.
في هذه المرحلة لا بدّ من تجلية صفحاتها حتى ندرك من هو الصديق و من هو العدو من يوالي ومن يعادي ومن الذي رمانا بهذا البلاء، وننبّه إلى أن الدول الأوروبية غير جادة بإقامة دولة فلسطينية لا على أرض غزة، ولا على أرض الضفة، ولا على وقف العدوان الواقع على أرض فلسطين، وخريطة الطريق جاءت فقط لكون العدو الصهيوني في ورطة حقيقية، وفي كتاب نشر مؤخراً في مجلة البيان تحت عنوان (الانتفاضة والتتار الجدد) للدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي، تكلّم فيه أن العدو في ورطة حقيقية، والهدف من خارطة الطريق إنقاذ العدو الصهيوني، واستقطاب مشاعر المسلمين لإخراجهم من ورطتهم في العراق وأفغانستان، وهم الذين وضعوا الجميع بقاربٍ واحد وعازمين على إغراقهم، وما صدر عن أوروبا في إيطاليا مؤخراً بوضع حركة حماس حتى جناحها السياسي على قائمة الإرهاب إلا دليل على عدم جدية الدول الأوروبية بإقامة دولة فلسطينية، وإن هذا القرار خطّط له بليلٍ دامس وهو ليس وليد 11 سبتمبر أو أحداث أفغانستان، والدليل على ذلك سأعرض لكتاب أو كلمات قالها عالم من علماء مصر اللواء الدكتور سلمي محمد أستاذ الاستراتيجية الشاملة في أكاديمية ناصر العسكرية في كتاب له نشر سنة 1996م كتب كتاب (كيف نفكّر استراتيجياً) .. وفي صفحة 403 تكلّم في المحور الرابع عن محاربة الإرهاب : ((على الرغم من كلّ هذا فقد نجد أن الاتجاه العالمي هو التعبير بكلمة الإرهاب عن الإسلام، وبعضهم يضيف وصفاً للإرهاب ليقول الإرهاب الإسلامي، وهو ما نجده كثيراً في تعبيرات قادة الكيان الصهيوني .. ولذلك تعتبر التعبئة العالمية لمحاربة الإرهاب أحد أهم مكوّنات ثقافة السلام، و يعبّر بعض أعداء الإسلام بقولهم محاربة أعداء السلام، وهم يشيرون بذلك إلى مسلمي فلسطين من منظمة حماس، إلى الجهاد الإسلامي، حتى منظمة حزب الله التي تجاهد لتحرير جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني، ويضيفون إليهم كلّ المجاهدين المسلمين الرافعين لراية الحق في كلّ أنحاء المعمورة))، ونبّه الكاتب: ((و لكن الأمة لم تنتبه في حينه وهو أن شعار التحالف الدولي من أجل محاربة الإرهاب الذي يرفعه الرئيس الأمريكي ويوافقه عليه عددٌ كثير من قادة الغرب، وعدد من قادة الدول الإسلامية، ما هو إلا شعار يحمِل في طيّاته شنّ حرب عالمية شاملة ضد الإسلام، لاقتلاعه من العالم إن استطاعوا ولن يستطيعوا لأن إرادة الله اقتضت أن يعلوَ هذا الدين .. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.. كفى بالله شهيداً)) ..
لا بد أن ندرك أن هذه الهجمة الشرسة لا تستهدف العراق فحسب ولا فلسطين فحسب ولا الشيشان وأغانستان، وإنما تستهدف المملكة العربية السعودية لأنهم يحلمون بخيبر وبني النضير، وتستهدف مصر لتمزيقها مزّقهم الله كلّ ممزق، تستهدف أمتنا التي جعلها الله رحمة للعالمين، الأمة التي أوصاها الله بأهل الكتاب لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.. نريد من هذه الدراسة أن ندرك أن العالم الغربي وأوروبا غير جادة في وقف العدوان القائم في فلسطين وأن خارطة الطريق لتخدير مشاعر المسلمين و لكن فلسطين محتلة منذ عام 1918 فلماذا لم يتحرّكوا عند صرخة الشعب الفلسطيني في عام 1921 و 1935 بقيادة الشيخ المجاهد عز الدين القسام وعام 1936 الحسيني وحسن سلامة وصرخة 47 و48 والدول الأوروبية هي التي مكّنت العدو من قيام هذا الكيان على أرض فلسطين و كبّلوا العالم العربي حتى أصبح للكيان الصهيوني جذور في أرض فلسطين ..
إن وضع حماس على قائمة الإرهاب الأوروبية جريمة ولنا أن نتساءل أين حقوق الإنسان؟؟ وأين القانون الدولي؟؟ وأين الحريات؟؟ فشعب يدافع عن عرضه ومقدساته وعن وطنه إرهابي!!، لماذا إذن حاربت القوات الأمريكية الموجودة في القارتين الجديدتين بقيادة جورج واشنطن الإنجليز، لماذا حارب الصينيون الإنجليز ودول أوروبا في حرب الأفيون ولماذا ديجول فرنسا قاوم الاحتلال النازي؟ فالمقاومة مشروعة تاريخياً وقانوناً وشرعاً والعالم كلّه يدرك أن الحق مع الشعب الفلسطيني في مقاومته ضد الاحتلال الدخيل ولكن رغم هذا يصرّون على مواصلة موقفهم الداعم للكيان الصهيوني لتنقلب الموازين وعلى إثر ذلك جعلت المقاومة الفلسطينية إرهاباً وتم القضاء على الحريات والديمقراطية وغيّب القانون على يدي من يطلق على نفسه دول العالم المتحضّر لتقيم البشرية في العهد الرعوي رغم كلّ ما يمتلكوه من وسائل تكنولوجية وعلم ..
لا بد من إدراك هذه المرحلة ليعرف العالم كله والشعب الأمريكي لأن فيه فئات ما زال عندها قيم ومبادئ لذلك نرى المظاهرات قد خرجت في الدول الأوروبية وحتى أمريكا معارضة للحرب على العراق ومنهم فئات تريد وقف العدوان على الشعب الفلسطيني ولا بد من تنبيههم أننا في حالة وقف العدوان على أمتنا سنكون لهم أصدقاء، لكم ما لنا وعليكم ما علينا لأن الله علّمنا لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ..
هذه الصفحات المجهولة في تاريخ القضية الفلسطينية لا يمكن فهمها إلا في سياق تحديات العصر التي تواجه المسلمين وهي كثيرة ولا بدّ من التعرّض لها في محاضرة قادمة ضمن سلسة محاضراتنا ((صفحات مجهولة في تاريخ بيت المقدس)) نعرِض فيها لدور الفرد المسلم في وجه تحديات العصر في ضوء الكتاب والسنة وأحداث التاريخ والقدس إحدى هذه التحدّيات لكي نتعلّم كيفية مواجهة هذه التحديات من الأنبياء وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم، ومن عمر وأبي بكر …
إعداد و تقديم: يحيى عايش – كاتب فلسطيني