شعور ممتد

Cover Image for شعور ممتد
نشر بتاريخ

ليس شعورا يعترينا لحظيا، بل هو طريق طويل ممتد من التهمم بهموم الأمة، يحتاج لصبر ينير القلب بإضاءات من فهم عميق ووعي كامل بالواقع الذي نعايش، فلا نتسرع في جلد الذات، ونسقط في متاهة الباطل الذي يخوف المخالف؛ إذ أسمى أمانيه النكوص للخلف.

الحق يسطع وحده، فلنترك الناس تستشعره بروحها، قبل أن يتجسد في الكلمات، وينبعث من جديد، فهناك من يفسر الصمت ضعفا أو قلة حيلة.

وإن لم نكن في حضرة الحق، فلننتبه قد نكون في زمرة الباطل، فلا المكان ولا الزمان يسمح بالحياد، إما أن نكون مع الحق أو ضده. أما من يتخذ الحياد سبيلا للنجاة، فلن يتذكره أحد، وسيُنسى سريعا ويلقى إلى هامش التاريخ بدون أثر يذكر.

الحق كالشمس لا يحتاج لمن يسلط عليه الضوء الكاشف أو يشير إليه، فهو ثابت في مساره لا يحيد عن وجهته، ترى تفاصيله واضحة من مدى بعيد، وتعرف أبعاده الخيرة وإن تباعد الزمان، فمتى أبصرته رأيت، فهو يزيح غبش الرؤية من طريق كل صادق يبحث عن الحقيقة؛ الغائبة عن كل مكابر، الحاضرة في ضمير كل حي.

والباطل وإن تعددت أساليبه ووسائله وطرقه الملتوية، فهو مفضوح لكل ذي بصيرة، ولكل ذي عين فاحصة ترى سواد ظلمته، وإن استنجد لإضاءته وتلميعه بمختلف مؤثرات الصورة، وبتنوع تلاوينها السمعية والبصرية قديما أو حديثا، وما سحرة فرعون إلا نموذجا للباطل عندما يستحوذ على العقول، لكن في النهاية يظهر الحق جليا.

ولكي يتبين الطريق، وتتضح زوايا النظر، ويقع الاختيار بين الحق والباطل بروية، ولعل الله يبعث للأمة من يجدد لها دينها، والفطن من يؤسس أو يتبع لمشروع قيمي حضاري ينبثق من مرجعيته الدينية والثقافية؛ ينشأ وسط الناس، وينبع من تفاصيل حياتهم اليومية. وكي ينضج ويشتد عوده، عليه أن يترك بينه وبين ما يجري من أحداث مسافة الأمان؛ يفكر، يدقق، يفكك.. ليخرج بخلاصات جيدة تتيح له الحكم على الأمور بوسطية واعتدال.

بمنظور من يراقب المشهد بصمت؛ يقلب الأوراق، ويرتب الأفكار، وينضج الفعل وردود الأفعال، لا من قلة حيلة وإنما إمعانا في قراءة ما وراء السطور، ليخلص لأهم القراءات الممكنة، بل يستوعب ما يشي به المحيط من إشارات خفية، تنبهه لتوقعات معينة.

وباتباع آليات المنطق يتمكن هذا الأخير من فهم فلسفة «فقه الواقع»، ويلم بأبجدياتها، ويفك شيفراتها السرية، وما يتماشى مع الكائن منها في الواقع الاجتماعي، لتتحول إلى تغيير فعلي لما ينبغي أن يكون، كي يبدع بما يناسب كل حدث وموقف، من سلوك إنساني خاص، وبهذا يصل للحلول المثلى لكل الأمور، ويحقق بذلك المصلحة العامة لشرائح المجتمع وفئاته، وما يصلح دنياهم وأخراهم.

ومن يعنيه أن يكون جزءا من مشروع صناع الحياة، عليه أن يثبت الفاعلية التاريخية، ويتأقلم مع ما يتطلبه العصر من تغيير سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي، وأن ينصهر في بوتقة الفعل الحضاري الجماعي، فالزمن زمن التكتلات.