في بداية الثمانينات من القرن الماضي (1983) نظمت الجماعة رباطا مركزيا ثالثا بمراكش، يجمع كل المتعاطفين والمحبين للإمام المرشد رحمه الله، أي رباط أعضاء أسرة الجماعة الوحيد على مستوى القطر المغربي، كان شعار الرباط التربوي ولذكر الله أكبر وخادم الرباط 1 سيدي أحمد الملاخ رحمه الله كان مشرفا حكيما في تسيير الرباط من بدايته إلى نهايته، رغم توصله بخبر اعتقال المرشد رحمه الله قبل الختم النهائي وحرصه على إتمام البرنامج التربوي في خشوع وتضرع إلى الله عز وجل يزيدنا توكلا على الله ويعيننا على نصرة دعوة فتية أراد المخزن وأذنابه وأدها في مهدها باختطاف مرشدها من عقر داره والذهاب به إلى وجهة لم نعلمها إلا بعد أسبوعين مع إشاعة خبر اختفائه القسري [هذه الأساليب الإرهابية كانت عادية في حقبة ما سمي بسنوات الرصاص]. كان هدف الرباط الأساسي هو الإقبال المتواصل على ذكر الله وقيام الليل والصيام وختم القرآن وإقامة الصلوات المفروضة جماعة مع الرواتب القبلية والبعدية، وتطبيق يوم المؤمن وليلته في أجواء مفعمة بالرحمة والمحبة. وتخلل برامج الذكر ندوات ومواعظ وتعارف معمق لذوي السابقة في صحبة سيدي عبد السلام ياسين رحمه الله أمثال سيدي علي سقراط وسيدي محمد العلوي رحمهما الله وسيدي محمد النقرة وسيدي ابراهيم [الروابزي]، ولكل رجل تجربته الإيمانية الخاصة، وما أثمرته من نقلة في كيانه بصحبة الإمام رحمه الله، وما وفقه الله إليه من غناء في تأسيس أسرة الجماعة سابقا، جماعة العدل والإحسان حاليا.
كان مولاي أحمد الملاخ يعطي لمحور التعارف المعمق ما يستحقه من اهتمام لعلنا ـ ونحن شببة ـ نتعلم ونعتبر وننظر توفيق الله عز وجل المرافق لمؤسسي هذه الدعوة المباركة وهي في مهد العناية الربانية. كان سيدي أحمد كان متفهما مدى تفاعل شباب الدعوة مع برامج غريبة آنذاك لتزكية النفس بالمرابطة في سبيل الله! فيغتنم الفرص لتنويع أساليب تحفيزهم وإيقاظ هممهم بالتواصي بالصبر والمصابرة، وخصوصا عندما نتربع في جلستنا ونحن مستقبلين القبلة نذكر الله لمدة ليست بالقصيرة! كان صعبا لمن ألف الجلوس على الكراسي وأرائك المكاتب!
كان رحمه الله ذا حس إيماني عال، يدرك به مدى قدرتنا على الالتزام بالبرنامج اليومي المسطر! يشير رحمه الله من حين لآخر بأن برنامجنا قابل للتغيير، ولا يمنعه تحريضه المتواصل لنا على العزمات الإيمانية الجماعية من إدراج حصة خفيفة للرياضة، أو فترات للاستراحة لنستأنف الاجتهاد في الطاعات بكيفية منسجمة مع بعضنا.
كان رحمه الله يرعى ويرشد بذرة محبة الدال على الله عز وجل في قلب وعقل ووجدان من يجالسه من الوافدين الجدد المتطلعين لاستكمال إيمانهم بخدمة دعوة ربهم، كانت شخصيته القوية شفافة يشع منها نور محبة الإمام فلا يفتتن جليسه بكفاءته وجاذبية كلامه بقدر انجذابه إلى النموذج السلوكي الحي لشعب الإيمان ومعاني الإحسان المتمثل في سيدي عبد السلام رحمه الله. كان مولاي أحمد الملاخ يبذل كل ما في وسعه ليقرب لنا معاني تربوية سامية لم تكن متداولة بين الجماعات الإسلامية ومدارس الدعوة والفكر الإسلامي آنذاك، فيحرص على أن يفهم الخاص والعام أن لا سبيل لانبعاث ديننا وتجديده تجديدا شاملا دون الوعي بمضاعفات الأزمة المسكوت عنها من طرف الغيورين على دينهم المناصرين للواء القرآن ألا وهي “أزمة منهاج”!
ويبشر بوجود رجل المنهاج وعلم المنهاج، وضرورة إمامة الفقه المنهاجي للعمل الإحيائي لدين الله دعوة ودولة. ويحرض على اقتحام كل العقبات التي تحول بين الإنسان وتقديم ولائه القلبي إلى الله، والتقرب إليه سبحانه بما يكرم به المؤمن والمؤمنة في زمرة المومنين والمومنات من يقظة قلبية، مع سعيهم الدؤوب لإقامة دين العدل والشورى والإحسان مع الصف وبنظام الصف.
كان رحمه الله يبشر بفرصة عمر كل إنسان ألا وهي تحقيق عبوديته لله عز وجل، وأن الولاية لله مشرعة أبوابها أمام كل إنسان وفقه الله لإعطاء برهان صدقه في طلبها، وأن شروطها ميسرة لمن يسرها الله له: الصحبة والجماعة والذكر والصدق. يقول الحق تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ذلك هوالفوز العظيم 2 .
يقول الإمام المجدد رحمه الله: وقد أخفى المولى الحكيم سبحانه سرَّه في أجساد عباده المصطفين، من نبي وولي، فهم بشر كالبشر فيمَا تراه العين من غالب أحوالهم، وهم بشر ليسوا كالبشر فيما تكنه القلوب الطَّاهرة، والبصائر النيرة، والحظ من الله عز وجل، والقرب منه، ومعرفته، ومشاهدته) 3 . رحم الله سيدي أحمد الملاخ ومن كان سببا في تربيته على الصفاء والوفاء، إلى أن انتقل من دار الفناء إلى دار البقاء وهو راض عنه، بعدما أقاما علينا حجة الشهادة والقيام بالقسط بمواقفهم وتفانيهم في تأسيس مدرسة تجديدية للدين لا يثني روادها العمل على إحياء شرف الإسلام الدولي عن المطلب الأسمى ألا وهو الفوز بالله ورضى المولى سبحانه وتعالى.