سيدنا محمد ﷺ.. نور الله لخلقه من الأزل إلى الحوض

Cover Image for سيدنا محمد ﷺ.. نور الله لخلقه من الأزل إلى الحوض
نشر بتاريخ

حل النور بعد الظلام، وابتهجت الأكوان، وتراقصت الأغصان، وصدحت الطيور بالألحان الحسان طربا بمولد خير الأنام عليه أزكى الصلاة والسلام.

كان مولده معنى قبل كل ميلاد، وحل أبونا آدم عليه السلام في الجنان بعد الخلق والتقدير والنفحة العلوية من السميع البصير، وعجب لاسم تقدم وجوده عن كل وجود، فعلم أن شأنه ظاهر وشأوه غامر عند رب كل موجود، وأن الأكوان من أجله خلقت، والأرض له بسطت ليعمرها بنور مقدمه وخاتم دعوته.

وبمولده الحسي تصدع إيوان كسرى وانطفأت نيران المجوس حتى لا يعلو على نوره قبس، ويكون ميلاده إيذانا بالفرقان الفاصل بين عهد وعهد، والربط الواصل بمعالي الطهر والقرب والمجد.

حل الوجد بعد الجفاء، والخصب بعد الجفاف، واخضرت الأرض وسال الضرع بالعطاء، وتحركت الدابة العجفاء طربة بمن تحمله إلى بيت أم مرضعة حل فيها الخير والرخاء.

ويا سعد الأكوان بك سيدي ويا سعد الأرواح، أنهضتها من رقاد وطهرتها من أدواء كنت لها الدواء، ألفت بين قلوب أرادها الله باعثك ومصطفيك أن تؤلف بعد أن فرقتها الإحن، ووحدت بين أجسام مزقتها الضغائن والمحن، فصارت جسدا واحدا يقود العالمين في دروب الحياة، ويعلو بهم من درك الدوابية والفواحش والفضائح إلى سامق الأخلاق ودرجات المعاني الراقية، والقيم البانية، ومن سفوح العدم إلى قمم قيادة الأمم.

كم طال صبرك، والابتلاء سنة أهل القرب، تغشى البوادي والمدائن بدعوة التوحيد فيصدك الجاهلون ويؤذونك ومن معك، ويحاصرون دعوة أرادها الله ممتدة ولو بعد حين، فيثيرون حولك الأكاذيب وهم بأمانتك وصدقك عالمون، كانوا لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون، إلى أن غزا الله بك القلوب قبل الحدود، فاجتمعت على حبك ونصرة  دعوتك، بل ما أصبحت تقوى منك على بعاد، وإن مالت إلى معافسة الأهل وملاعبة العيال، فإنها لا تملك عنك فراقا ولا تقوى على بين أو جفاء، ولا تهدأ لها عين إلا بعد أن تكتحل بالتلذذ ببهي طلعتك وجميل حضرتك.

عم لطفك ورفقك كل مخلوق، فما هدأ الجدع الباكي من فراق نور طلعتك ورائق كلامك وحسن خطبك إلا باللمسة الحانية من الكف الشريف، وما استوت القلوب على جودي الرضا إلا برحمتك التي أرادها الله المعطي أن تعم الخلق، قد تأتي الجارية الغضة وتقودك حيث شاءت وتأبى أن تكسر لها خاطرا، وتنذر الأخرى أن تضرب الدف فوق رأسك الشريف إن أبلغها الله تعالى المدينة سالمة، وتأذن لها سماحتك أن تفي بالنذر العجيب. تحسن إلى الخادم والبعيد والقريب، ولا تألو جهدا في خدمة الأهل وملاعبة الولد وإسعاف أمة طال انتظار صبحها بعد ليل الجاهلية الكئيب.

تعيش بلا تكلف، وتمضي العمر طاعة وقربا ووصلا، تقابل الخير بالخير والإساءة بالإحسان… تعلم الناس أن يكونوا لله…

يا سيدي يا رسول الله، لو أمضينا الأعمار في مدحك وذكر شمائلك لانقطعت منا الأنفاس دون أن نوفي جنابك العالي حقه، حسبنا أنا نحبك، وبرهان حبنا لك اتباعك والعض بالنواجذ على أنوار هديك وقربك، ولا يهدي إلى ذلك إلا ربك، فاللهم لا تحرمنا فضلك ووصلك.

يا سيدي يا رسول الله! ما أشبه اليوم بالبارحة، بعد أن انفرط عقد أمتك، وذلت بعد عز، وخمدت بعد حياة، فأنت وسيلتنا إلى الله أن يحييها من موات، ويعزها من ذل، ويولي عليها من يخاف الله فيها ويرحمها.

يا سيدي يا رسول الله! علمتنا أن الخير في أمتك موصول لا ينقطع حتى نرد عليك الحوض، وأن الطائفة الظاهرة على الحق التي لا يضرها من خذلها إلى أن يأتي أمر الله باقية، فبوعدك نتشفع إلى الله الكريم أن يجعلنا من زمرتهم، وأن يسخر سواعدنا في إظهار دينك ونصرته وانبعاثه حتى لا يبقى بيت في حجر أو مضر إلا ودخلته أنوار دعوتك، وأن يجعلنا من أهل شفاعتك حتى تعلو بنا في جنان القرب ودرجات الوصل، فإنا لا نرضى منك إلا بك، ومن ربك إلا بالحسنى وزيادة النظر التام والدائم إلى الحضرة القدسية وعلى رحمته المعول.

وإلى ذاك اللقاء المشرف بنورك، المدثر برحمة ربك الأرحم بنا من كل راحم، لك منا أفضل الصلاة والسلام لا يحدهما حد ولا عد يا سيدي يا رسول الله.