سلام على هاجر في العالمين

Cover Image for سلام على هاجر في العالمين
نشر بتاريخ

لم تكن السيدة هاجر تدرك، وهي واقفة عند تخوم الصحراء وكثبانها الرملية الممتدة تسعى بين سفح الصفا ومرتفع المروة تبحث عن قطرة ماء تسقي بها رضيعها في أرض فلاة لا مؤنس فيها ولا حبيب، أنها ستغير مجرى التاريخ وترسم حدودا لجغرافيا جديدة.

غريبة في وطن غريب، استسلمت لقدر الله، وارتضت ما ارتضاه المولى لها. وَدَّعت زوجها، مطمئنة إلى حكم الله وقضائه. مذ أدركت أنها زوج نبي، تحملت معه وعثاء طريق الحق، وعلمت أنها سبيل مشترك بينهما؛ هو يحمل كفة وهي تسند الأخرى.

كانت على موعد مع البناء والإصلاح والدعوة منذ أن حَطَّت قدماها أرض الصحراء. لم تيأس وهي تسعى مهرولة فزعة، باحثة عن الماء لتنقذ وليدها، حتى تَفَجَّر الماء عند قدميها، يروي ظمأها وقبله ظمأ الوليد وظمأ الروح والنفس إلى يومنا هذا.

تفجرت عند قدميها ينابيع رحمة بعثت برذاذها إلى العالمين؛ كل من تمسه قطراتها يرتوي أبدا، ويَعُمُّه النور بدل الظلمة.

آنس الله وحدتها وسط صحراء قاحلة، وارتوت وارتوى معها شعوب وقبائل شتى.

هاجر؛ امرأة خلفت نبي الله ابراهيم، وحفظته في غيبته، وحافظت على ولده الذي جاء على كبر، وبعد طول انتظار.

لم تكن تعلم هاجر، وهي السيدة التي انفجرت عند أقدامها زمزم، وأضحى سعيها ركنا من أركان العمرة والحج، أن ذكرها قد خلد أبد الآبدين.

هاجر؛ امرأة كرمها المولى ومنحها النعمة الكبرى؛ خدمة دعوته، وتعهدها برعاية وليد سيكون نبيا من أنبيائه، والحفاظ على فطرته ليكون مؤهلا للوحي وللرسالة.

هاجر؛ امرأة صالحة كان جزاء صبرها أن حظيت بالكمال الذي استحقته؛ ” إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا”.

هاجر؛ المرأة التي خدمت البيت العتيق وهيأته للحجيج؛ رفادة وسقاية. حفظت بيتها في غياب زوجها، واستأمنها على وليدهما لأنها الحافظة الكاملة التي علمت أن اليقين كل اليقين في إيمانها بالمولى عز وجل، فكانت عبارتها الخالدة “أالله أمرك بهذا؟ إذن لن يضيعنا”..

فسلام على سيدتنا هاجر في العالمين.