سؤال القيم في الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان المغربية (1)

Cover Image for سؤال القيم في الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان المغربية (1)
نشر بتاريخ

تقديم

تضمنت الوثيقة السياسية، التي أصدرتها الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان وقدمتها خلال الندوة الصحافية بتاريخ 6 فبراير 2024، مجموعة من القيم والمبادئ، والتي أصبحت مؤطرة للوثيقة السياسية في بنيتها، ومرجعا ناظما للقواعد المضمنة في محاورها الثلاث.

إن ما يسجل في التعاطي مع الوثيقة السياسية أن معظم الكتابات التي تصدت لها قد انصرفت إلى القضايا والإشكالات التي تناولتها المحاور الثلاث: المحور السياسي تحت عنوان: “حرية وعدل وحكم المؤسسات”، والمحور الاقتصادي والاجتماعي تحت عنوان: “عدالة وتكافل وتنمية مستدامة”، والمحور المجتمعي تحت عنوان: “كرامة وتضامن وتربية متوازنة”.

في المقابل لم يتم تسليط الضوء بشكل كاف على القيم التي أدرجت في تصدير هذه الوثيقة، والذي يعتبر جزءا أساسيا في الوثيقة، المتمثل في المحور التقديمي الذي حدد “المنطلقات والأفق”؛ حيث تطرق إلى الأسس والغايات من المشروع السياسي لجماعة العدل والإحسان؛ المتمثلة في بناء الْإنسان، وتشييد مجتمع العمران الأخوي، وترسيخ القيم الإسلامية في تأسيس مفهوم المواطنة، ثم الأهداف والخصائص المميزة لهذا المشروع.

إن قراءة مجموع القيم التي وردت في التصدير ستسهم في جردها وتصنيفها وتبويبها، في أفق إمكانية تحديد معالم خريطة القيم المؤطرة لهندسة الوثيقة السياسية، على اعتبار أن العلاقة التي تنشئها القيم والمبادئ مع الوثيقة تظل محكومة بطبيعة القيم التي تتبناها جماعة العدل والإحسان والتي تنبع من القيم السائدة في المجتمع المغربي وخلفياته الاجتماعية وتمثلاته الثقافية والسلوكية.

وتكمن الغاية من تناول موضوع “سؤال القيم في الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان” في إبراز أهميتها التي نصت عليها الوثيقة السياسية، والتي يمكن أن تساهم في رسم ملامح السياسات العامة، وتخطيط المسارات والاتجاهات والاختيارات المجتمعية والدولتية؛ وهذا يتطلب تتبع طبيعة المصادر التي استند عليها مهندسو الوثيقة، وجرد المحددات العاملة في تسييج هذه القيم.

إن فحص تصدير الوثيقة السياسية سيكشف أنها استمدت قيمَها ومبادئها مما أجمع عليه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأيضا ما تقاسمه الشعب المغربي من ثقافة وعرف، وما هو متوافق عليه في المواثيق الدولية، ومرد ذلك هو الشعور بوجود مشتركات كونية لمجموعة من القيم الجائلة في العالم، وتعيش بين مختلف الشعوب والمجتمعات، وتتجاوز الحدود الجغرافية والمجالية، وتتعالى عن الخلافات السياسية، فهي تمثل إرثا حضاريا لكل البشرية؛ كتلك التي جاءت مشبعة بقيم العدالة، والكرامة، والأمن، والحرية، والمساواة، والتضامن، والتعاون، وحقوق الإنسان، وغيرها من القيم الإنسانية الخالدة.

إن البحث في سؤال القيم، سيسهم في معالجة بعض الإشكالات والتأويلات؛ خصوصا القراءات التجزيئية للوثيقة، حيث يكون حسم هذه الإشكالات المطروحة في إطار شمولي وتكاملي بناء على القيم والمبادئ العامة والمؤطرة، والمسطرة في المحور التقديمي للوثيقة.

وللإجابة عن هذه الإشكالية، سيتم تناول هذا الموضوع من خلال ثلاث محاور: الأول مخصص للمرجعية القيمية لمهندس الوثيقة، وفي المحور الثاني سيتم تحديد المصادر التي شكلت أوعية لخريطة القيم والمبادئ للوثيقة، والمحور الثالث سيتم فيه جرد محددات القيم.

المحور الأول: المرجعية القيمية لمهندسي الوثيقة: جماعة العدل والإحسان

المرجعية هي ما يتم الرجوع إليه، المرجعية هي الإطار الفكري والنظري المشكل من الأفكار والمعتقدات والقيم والتمثلات الذهنية والسلوكية… المرجعية هي البوصلة التي يهتدي بها التنظيم السياسي فكرا وممارسة.

وبخصوص المرجعية القيمية لجماعة العدل والإحسان، حسب ما ورد في الوثيقة السياسية، هي المرجعية الإسلامية، وهي الاطار الحاضن للمقولات والمبادئ التأسيسية لفكر الجماعة وممارستها؛ في هذا السياق ورد في الفقرة المعنونة بجماعة العدل والإحسان: الهوية والمرجعية والشعار ما يلي: “جماعة العدل والإحسان حركة إسلامية مغربية الأصل والمنشإ، وجماعة دعوية تربوية تتوب إلى الله وتدعو أعضاءها والناس إلى معرفة الله عز وجل والتوبة إليه” (الوثيقة السياسية، ص 17).

كما حرصت الوثيقة في المقدمة على التذكير بأسس مشروع الجماعة المتمثلة في التلازم الوثيق بين ثنائية العدل والإحسان، باعتبارهما قضيتين محوريتين في فكر الجماعة ومشروعها وبرامجها، على اعتبار أن التغيير السياسي في مشروع الجماعة مرتبط بالتغيير التربوي والأخلاقي، رغم أنهما متمايزان وظيفيا وموضوعيا ولكل منهما مجاله وأدواته ووسائله.

من هذا المنطلق فجماعة العدل والإحسان هي “أيضا حركة مجتمعية سياسية مكانها الأساسي والطبيعي هو المجتمع بما هو حاضنة شعبية، فهي على هذا النحو ليست توجها منزويا مستقلا عما يدور حوله، وليست مجرد حركة ثقافية فكرية، كما أنها ليست حزبا سياسيا بالمعنى المتداول للحزب السياسي” (ص 18)، وإنما هي جماعة تجمع بين الأساس التربوي من جهة، ومن جهة أخرى العمل في “مختلف مجالات العمران التربوية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الفردية منها والجماعية” (ص 18).

أكدت الوثيقة أن المرجعية النظرية للجماعة تنطلق من الارتكاز على مصدرين أساسيين؛ القرآن والسنة الطاهرة، وكذا ما تركه الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله من إرث. تنطلق المرجعية التنظيرية لجماعة العدل والإحسان من المنهاج النبوي بما هو آلة للعلم ومرشد للعمل، بقراءة متجددة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكتاب العالم والحكمة البشرية. فهو في مستوى التصور يحدد المنطلقات والمبادئ، ويرسم الأهداف والغايات، ويضبط الوسائل، ويرتب المراحل، وينظم الفعل الدعوي والمجتمعي لجماعة العدل والإحسان في إطار مشروع مجتمعي تغييري مطلبه الآني العدل، وغايته الإحسان” (ص 18).

– يتبع –