من المعلوم أن شهر رمضان فيه بركة وفضل كبير، ميزه الحق سبحانه وتعالى عن سائر الشهور. ففيه تُفْتَح أبواب الجنة، وفيه تُغْلَق أبواب النار، وفيه ينادي المنادي يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر، ولله فيه عتقاء من النار كل ليلة…
بالإضافة إلى كل ما ذُكِر، فشهر رمضان فرصة سانحة للدعوة إلى الله والدلالة على الخير، حيث يُقْبِل العديد من الناس على المساجد، ويفتحون المصاحف، ويستمعون للمواعظ، ويتواصلون عبر وسائل التواصل الاجتماعي بكل ما هو ديني، ويكونون مؤهلين للاستماع وصحبة الدعاة الدالين على الخير. فكيف نغتنم شهر رمضان في فعل الخير والدلالة عليه لكي لا يكون لازما لنا فقط بل متعديا لغيرنا؟ وما هي الخطوات العملية لجعل شهر رمضان فرصة سانحة للدعوة إلى الله، لنكون فيه من العتقاء من النار وَنَمُدَّ اليد للناس ليكونوا هم أيضا من العتقاء من النار في هذا الشهر الفضيل؟
ولتحقيق هذه الغاية نقترح ما يلي:
1ـ الهمة العالية للدعاة المصلحين: الدعوة إلى الله تحتاج منا همة عالية في هذا الشهر الفضيل لننال الفضل العميم والدرجات العلى عند الكريم، يقول الحق سبحانه وتعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ(سورة فصلت، الآية: 33). وهو الفضل نفسه الذي نادى إليه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عليّا بالقول: (لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حُمْر النعم) رواه مسلم، وفي رواية (خير لك مما طلعت عليه الشمس) 1
2ـ وافتح بيتك لإفطار الصائمين: فبيوتنا هي التي وصفها الداعية الأستاذ منير الركراكي بالقول: “بيت الله هو عاصمة الدّعوة وملاذٌ لضيوف الرّحمان تُطعمُهم فيه مما أطعمك الله من طعام قُربه، وتَسْقيهم مما سقاك الله به من شراب أُنْسِه، وتُلبسهم مما ألبسك إياه من لباس التقوى، وتأويهم في ما آواك الله فيه كفالةً من يُتمِ أهل الغواية والهوى في كَنَف صحبة راعية مَعِين، وجماعة مواسية مُعين”. 2.
3ـ وأنذر عشيرتك الأقربين: إذا عزمت فتوكل على الله وابدأ بالأقربين، الأبناء، والإخوة والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وأبنائهم والبنات، وكل من تربطك بهم قرابة وصلات.
4ـ وجيرانك وأبناء حيك أحق بالبلاغ المبين: فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجار وحسن معاملته ودلالته على الخير في هذا الشهر الكريم. ولا ننسى أبناء الحي فهم في منزلة الجيران الأباعد وحاضنتنا الشعبية لدعوتنا المباركة.
5ـ وأصدقاء العمل والدراسة في كل وقت وحين: تجمعنا بأصدقاء العمل والدراسة أوقات يكون التواصل فيها لينا ونافعا في كل وقت وحين. وفي مَقرّ عملك أو دراستك “مجال مفتوح للدعوة إلى الله بالخدمة الحانية، وإتقان العمل، والكفاءة العالية، والمعاملة الراقية بلا مَنٍّ ولا كسل، ولا غشّ ولا ملل، ودَع غيرك يسأل: من أين لك هذا؟ قل هو من عند الله، إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ سورة آل عمران، الآية: 37″ 3.
6ـ مع التركيز على الشباب واليافعين: وللشباب في دعوتنا مكان لا يُزاحم، وله من دعوتنا اهتمام ما بعده اهتمام، وهم الذين أمرنا الإمام المرشد رحمه الله أن نُعِدَّهُم إعدادا جيدا بالقول: «إننا بحاجة لبناء أمة، والشباب يكوّنون في مجتمعاتنا المفتونة جيشاً من العاطلين الذين أُسيء تعليمهم وتربيتهم (…) فيجب أن نُعدهُم إعداداً جاداً ليكونوا جند التحرير والبناء، ومتى حصرنا الشباب عن الحركة ولم نهيئ لهم مجالا لصرف نشاطهم خارج جلسات الأسرة انفجروا في حركية عنيفة تضطرب ولا تبني. فلابد للشباب من رياضة وخرجات في المعسكر والسياحة. أقصد سياحة الدعوة والخروج في القرى والمدن لدعوة الناس إلى الإسلام. وفي الجامعات ينظمون أنشطتهم بما يُظهر قوة المؤمنين وصحة عقيدتهم وفكرهم» 4
ومن الوسائل المعينة في الدعوة إلى الله في هذا الشهر الكريم:
إفطارات جماعية، الاصطحاب لصلاة التراويح في المسجد، الانخراط في ختمات جماعية، خدمة المسجد وعماره، الانخراط في مجالس ومدارس القرآن الكريم، الانخراط في الرباطات والاعتكافات وإحياء الليالي في العشر الأواخر، التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون مبالغة، دوريات كرة القدم للشباب واليافعين، المشاركة في الحفلات الدعوية وغيرها…
مسك الختام: الدعاء مخ العبادة، لذلك فدعاؤك أخي/أختي دعوتك ليل نهار ليهديك الله ويهدي بك، وليجعلك سبباً لمن اهتدى. يقول الحق سبحانه وتعالى: إنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ سورة القصص، الآية: 56. كل هذا مع اختيار الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء خاصة عند الإفطار وفي وقت السحر وعند الختمات وفي ليلة القدر وفي الاعتكافات.
يقول الإمام المرشد رحمه الله: “ساعي الخير كن، وكن حيث يحب الله أن تكون، بالوصف الذي يحب وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ سورة فصلت، الآية: 33″ 5.