رمضان شهر الخير

Cover Image for رمضان شهر الخير
نشر بتاريخ

تمر الأيام وتمضي بسرعة وها نحن من جديد على موعد مع شهر هو من أعظم الشهور ومن أعظم نعم الله تعالى على عباده المؤمنين، هو محطة لتجديد العهد مع الله وتدريب النفس على الطاعات وامتلاكها عن الشهوات، هو شهر تتنزل فيه الرحمات، وتغفر فيه الذنوب والسيئات، وتضاعف فيه الأجور والدرجات، ويعتق الله فيه عباده من النيران.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى لله عليه وسلم: إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ. وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَة” (أخرجه الترمذي (682)، وابن ماجه (1642)).

رمضان فرصة ثمينة يجب التخطيط لها من أجل اغتنام الأوقات؛ وذلك بترتيب الأولويات واستحضار التوازن في كل ما نقوم به من أعمال، والحرص على أن يكون لنا حظ من جميع الخيرات.

فما هي المنح والعطايا الإلهية التي يجب اغتنامها في هذا الشهر الكريم؟

– رمضان شهر التوبة والإنابة

رمضان محطة لتزكية النفوس وتنقيتها والتعرض لنفحات الله والرجوع والإنابة إليه سبحانه وتعالى، وما يعود رمضان سنة بعد سنة إلا لنرجع نحن إلى الله تعالى ونتوب إليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه” (متفق عليه).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتقى المنبر فقال: آمين، آمين، آمين، فقيل: يا رسول الله ما كنت تصنع هذا فقال: قال لي جبريل: رغم أنف عبد دخل عليه رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف عبد أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخل الجنة، فقلت: آمين” (أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي في الكبرى (وهذا لفظه) ، والطبراني في الكبير والأوسط ، وأبو يعلى).

– رمضان شهر القرآن

رمضان والقرآن خيران عظيمان متلازمان لا يفترقان ويشفعان للعبد، وإذا ذكر رمضان ذكر القرآن، قال الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ (البقرة، 185).

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ. قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ” (أخرجه أحمد). 

– رمضان شهر الدعاء

يقول الله عز وجل في سورة البقرة: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186).

الدعاء مخ العبادة، وله مكانة ومنزلة عظيمة في الدين. الدعاء هو إفراد الله عز وجل بالعبودية. ويعتبر شهررمضان فرصة عظيمة للتقرب إلى الله تعالى والإكثار من الدعاء والتضرع والتذلل بين يديه والانكسار في حضرته، وهذه إشارة ربانية في ختم آيات الصيام بذكر الدعاء؛ فيها تذكير بالله عز وجل، وتنبيه الناس إلى أن الله عز وجل منا قريب وأنه مجيب الدعاء لا سيما في رمضان.

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ثلاثٌ لا تُرَدُّ دعوتُهم: الصائم حتى يُفطِر، والإمامُ العادل، ودعوةُ المظلوم” (صحيح، رواه الترمذي وابن ماجه).

– رمضان شهر البذل وتحرير النفس من غريزة التملك

الإنفاق في سبيل الله من أفضل الأعمال وأزكاها، فهو يزكي النفس ويطهّرها ويحررها من غريزة التملك، وهو أيضاً تطهير للنفس من العبودية لغير الله تعالى، يقول: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا (التوبة، 103). والإنفاق في سبيل الله هو حفظ للمال وزيادة له وليس نقصاناً له وإتلافاً كما قد يظن البعض لقوله تعالى: وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (سبأ، 39).

ورمضان شهر العطاء والبذل؛ لذا يستحب الإكثار من الإنفاق في هذا الشهر الكريم، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة”.

ولا نغفل عن الأجر العظيم الذي جعله الله تعالى في إطعام الطعام وإفطار الصائم، ففي الحديث النبوي الشريف عن زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا” (الترمذي وابن ماجة).

– فيه ليلة خير من ألف شهر

لقد منَّ الله عز وجل علينا بهذه الليلة المباركة؛ ليلة القدر – ليلة التقدير هكذا قال القرطبي في تفسيره -، التي هي خير ليالي العام، فيها تكتب الآجال والمقادير، وقد جعل الله عزَّ وجلَّ العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر.

قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (الدخان، 3)، وقال سبحانه: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (القدر، 1)، وقال عز من قائل: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (الدخان، 4).

وقد أوصانا صلى الله عليه وسلم بالتماسها في العشر الأواخر؛ رفعا للهمم وتحفيزا على الاجتهاد بإحياء الليالي كلها.

حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل بن جعفر حدثنا أبو سهيل عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان” (رواه البخاري).

يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فهُو لي وأنا أجزي به (الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).

جعلنا الله وإياكم ممن يصوم هذا الشهر الكريم محبة وتقربا له تعالى، وتجديدا للنية والعهد معه سبحانه، ورجاء أن يطهر قلوبنا وجوارحنا لتكتمل لنا أركان الصيام ونفوز برضاه عز وجل.