رفيقتي المتذمرة

Cover Image for رفيقتي المتذمرة
نشر بتاريخ

بقلم: الزهرة الشوداني

جلست بجانبي بإحدى العيادات الطبية، ويبدو من جلستها أنها تستعجل الوقت إذ تضرب الأرض بقدميها بحركات عصبية.

 ثم تأففت قائلة: إني على عجلة من أمري ودوري لا يزال متأخرا، وأطفالي صغار تركتهم عند قريبة لي والمسافة بعيدة بيني وبينها وكل الأشغال تنتظرني…

نظرت لها بابتسامة لأمتص من عصبيتها وقلت لها بهدوء: أليست لكِ جارة؟

فأجابت مندهشة، جارة؟ إنسي الأمر. لا أريد أي علاقة تربطني مع الجيران، فعندما تضعي جسرا بينك وبين الجارة يزيد تطاولها وتجاسرها عليك، ولا أريد لأسراري أن تتفشى في المجمع السكني بأكمله. ناهيك عن كون جارتي متكبرة ومتغطرسة لا لا لا. قالتها بيقين الواثق من صحة كلامه.

فأجبت: إن لم تكوني أول من يكسر هذا الجليد وأول من يبدأ بالسلام والابتسامة والسؤال عن أحوالها وصحتها وأحيانا تستقبلين أطفالها عند عودتهم من المدرسة في غيابها فكيف تذوب تلك الغطرسة وكيف ستعاملك بالمثل؟

هكذا عاش مجتمعنا المغربي، وهكذا عاشت أمهاتنا وجداتنا قبل.

وقتئذ كانت الجارة تعوضنا عن بعد الأهل فهي من يرعى الأبناء عند الغياب وعند المرض، وأحيانا يقع عليها النصيب الأكبر في حمل مسؤولية ولائمنا وضيوفنا فضلا عن نصائحها الذهبية التي تكون لنا زادا ومعينا يخفف عنا أعباء الحياة وكدرها، هذا هو حسن الجوار الذي أقصده. قاطعتني في عناد: ذاك زمن جميل مضى فطبائع الناس تغيرت وأصبحت الجارة حقودة حسودة نمامة.

طلبت منها التأني قليلا موضحة لها: هل نحن ساهمنا في هذا التغيير أم لا؟ بانزوائنا وبعدنا عن جيراننا وعدم الاكتراث لهمومهم ومتاعبهم. فإن من يجاورك أو يعاشرك يرقص على نغمات طبلك.

ولو كان الأمر كما تدعين لما وصانا ربنا الرحيم الذي يعرف الأصلح لنا وكذلك رسولنا الكريم بالإحسان إلى الجار وحسن الجوار، هذه مسألة عقيدة وطاعة لله، والأمر لا يتعلق بالأفراد فقط بل بالقبائل والدول في تعاملها مع جيرانها، فلا حروب ولا انتهاك.

وتاريخنا حافل بهذه المناقب لا يتسع الوقت لذكرها.

فهذه الأفكار الهجينة الدخيلة على عاداتنا هي ما يصبو إليه الكثير ممن يريدون هدم أخلاقنا وتعاضدنا واتحادنا مع بعضنا ففي اتحادنا قوة تؤرقهم، ومجتمع متفكك متناحر متشاحن حلمهم الذي لا يريدون الاستيقاظ منه.

داهمني صوت الممرضة وهي تنادي باسمي لقد حان دوري قطعت كلامي وقلت لها تفضلي خذي دوري نهضت مسرعة وأومأت برأسها تشكرني.

خرجت بعد لحظات، ثم دنت مني وهمست بالقرب من أذني هذا حوار شيق نابع من القلب سأفكر في كلامك.