رفقا بالقوارير

Cover Image for رفقا بالقوارير
نشر بتاريخ

كان الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه لا يغادر زوجاته حتى يرضيهن أو يراضيهن بما تحتاجه الواحدة منهن لا بما يحتاجه هو. كانت المرأة عنده أمانة يخاف على قلبها من الانكسار؛ لأنه يعلم أن كسر قلبها هو كسر لهمتها وكسر لسيرها إلى الله، وأنه مدعاة لغضب الله. الله سبحانه وتعالى فوق سبع سماوات راعى قلوبهن وعاتب الرجال ألا يأخذوا مهورهن، وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (النساء، 21).

ميثاقٌ، سرُّ نجاحه في الرفق. “رفقا بالقوارير” (1)؛ هكذا أوصى الحبيب حاديَ الركب وهو يستحث خطى الرواحل بصوته. رفقا بالقوارير، يا الله.. ما أرقها من عبارة! ما أجملها! ما كان الرفق في شيء إلا زانه (2) فكيف به إن كان في قلب امرأة لا تحتاج من الدنيا إلا إلى الرفق؛ رفق الكلمة، ورفق العشرة، ورفق المواساة، ورفق الاحتضان بعد غربة الزمان والمكان، ورفق الطلب، ورفق تفهم ما يؤلمها خاصة إن عبّرت عنه، ورفق احتواء غضبها وهي التي تخفي به قهرا تراكم بسبب اللامبالاة..

إنها امرأة زادُها بعد ذكر الله الكثير هو عاطفتها، فكيف يصبح كل هذا الزاد موؤودا تحت أنقاض حياة زوجية آيلة للسقوط، كيف يشح الرجل بكلمة.. كلمة.. كلمة قادرة على إضفاء النضارة على روحها وتجديد أنوثتها. الصمت لا يليق بكرام القلوب وقد علموا أنه يضر بزوجاتهم. أخاف أن ينفلت منكَ الزمام، فتنفتح نوافذ بيتك على مطامع الوحوش وهي تتربص بقلب يتعطش للمؤانسة، تكفي ضغطة على زر من أزرار بيتك الكثيرة لتجد باطن حياتك انقلب ظاهرا، ولم تعد لك أية خصوصية.

يا من يتلذذ بالصمت ويسافر في هاتفه إلى كل العوالم إلا عالم زوجته، ما الذي يعجزك عن جبر خاطرها وتقديم مشورتها؟ أحسبت الزواج للتسلية، “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” (3)، فماذا أعددت من جواب إن شكتك إلى الله وهي ترفع أسهم الليل بطعم الظلم والتهميش وحرقة قلب يصعب جمع شتاته بسبب هذا الهجران.

تتعنت، تتسلط، تنقلب من جلاد إلى ضحية لمجرد أنها واجهتك، تأنف أن يتهمك أحد بالتقصير. اسمع قول الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه: “خيركم خيركم لأهله” (4)، من الحكَم إذاً؟ أهلك، قلب زوجتك هو مفتاح وصولك مهما قمت ليلك أو أطلت صيامك، احذر أن تعتمد على عملك وتنسى رفيقة دربك وهي تشحب أمام شحك، وتموت أمام نزوة عابرة تراودك…

المرأة لا تتنفس داخل مناخ بخيل، أطلق يدك وأطلق كرم عاطفتك، جدد حياتك ومعها جدد همة زوجتك، المفتاح بيدك: “رفقا بالقوارير”. صلوات ربي وسلامه عليك يا حبيبي يا رسول الله.. صلوات ربي وسلامه عليك.


(1) روى الإمام البخاري في صحيحه بإسناده عن أبي قلابة عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَال:  أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ وَمَعَهُنَّ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَقَالَ: “وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالقَوَارِيرِ”. قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: فَتَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةٍ، لَوْ تَكَلَّمَ بِهَا بَعْضُكُمْ لَعِبْتُمُوهَا عَلَيْهِ، قَوْلُهُ: “سَوْقَكَ بِالقَوَارِيرِ”. ورواه مسلم أيضاَ.

(2) روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه، ولا ينزع من شيءٍ إلا شانه»، أخرجه مسلم.

(3) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عمر.

(4) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، قَالَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» رواه الترمذي.