رسالة حسن الخلق | الإمام المربي عبد السلام ياسين

Cover Image for رسالة حسن الخلق | الإمام المربي عبد السلام ياسين
نشر بتاريخ

رسالة “حسن الخلق”؛ كتبها الإمام المربي عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى في مارس 1989 م، ووجهها إلى عموم أعضاء جماعة العدل والإحسان. رسالة توضح جليا مكانة الأخلاق في التربية والسلوك إلى الله عند الإمام. هذا نصها:


بسم الله الرحمن الرحيم

إخواني الأعزاء، أخواتي العزيزات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

روى الإمام أحمدُ رحمه الله عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: “كَرَمُ الرَّجُلِ دِينُهُ، وَمُرُوءَتُهُ عَقْلُهُ، وَحَسَبُهُ خُلُقُهُ”.

جاء في لسان العرب: “المروءةُ الإنسانيةُ…”، وقال الأحنفُ رحمه الله: المروءةُ العفةُ والحرفةُ… وقال آخر: المروءةُ أن لا تفعلَ في السر أمراً تستحي أن تفعَلَه جهراً.

نخلُص من هذا أن الخُلقَ والدينَ مقرونان في اعتبار الشرع، وأن المروءةَ إنسانيةٌ وخلقٌ وعقلٌ وحرفةٌ.

وقد حثَّ الشارع صلى الله عليه وسلم على تَوخّي ذاتِ الدينِ والخُلقِ عند الزواج، كما حث على توخي الزوجِ الجامعِ بينهما.

روى الإمام أحمد رحمه الله عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: “تُنكح المرأةُ على إحدى خصالٍ ثلاثة: تُنكح المرأةُ على مالِها، وتنكح على جمالِها، وتنكح المرأة على دينها، فَخُذْ ذاتَ الدِّينِ والخُلُق تَرِبَتْ يَمينُك”.

الخُلق عمادٌ ثانٍ في شخصيةِ المؤمن والمؤمنة. وأحاديثُ المصطفى صلى الله عليه وسلم تدل على أنه قد يكون في الرجل والمرأة بعضُ تَدَيُّنٍ لكن نَقْصُه في ميزان الأخلاقِ والمروءة لا يُؤَهِّلُه لصلاحيَّةِ الحفاظِ على الفطرةِ إنجابًا وتربيةً، ومن أجل تحقيق هذين الهدفين شُرِّعَ الزواجُ بالجامعِ بين الدينِ والخُلقِ والجامعةِ بينهما.

دينٌ بلا كرمٍ هذا لا يَصِحُّ. عقلٌ بلا مروءةٍ، هذا لا يَتَّفِقُ. دعوى الحسبِ دون خُلقٍ لا تُقْبَلُ.

إنّ فيما ابتُلِيَت به الدعوةُ في زماننا وفي كل زمانٍ ظهورُ أفرادٍ وتجمعات تتخذ مظاهر التدين، وقد تُشدِّدُ في جزئيات التدين، وترتدي ملابسَ خاصَّةً، وتلتزم ببعض المستحبات التزاما شديدا حتى يظنُّ الرائي أنها فرائض، ومن وراء المظاهر والجزئيات فراغٌ أخلاقي رهيب. كيف نكون مسلمين وأدنى مقوماتِ الإنسانية والخلقِ والعقلِ لا تتجلى فينا؟

ومما ابتُليت به الدعوةُ هذه الواجهةُ الكاذبة أحيانا، واجهةُ “الالتزام”. الشاب “الملتزم” لا عليه إن سُجِّلَ اسمُهُ في سِرْبِ “الملتزمين” أن يكون بلا كرمٍ والكرمُ هو الدينُ، وأن يكون بلا خلقٍ والخلقُ أخُ الدينِ، وأن يكون بلا عقلٍ والعقلُ هو المروءةُ.

إننا لن نكون مسلمين إن أبطَلْنا في حساب الرجولةِ خُلُقَ الرجلِ والمرأةِ وعقلَهُما ومروءَتَهما، أي إنسانيَتَهما بما تعارفت عليه الإنسانية من شيمٍ فاضلةٍ. إن البكائينَ في المساجد العاكفينَ على التلاوة والذكرِ لن يكونوا هم أهل النورِ والربانيةِ إلا إن كان سلوكهم العملي مع الناس، الأقربُ فالأقرب، سلوكًا أخلاقيا مُرُوئيًّا، يَزِنون بميزان العقلِ واللياقةِ والكفاءةِ والجدوى وحسنِ الأداءِ كل أعمالِهم.

الإيمانُ هو الخُلقُ، والخُلقُ هو الإيمان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عند الإمام أحمد رحمه الله لِعَمْرو بن عَبَسَةَ رضي الله عنه: “الإسلامُ طيبُ الكلامِ وإطعامُ الطعامِ. قلت (يقول عمر): ما الإيمانُ؟ قال: الصبرُ والسماحةُ. قلت: أَيُّ الإسلامِ أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده. قال: قلت: أيُّ الإيمان أفضل؟ قال: خلقٌ حسن” الحديث.

فإن كان للتدين الأجوف الخالي من الخلق مَزِيَّةٌ فإنه يَقْعُدُ بصاحبه عن معالي الأمورِ. روى الشيخانِ والإمامُ أحمدُ -واللفظ له- عن عبد اللهِ بنِ عَمْرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشاً ولا مُتَفَحِّشا وإنه كان يقول: “خِيَارُكُم أَحَاسِنُكُم أخلاقاً”. وفي المُوَطَّأِ أنه صلى الله عليه وسلم قال: “بُعثت لأتممَّ حسنَ الخُلُقِ”.

وأخبرنا صلى الله عليه وسلم أن الخيريةَ في الدين لا تكون بالتدين لكن بالأفضَلِيَّةِ في الخُلق، خاصةً في التعاملِ مع كَنْزِ الفطرةِ، الحافظةِ عليها أهلُ الرجل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي رحمه الله بسندٍ صحيحٍ عن عائشةَ رضي الله عنها: “خيرُكم خيرُكم لأهلهِ، وأنا خيرُكم لأهلي”.

والخُلقُ الحَسنُ معيارٌ أعطاهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأمةِ، وأوصى بهِ وألحَّ في الوصية كي لا يَظُنَّ المسلمون أن اللهَ يَقبَلُ تَدَيُّنًا رهبانيًّا “سماويا” حتى يكونَ تعامُلُنا مع الناس في الأرض مُقَوَّمًا بِقِيَمِ أهلِ الأرضِ. وأَسْرُدُ أحاديثَ مُجَرَّدةً:

”يا معاذُ أحْسِنْ خُلُقَكَ للناسِ” الموطأ.

”إن المومنَ لَيُدْرِكُ بحُسنِ خُلُقِهِ دَرَجةَ الصائمِ القائمِ” أبو داود.

”إن من أكْمَلِ المومنينَ إيمانا أحسَنُهُم أخلاقا وألطَفُهُم بأهله” الترمذي.

”أكملُ المومنينَ إيمانًا أحسنُهم خُلُقا، وخِيارُكم خيارُكم لأهله” أبو داود والترمذي.

والباب طويل.

ولاحِظْ تِكْرار المُخالقةِ الحسنةِ مع الزوجةِ. وإنَّ مِنَ الظواهرِ البئيسة عند “الملتزمين” و”الملتزمات” فشلُ زيجاتهم فشلاً ذريعاً إلا من رَحِمَ رَبُّك. ذلك أن الشابَّ والشابَّةَ يَظُنانِ أن مظاهرَ التدين هي المَكْرُمَةُ التي ما فوقها مَكْرُمَة، حتى إذا وُضعت مُروءةُ الرجلِ ومروءةُ المرأةِ في امتحانِ التعاملِ اليومي انكشفَ الميدانُ عن رَقَاعَةٍ وخِفَّةِ عقلٍ، وعن سائرِ ما هنالكَ من لُؤْمٍ مَرَدُّهُ إلى خِسَّةِ المعدنِ أو لغيابِ التربية أو إليهما معا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اُدعوا الله لأخيكم عبد السلام ياسين.

سلا في يوم الجمعة 22 ربيع الأول 1409

الرسالة مسموعة على قناة الشاهد الإلكترونية.