رسالة إلى رسول الله ﷺ

Cover Image for رسالة إلى رسول الله ﷺ
نشر بتاريخ

الصلاة والسلام عليك يا حبيبي يا رسول الله، السلام عليك يا رسول الله، السلام على روحك الطاهرة النقية، السلام على جسدك القابع تحت تراب الروضة غضا طريا، السلام عليك وعلى آلك وصحبك أجمعين.

حبيبي يا رسول الله، أنا مسلمة من الألفية الجديدة، واحدة من بنات أمتك اللواتي هِمن حبا وعشقا فيك، حبك سيدي يسكن روحي ويجري في شراييني. لولا حبك لضاعت هذه المضغة الكامنة خلف ضلوعي، ولولا حبك لاسودت وتهالكت. ولكنها الصلاة عليك مشكاة هذه المضغة ورواؤها.

يزداد شوقي إليك يا حبيبي يا رسول الله في كل يوم ينضاف إلى عمري، فلا أجد غير سيرتك العطرة ملاذا أخمد بها حرارة الشوق والاشتياق. بي عطش مستمر إلى قصصك وأخبارك وأحاديثك. تؤنسني قصصك الماتعة مع أزواجك رضوان الله عليهن، فأجدني سارحة بخيالي إلى بيتك الشريف. لطالما تساءلت في نفسي: أكان ما يقع في بيتك مع أزواجك يتشابه مع ما يحدث في بيوت المسلمين اليوم!

وأحب أن أصحبك يا سيدي إلى مسجدك والصحابة يتوافدون إليك يرتوون بالنظر إلى وجهك الوضاء ويسألونك في شؤون دينهم ودنياهم. أغبط غلامهم على لمسة حانية مرت بكفك الشريفة على رأسه، وأغار من نسائهم على الجلوس معك يتعلمون منك ويسألونك عن أمور تعنيهم دون خجل، وأغبط الجذع الذي كنت تستند عليه، وأغبط كل جماد مررت به.

غير أنه يكفيني أنني من إخوانك الذين اشتقت إليهم، ولكم يطير قلبي فرحا حين أقرأ حديثك حين قلت لأصحابك: “اشتقت لإخواني”، يسألك الصحب الكرام في استغراب: “يا رسول الله، ألسنا إخوانك؟” تجيبهم صلوات ربي عليك قائلا: “لا، أنتم أصحابي، أما إخواني فقوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني” (صحيح مسلم). وهل يقارن شوقك إلينا يا حبيبي يا رسول الله بشوقنا إليك؟ كلمات منبعثة من لسانك الطاهر وقلبك الرحيم الرؤوف بنا، نحن المومنون بك من بعدك.

ولكن هل سيرضيك يا رسول الله حال أمتك اليوم؟ أكان سيعجبك ما آلت إليه أوضاع بعض شباب المسلمين وأخلاقهم؟ يؤسفني أن أخبرك يا رسول الله أن من أبناء المسلمين من يحفظ تفاصيل حياة لاعبي كرة القدم ولا يدري في أي عام ولدت عليك الصلاة والسلام. ومنهم من لا يعرف أسماء أبنائك وآل بيتك وعيناه لا تغيبان عن صفحة ذاك المغني على الفيسبوك، يعلم عنه كل صغيرة وكبيرة. من الشباب من ضاعت حياته بسبب الإدمان على المخدرات وأصبح ذلك مفخرة بينهم، ومن بنات المسلمين من تخلت عن حجابها رويدا رويدا حتى ما عادت للحياء تعرف طعما. لم يعد الاختلاط اليوم كاختلاط الصحابة والصحابيات في مسجدك النبوي يا رسول الله. تجدهم يجتمعون في المحافل والمراقص، على الخمور والسجائر، وقدوتهم ذاك المغني الذي يجول خشبة المسرح ذهابا وإيابا بكلام نابي بذيء.. والله إني خجلى من نفسي ومنهم أن يحدث هذا في بلاد المسلمين يا رسول الله، وأن يكون  شباب المسلمين على هذه الحال. وددت لو كان بيننا أحد كالأرقم بن أبي الأرقم، الشاب ذو السابعة عشر عاما الذي سخر بيته منطلقا للدعوة، ويا ليته كان منا فارس مغوار كالخالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه. يا ليت لبناتنا شجاعة كشجاعة أم كلثوم بن عقبة حين هاجرت رغما عن أنف أهلها. يا ليت بناتنا يهجرن تقليدهم لبنات الغرب ويتحررن مما يصوره لهن الإعلام عن الحرية والتحرر..

غير أننا نجد العزاء في كلام رب العزة عز وجل الذي أقر بخيرية هذه الأمة حين قال في سورة آل عمران: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ. لا زال في أمتك يا رسول الله غيور على دينه وغيورة على دينها وحجابها. شباب مسلمون وشواب مسلمات قابضون على دينهم كالقابضين على الجمر؛ يحبونك ويتحرون اتباعك في أدق سننك، كل همهم أن ترضى عنهم وتحبهم وفي الجنة يجاورونك.

يا رسول الله من مشرق الأرض إلى مغربها، في كل مكان، هناك شاب يتلو كتاب الله في جوف الله وحين يصل إلى الآية: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31)، يرق قلبه ويطلق العنان لدموعه سائلا المولى عز وجل حسن اتباعك لينال به الدرجات العلى في الجنان. في فلسطين يا رسول الله أسير تهون عليه مرارة السجن نصرة لثاني القبلتين. وفي تلك الأرض المقدسة أيضا، شابة مرابطة في المسجد الأقصى وبنادق المحتل تتربص بها، لا يرهبها الموت ولا تخافه، ملأ حب الشهادة قلبها وأصبح مقام الشهداء حلما يرافقها طيلة حياتها.

أمتك بخير يا رسول الله مادام حبك واتباع سنتك أوكسجينها الذي به تتنفس، ومادام السير على نهجك هو سبيلها الوحيد للخلاص والنجاة من الآفات التي تنخر جسدها. حسبنا أننا يوم المعاد نلقاك سائلينك الشفاعة فتسجد لربك داعيا: “رب أمتي أمتي”، فيجيبك رب العزة: “يا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ البَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ” [1]. إلى ذلك اللقاء لك مني يا سيد الأولين والآخرين أفضل الصلوات وأزكى التسليم.


[1]  من حديث طويل  أخرجه ابن خزيمة في ((التوحيد)) (ص 358)، أشار في المقدمة أنه صح وثبت بالإسناد الثابت الصحيح.