إلى كل أب وأم؛
أبناؤكم وبناتكم أمانات الله في أيديكم، فأرجوكم حافظوا على هذه الأمانة وارعوها حق الرعاية.
يولد طفلك يا سيدي ويا سيدتي صفحة بيضاء جديدة نقية، لا تشوبها شائبة، لا هي مخدوشة ولا ممزقة، ولكنكم أنتم من قد يخدشها قبل كل شيء.
ابنك يا سيدي ويا سيدتي طفل في نهاية الأمر وسيظل كذلك في عينيك مهما بلغ من العمر؛ لا تعاتبه إن وسخ ثيابه وهو يحبو محاولا أن يصل إلى ذلك الشيء الذي لمحته عيناه الصغيرتان فسعى ليكتشف بنفسه ما هو، لا تغضب إن أسقط الطعام أو سكب كأس الحليب على الأرض، لا تتذمر إن اضطررت في كل مرة أن تنظف الفوضى التي يخلفها وراءه وهو يبحث عن دفتر الرسم الخاص به أو عن شاحنة منزوعة الإطارات..
ابنك طفل، فكن مكانه لتفهم ما يدور في دماغه حين ينظر إليك، لو كنت طفلا لما أردت أن ترى من حولك غير الابتسامات والضحكات والكثير من القبلات والعناقات.
يكبر طفلك شيئا فشيئا، يتعلم المشي لوحده، يتعلم الكلام لوحده، يتعلم كل شيء بنفسه رغم ما تقدم له من مساعدات إلا أنه لا يفهمها ولا يستوعبها، كل ما هو واثق بشأنه هو محاولاته المستمرة. ولنفرض أنه تعلم كل ذلك بفضلك، لا تنسب الفضل لك أمامه، بل شجعه وحفزه ليقوم بالمزيد من المحاولات وليبذل المزيد من الجهد.
عندما يتعلم ابنك الكلام، لا تجعله يقص عليك ما حدث معه في الشارع أو ما درسه له المعلم هذا الصباح، بل علمه أيضا أن يبوح لك بأسراره، أسرار هو حريص على كتمانها وخائف من البوح بها لك، علمه أن يحكي لك عن أفكاره وما يجول في خاطره. قد يبدو لك ذلك سخيفا، ولكنك بعدم اهتمامك تصنع حاجزا خفيا بينك وبينه، حاجز يتزايد سمكه يوما بعد يوم، وسيصعب عليك كسره إذا فات الأوان.
اسأله عن مشاعره وعن أحاسيسه، وأنت يا سيدتي اسألي ابنتك المراهقة عن خواطرها، لا تلوميها إن قالت لك ذات مرة أن التلميذ الذي يجلس أمامها أهداها ورقة كتب فيها “أنت جميلة اليوم”، لا تأنبيها إن قالت لك أن أستاذها الشاب والوسيم يهتم بها أكثر من بنات قسمها.. لا تبدئي بالصراخ فورا، بل كوني الأذن الصاغية ثم برمجي طريقة الإصلاح بهدوء وخذي وقتك في ذلك دون أن تشعريها، كوني كاتمة أسرارها، لترى فيك الملاذ والمأوى، لتهرب إليك من العالم وتأتيك هرولة لترتمي في حضنك بعد أن ترى ذلك الأستاذ جالسا في المقهى ممسكا يد خطيبته وهما يبتسمان.. اتركي لها هامشا للخطأ، وفهميها بعد ذلك الصواب.
كونوا أصدقاء أبنائكم، لا تصدوهم بالبرود وعدم الاكتراث. صاحبوا أبناءكم في صغرهم ليصاحبوكم في كبركم. وتذكروا أن كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فارعوا نفسية أبنائكم وبناتكم.