رجال صدقوا في غزة.. فمتى يصدق مسلمو الأمة؟

Cover Image for رجال صدقوا في غزة.. فمتى يصدق مسلمو الأمة؟
نشر بتاريخ

ستظل غزة الأرض والشعب والمقاومة صورة لإحدى أبشع إبادة إنسانية مسطرة في صفحات التاريخ المعاصر. لا تحتاج لتحبر تفاصيلها فتعرف لاحقا؛ فمعالم وحشية الاحتلال الصهيوني والاستكبار العالمي شوهدت عيانا للأجيال الحالية وستحكى لمن لحق من المسلمين والعالمين. صحيح، لم تكن الحروب التي شهدتها البشرية في منأى عن التقتيل والإبادة، ولكن ما اقترفه الاستكبار في القطاع الصغير ليس حربا بين متكافئين، أو جيشين ندين في العدد والعتاد، إنما هو إجرام جيش منظم مارس التنكيل والوحشية على شعب أعزل محاصرا منذ سنين مضت. ظل القطاع المحاصر عصيا على الاحتلال شعبا ومقاومة فكان مطمعا للمعتدي الصهيوني الذي بسط جرانه على فلسطين منذ قرابة قرن من الزمن.

مخطئ من يسميها تاريخيا حربا، بل هي إبادة وحشية في عقر الديار، لقطاع تم خنفه إنسانيا واقتصاديا واجتماعيا وطبيا.. يمعن العلو الصهيوني ومعه الاستكبار الغربي بزعامة شرطي العالم المتعجرف أمريكا في تجريف كل بنياته التحتية وتدميرها. تاريخ مخجل لأمة الإسلام والعالم المتفرجين على جيش مختل نفسيا يقتل النساء الجوعى، وأطفالا يحملون أكياس الغذاء الممزقة المخلوطة بالرمال والتراب، يفرون من القصف فمنهم من نجا ومنهم من قضى نحبه شهيد الماء والغذاء والإنسانية التعيسة المغتالة.

الطوفان فيصل بين صدق الإيمان والنفاق

إعلان الطوفان المجيد في السابع من أكتوبر لم يكن فقط استباقا عسكريا تكتيكيا لرجال المقاومة الغزيين اتجاه الاحتلال الذي يطمع في احتلال القطاع، ويروم القضاء على أي بذرة تحرير، ويطمح إلى اجتثاث عروق المقاومين من فلسطين، وإنما كان تشييدا ضخما لسد منيع يواجه تسارع وتيرة الإفساد الصهيوني المتمدد في كل الأمة. فالإفساد الثاني لليهود بحسب تعبير القرآن في سورة الإسراء تحقق في خطة مشروع الصهيونية العالمي احتلالا واختراقا بالتطبيع. يقول الله تعالى: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (الإسراء: 104)، لقد أظهر الطوفان المجيد منذ عامين أن اللفيف اجتمع في شكل الصهاينة وداعميه من الاستكبار الغربي تحت رعاية أمه المدللة له أمريكا، الحامية لحقهم في الفيتو الوحشي في قبة الأمم المتحدة.

 كان البدء بإبادة غزة لاستئصال شأفة التحرر وكسر جبهة المقاومة، بعدما توغل مشروع الإفساد الصهيوني في الأمة بالتطبيع وصهينة الفكر والفطرة. مجابهة المقاومة لهذا العلو وحدها وسط صمت الأنظمة العربية الإسلامية الحاكمة هو أحد فصول “وعد الآخرة”. اجتمع اللفيف المفسد من كل أصقاع الأرض لاحتلال ميراث الأمة، فهو مواجهة حتمية بين العلو المفسد والغثائية المستضعفة للشعوب والمستبدة حكما. هي إذن بين روح الجاهلية المستعلية بتفوقها المالي والعسكري والإعلامي وبين نور الوحي وهدي الإسلام 1.

خلال عامين كاملين سددت الترسانة السياسية والعسكرية والإعلامية فوهتها نحو قطاع غزة الذي أبيد عن بكرة أبيه، لم تسلم من ذلك الإجرام المستشفيات والمساجد والجامعات، حتى أن بعض المدن الغزية أصبحت خاوية على عروشها جراء القصف الهمجي المتواصل، مدن مقفرة من الإنسان والحيوان وكل أسباب الحياة. واليوم يعلن وقف إطلاق النار وانتصار غزة وما تبقى من شعبها ومقاومتها وترابها على العدو المحتل، انتصار حق لغزة والرجال أن يفخروا به بعد طول صمود واستماتة، لكن هل ستتوقف نار الإفساد الصهيوني عن كامل الأمة بكل أصقاعها، أم هو طوفان الأمة القادم لتخرج من غثائيتها وتداوي سقم الوهن عنها؟

إن غزة في الألفية الثالثة هي ابتلاء جديد للأمة الإسلامية كشف عن مدى هشاشة الشعوب الرازحة على مستوى الوعي والإرادة الفاعلة تحت سقف الاستبداد العربي الحاكم، نستثني منهم الأحرار الأمناء الذين هبوا لدعم الطوفان الغزي رغم محاصرة الأنظمة لهم وأحرار العالم الغربي. كأني ببعض المسلمين ممن احترقت أفئدتهم من مشاهدة صور الدمار والإبادة الوحشية في غزة ومن اثاقلوا إلى الأرض يقولون: أنى هذا؟ كما قالها أصحاب أحد بعدما التقى الجمعان المشرك والمؤمن، فذاقوا مرارة الهزيمة الذي أفسد عليهم التذاذهم السابق بانتصار بدر وغنيمة الأنفال.

يقول الله تعالى مقرعا قلوب المسلمين مبينا أسباب الفشل أمام العدو أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (آل عمران: 165). لقد بين الله عز وجل أن مكمن الداء في نفس المسلم المؤمن إذا لم تستجب لداعي الله ورسوله والدار الآخرة، قد أغوته الدعة وغنائم الحياة واقتتاله عليها مع بني جنسه؛ يلتذ بعيش ممرغ بوحل الظلم والاستبداد وهدر الكرامة من جهة، ومن جهة أخرى معرض عن ربه وكل منابع الإيمان. إن النصر لا يدوم زمنيا ولا مكانيا إلا بدوام شروطه الإلهية التي سنها الله ورسوله في القرآن والسنة، يقول ابن كثير في تفسيره لهزيمة أحد: “فلما كان يوم أحد عوقبوا بما صنعوا يوم بدر” 2. أي مصيبة وأي قرح أصاب الأمة اليوم أكبر من علو هذا السرطان الخبيث في ديارها؟   

لقد كشف الطوفان المبارك عن وهن إرادة المسلمين في مجابهة العدو المشترك المفسد في الأرض والفطرة “الصهاينة دعاة الباطل”. تمثل الوهن بجلاء في ذلكم الفرار والخوف والانشقاق عن مسار النبوة والهدي القرآني في ملحمة غزة الإباء. فنوقش الدعم والقضية، وحمي وطيس الجدال حول شرعية المقاومة الصامدة، ومن مع، ومن ضد، وغيرها من الروايات المتصهينة التي خدمت مشروع العلو في الإثخان في القطاع، وعطلت إسناد المسلمين لغزة إبان معركة الطوفان، وصرفتهم عن مناهضة تطبيع حكامهم مع الكيان الغاصب.

يواصل القرآن مسار التذكير بسنن الله لأمة الإسلام في كل زمان ومكان. فقد تراءت في الأفق للمسلمين نعم بدر وعبر أحد وهم يقفون ما بين العاجز والمتفرج والمحايد، وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا (آل عمران: 166). يستمر التقاء الحق ضد الباطل في تاريخ هذه الأمة، ولهما جولات وصولات بحسب سنن الله وأقداره الكونية. وقد أرى رجال الأنفاق البواسل للعرب والمسلمين والعالم بأسره جولات للحق بهرت العالمين قبل المسلمين، هي نور من النبوة الساطع في قمع روح الجاهلية الصهيونية.

يحدثنا رب العزة جل وعلا عن الغاية الربانية من هذا الالتقاء والمواجهة بين أصحاب الحق وصناديد الاستكبار وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا (آل عمران: 167)، كان الالتقاء بقضاء الله وقدره وله الحكمة سبحانه وتعالى في ذلك وليعلم المؤمنين أي الذين صبروا وثبتوا ولم يتزلزلوا، وليعلم الذين نافقوا -الذين-قالوا لا نقدر على القتال، والمراد بالعلم هنا التمييز والإظهار للمؤمن من بين ضباب النفاق، دلهم الوحي على سبل النجاة من دائرة النفاق لكنهم أبوا. يقول الحق سبحانه لهم: “أو ادفعوا” يعني ادفعوا العدو بتكثير سواد المسلمين، وقيل رابطوا، لكنهم لأهل الكفر يومئذ أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان 3.

عصوا نبيهم وأطاعوا رواية رأس النفاق في خذلان خروج النبي لقتال العدو. إن النفاق عمى يصيب القلب عن رؤية الحق وأهله وتطبيع على الجوارح حتى لا تقوم لله بالقسط وتمتثل لأمره في إنكار المنكر والباطل والأمر بالمعروف بشتى الوسائل المتاحة. إن النفاق خذلان مقيت لرسالة الإسلام، فأصحابه هم للكفر أقرب ولموالاة العدو ألين جانبا منهم للمجاهدين، فوقت اشتداد مواجهة الحق للباطل لا مجال للتعليل المراوغ والتملص المخادع والتولي عن الزحف.

شهداء غزة يستبشرون بأحرار الأمة

أظهر الطوفان نفاقا تستر خلفه بعض المسلمين لمواراة خذلانهم إبان وبعد الحرب. لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء مذبذبين بين ذلك. فضحت خطابات قادة المقاومة أثناء حمي وطيس الإبادة الهمجية على غزة نفاق الأنظمة الجبرية وتمسحها بالأعتاب الصهيونية ملقا وخوفا. ناهيك عن النفاق الدولي الغربي الذي يتغذى وصنوه العربي من جاهلية الاستكبار الصهيوني.

غزة وهي تزف آلاف الشهداء فوق الأرض، ومنهم من طمرتهم المباني المهدمة تحت الركام، ترسل رسائل يومية للعالم العربي والغربي حول حقيقة وكنه مشروع الصهيونية والاستكبار العالمي. ما كانت لتعرف بالصورة والصوت والمشهد الحقيقي الموثق لولا طوفان الأقصى المجيد. فمن حسناته أن أعطى صبغة العالمية لقضية وعلم ورموز فلسطين بعد أن أقبرتها مخططات الاستكبار والهرولة نحو التطبيع. كما قامت المذابح المروعة للأطفال والرضع في المستشفيات والخيام ومدارس الأنروا بتحريك الشارع الغربي، وبعض أطراف الشارع العربي، لدعم القضية الخالدة، وصد العدوان الصهيوني عن القطاع وكل فلسطين. كل ذلك أجج وعي العالم بمصداقية أصحاب الأرض المضطهدين منذ قرن من الزمن، المهجرين النازحين المجوعين.

غزة ومقاومتها رسالة تثبيت للأمة على نهج نبيها وقرآنها، وأن اتباع الوحي هو عدة وعتاد المسلمين في زمن الوهن والضعف والانهزامية. فالاختلاف بين المسلمين حول مجابهة الباطل والمراء العقيم تشتيت وانشقاق داخل الصف مادام العدو واحد جلي وواضح. كان المنافقون في أحد ينفرون المجاهدين من قتال المشركين تحت ذريعة إزهاق النفس وكراهة التقتيل. في حين أن الوحي حفز النبي وأصحابه على عدم التولي عن مجابهة الأعداء، فكما يقول الإمام الرازي: “من أقبل على الجهاد فاز بنعيم الآخرة قطعا وهو نعيم عظيم ودائم ومقيم، والإقبال على الجهاد أفضل من تركه” 4.

إن غاية الله من إجراء سننه على عباده أن يمحص في كل حقبة المؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب، لينصر دينه وهو الغالب على أمره سبحانه، وعد بنصر جنده على مر الزمن ولا تحديد لمكان دون آخر. وعد الله ناجز وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (الصافات: 173) بشرط تحقق هذه الجندية الصادقة في تبليغ والدفاع عن رسالة القرآن والنبوة كما صدق في تبليغها الأولون من أهل السابقة. انظر كيف يستبشر الشهداء الأحياء بمن لم يلحقوا بهم في ركب الانتصار للحق ومحق الباطل، أولئك أحياء في قبورهم وعند ربهم تتوالى عليهم النعم بما استجابوا لله ولرسوله كحال أهل غزة الأفذاذ ما باعوا ولا خانوا بل صمدوا فوق الدمار.

إن شهداء غزة وشهداء الأمة الذين يصدعون بالحق في وجه الجور والاستكبار والاستبداد أحياء بين الأمة لا يموت ذكرهم. يسطرون بما بذلوا من النفيس من الدم والكلمة الصادحة بالحق تاريخ الرسالة المحمدية التي بنيت على بنيان الرحمة والعدل، وانتفى فيها الظلم والعدوان والكفران. يقول الله تعالى مشيدا بمنازل الشهداء: فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (آل عمران: 170).  الفرح يليق بمقاعد الآخرة وما وعد الله به عباده المخلصين. فرحين بما ساقه الله إليهم من الكرامة بالشهادة، “ويستبشرون بإخوانهم   المجاهدين في درب الجهاد والشهادة الذين سيلحقون بهم من بعد” 5. إخوانا في درب الاستقامة وعلى ثغر الجهاد، أي جميع المسلمين الشهداء وغيرهم “لأنهم عاينوا ثواب الله وحصل لهم اليقين بحقية دين الإسلام واستبشروا بذلك لجميع أهل الإسلام الأحياء. والاستبشار ليس فقط لمجرد عدم الخوف والحزن به وبنعمة الله وفضله” 6. واللحوق بهم هنا “في الفضل بمنافع الآخرة والنعمة بمنافع الدنيا” 7.

لقد استجابت غزة ورجال الأنفاق لله ورسوله في تلبية نداء الآخرة ودحض الطغيان بكل ما أوتوا من قوة وأسبابها من بعدما أصابهم قرح الاحتلال وتكالب الاستكبار عليهم.  ومن أجل التحرير الشامل للأمة حان الوقت أن تكمل الشعوب مشوار مجابهة الإفساد الصهيوني وإغلاق أبواب اختراق التطبيع للإنسان والفطرة والأخلاق. فقد علمتنا غزة أن ليس كل من أصابهم قرح الاستكبار والاستبداد قد أحسنوا في معاملة هذا الابتلاء الذي هو قضية فلسطين دعما وإسنادا معنويا وماديا. فلا يدفع قدر الله إلا بقدره وجميل استقباله، وحسن طاعته والامتثال لمنهاج النبوة.

أسياد العالم

إذا ما سألت كل حر قد نبض فيه عرق نبذ الظلم والاصطفاف إلى جانب الحق خلال زمن طوفان الأقصى وما بعده: ما السبب؟ سيجيبك: “قد فعلها الرجال. هم الرجال ولا ريب، حسبهم ذلك”. في الوقت الذي كانت الأمة تتفرج عاجزة وهنة على مآسي غزة منذ السابع من أكتوبر، تلتها حرب التعطيش والتجويع والتهجير وحرق المستشفيات والمدارس، كان رجال الأنفاق يصولون ويجولون، يقومون يقاتلون ثم يقتلون، لا صوت يعلو فوق صوتهم ولا ظل للحاضنة غزة إلا ظلهم، صامدين في الميدان وحدهم. لقد استمد أحرار المسلمين والعالم القوة من المقاومة، وسيسجل التاريخ أنها أضحت ملهمتهم في ابتكار أسباب القوة والعدة لمجابهة الباطل بشتى الأساليب الممكنة.

لقد رأى رجال الأمة حقيقة الرجال حين يتخلقون بالتربية الإيمانية القرآنية ويسيرون على الهدي النبوي في الحرب والسلم. رأوا كيف يهزم أصحاب الحق أكاذيب وغطرسة الباطل بقوة اليقين في ربهم وفيما أعدوه من عدة وعتاد مادي ونفسي. كان حافزهم القرآن، وقائدهم في حربهم مع الاحتلال هدي النبي صلوات ربي عليه وعلى آله وسلم، خاطبهم كما خاطب أهل بدر وكل من وقف موقف الحق والإيمان لمدافعة الكفر والطغيان بقول الله تعالى: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ (آل عمران: 139). هم الأعلون في الحرب، ومع الأسرى، ومع مفاوضيهم المستكبرين فوق مائدة النفاق. لا يحزنهم نفاق العدو فقد أعدوا له عدة. هذا الخطاب لا يختص بأسود المقاومة وأشبال الحاضنة غزة وحدهم، وإنما هو رسالة للأمة العاجزة عن الجهاد المترددة عن الزحف في مدافعة الجاهلية.

طوفان الرجال الأمناء الأقوياء الظاهرين على عدوهم القاهرين له، هو بمثابة الصفعة التي أيقظت الوسنان، وإن أوجعت فقد حركت مكامن الخير في قلب المسلم وحفزت إرادته الإيمانية ليقتحم العقبات. الرجال كانوا مدرسة لتعليم ميراث النبوة ومنهاجها القويم في بشارة الله ووعده عباده بالتمكين في الأرض، وجنده المؤمنين الموقنين من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا مجال للحزن على ما فعله الاستكبار في غزة وما سيفعله مشروعه الإفسادي في الأمة، فالحزن مجلبة للوهن ومدعاة للقعود والاستسلام والعجز. قد تعلم الرجال من الرعيل الأول الذهبي من أهل السابقة بالإيمان أن النفس الانهزامية لا مكان لها بين صفوف طائفة الأمناء القابضين على جمر رسالة الحق.

هم الرجال الأقوياء بدينهم وبصمودهم وثباتهم في بيت المقدس وفي أكنافه وفي أرجاء الأمة؛ يقاومون الاستكبار ويدافعون الاستبداد ويكسرون شوكة التطبيع. علمتهم سنين جهاد الباطل ومواجهة الاحتلال أن يبتكروا ما استطاعوا من قوة لدحر العدو؛ قوة مادية وفكرية وعسكرية استراتيجية، والقوة المنجزة الحاسمة في الأمر هي القوة الإيمانية ويقينهم فيما عند الله والدار الآخرة. أبهروا العالم العربي الإسلامي في إنجاز هذا الطوفان بكل فصوله منذ بداياته إلى ما بعد وقف إطلاق النار. أسمى صفاته هو الثبات على المواقف والمبادئ والصمود أمام خيانات العلو للهدنات والمواثيق الدولية في الحرب. كانت صفة الحكمة في تنزيل استراتيجية رجال المقاومة الميدانية والخلقية للعلن هي ديدنهم، فتم الانتصار على كل المستويات أمام جيش ظن أنه لن يقهر.

قد علم الله جل وعلا أن في الأمة ضعفا حين تبتعد عن مسار النبوة ومنهج القرآن، والطوفان كشف ذلك، وقدم دروسا في انتصار وصمود الفئة القليلة أمام استكبار الباطل وتكالبه. استماتة الحاضنة الشعبية غزة مع الرجال أمام الإبادة وحدهم دون معين من الجيران العرب والمسلمين ماعدا اليمن المبارك، هو اعتبار للأمة لتستدرك ما فاتها وتستجمع قواها وتنهض من وهنها. فتهديد التطبيع واختراقه للشعوب والفطرة والأسرة هو حرب ضروس يلزمها إعداد القوة التربوية الإيمانية، والفكرية العلمية للتحرر الشامل من تمدد المشروع الصهيوني المدمر لكل بقاع الأمة والعالم.  


[1] بوشرة بوطيب، خطة التحرر من الإفساد، من استكبار بني إسرائيل إلى علو الصهاينة ص47/48. الناشر افريقيا الشرق 2022.
[2] تفسير ابن كثير، 2/139.
[3] نفسه، 1/454-455.
[4] تفسير فخر الدين الرازي، مفاتيح الغيب، 9/425.
[5] تفسير الشوكاني، فتح القدير، 1/457.
[6] نفسه، 458.
[7] نفسه.