رباط المحبة

Cover Image for رباط المحبة
نشر بتاريخ

تجتمع المؤمنات تحت سقف واحد، يذكرن الله، يتواصين بالخير، يحفزن بعضهن البعض لنيل أعلى مراتب الإحسان، بل رؤية المولى عز وجل، يصبون إليها بطرق أبواب العبادات وفعل الخيرات، تراهن نحلات تسمع أزيزهن ووجههن تعتريه الفرحة والطمأنينة.

برنامجهن تتخلله مواد كثيرة؛ تبدأ بالاستعداد من المنزل بتجديد النية و الدعاء وترتيب البيت قبل خروجها، فهي تعلم جيدا أن خدمتها لبيتها من مهامها أيضا، تحمل حقيبتها بعد أن وضعت فيها مصحفها وسبحتها وكراسة وقلما وبعض ما تحتاجه من أمورها الشخصية، فهي اعتادت وتجندت لهذا الأمر. وعليها أن تحضر في الوقت المحدد، لأن دورها في هذه المحطة مهم جدا لإنجاحها والاستفادة من كل أوقاتها، فهي متيقنة من أن الفضل كله لله سبحانه وتعالى وللصحبة المباركة والمؤمنات السابقات.

تدخل المؤمنة بيت الرباط وتصلي ركعتي التوبة وتجلس لذكر الله فترة من الزمن قبل الافتتاح الفعلي لبرنامج الرباط وتحديد المهام المنوطة بكل مؤمنة حسب كفاءتها. حيث تتوجه المكلفة بالإطعام نحو المطبخ لتعد وترتب وجبة الإفطار، لأن المرابطات يدخلن صائمات. يمتلأ المكان بالمؤمنات المقبلات على الله عز وجل في صفوف متراصة بأيديهن سبحة لضبط عدد الأذكار المسنونة والمأذونة.

أجواء السكينة والرحمة تخيم على المكان كما جاء في الحديث الشريف، والدعوات تصعد إلى السماء بالتوبة والمغفرة والرحمة والنصر لأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. عيون دامعة خائفة من يوم لقاء الملك الجبار، حاجات يحملها القلب ليفرغها في تلك الأجواء الروحانية، تتركن كل الدنيا خلفهن. منهن من تحضر رضيعها لتحظى بساعات تعتكف فيها على الصلاة والقيام والذكر والنصح، كانت بالأمس تتيه بين ترتيب بيتها وإعداد الطعام والاعتناء بأبنائها والذهاب إلى مقر عملها، ولكن انتماءها لجماعة العدل والإحسان جعلها تتشوف لتكون مؤمنة محسنة داعية فاعلة في محيطها. قرأت كتاب “تنوير المؤمنات” وجعلت مبتغاها إسوة بأمهات المؤمنات الكاملات، تشحن همتها بمجالسة أخواتها لتفهم الدور المنوط بها.

قرأت المكلفة بالموضوع كلام المرشد الإمام عبد السلام ياسين رحمة الله عليه في كتاب حوارات مع الإمام عبد السلام ياسين (ص200): “علاج قضية المرأة مهمة، المرأة ووظيفة المرأة في هذا المشروع الكبير، وكيف ينبغي للمرأة أن تتحول من كائن مهمل مهمش مقصي إلى كائن يتحمل مسؤوليته… في إصلاح ما بالأمة بعد إصلاح ما بها”. ناقشن، أسهبن في الشرح، عزمن على أن يشمرن من أجل العمل لدعوة الله عز وجل، فالواقع يتطلب الجهد الجهيد واقتحام عقبات وعقبات. نمن على أفضل العزائم ليقمن الليل ويسألن الله الحكمة والقوة والاستعانة…

آيات تتلى في جوف الليل بأصوات شجية خاشعة، وهن يعلمن أنهن لسن كباقي النساء، فهن يتحملن مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفعل الخيرات.

هكذا يختمن الرباط وكلهن عزم وإرادة، لا تغيير أنفسهن فقط بل تغيير ما حولهن من شوائب الجاهلية.

يقول الإمام المجدد رحمة الله عليه في كتاب “حوارات مع الإمام عبد السلام ياسين” (ص 170): “قبل أن ننصرف إلى موضوع آخر يسمع الناس أن لدينا رباطات كما ذكرت، رباط ثلاثة أيام، رباط أربعين يوما، فيه صيام وقيام وكذا. رباط كلمة نبوية قرآنية أيضا. من الناس من يستعمل «دورة تكوينية». عند غيرنا دورة تكوينية، والدورة تدور، الحركة مستمرة. يعني دورة: حضرت يوما ثلاث محاضرات أو أربع محاضرات هذه دورة تكوينية، والفرق بين التكوين والتربية بونٌ شاسع. والتربية تعطينا وتخرج لنا نماذج والحمد لله تسر الناظرين”.