ذ. محمد سعيد باه: العدل والإحسان تمسكت بالثوابت فى زمن التراجعات

Cover Image for ذ. محمد سعيد باه: العدل والإحسان تمسكت بالثوابت فى زمن التراجعات
نشر بتاريخ

اعتبر الأستاذ محمد سعيد باه الاستشاري في العمل الإنساني والإسلامي في السنغال، أن ميلاد جماعة العدل والإحسان، شكل انعطافا حادا في مسيرة العمل الإسلامي، ليس في شمال إفريقيا فحسب، وإنما في عموم العالم الإسلامي، وذلك انطلاقا من رؤيتها الثاقبة لما آلت إليه الأوضاع في بلاد الإسلام وعلى ضوء قراءة معمقة ومستوعبة للأسباب الداخلية والخارجية التي أوهنت إرادة الأمة وأبطأت بالتالي سيرها ما جعلها تلهث فى ذيل القافلة البشرية بعد أن كانت سباقة لا تلحق وحادية الركب البشري.

وقال سعيد باه في شهادته في حق جماعة العدل والإحسان بمناسبة فعاليات الذكرى الأربعين لتأسيسها، إنها “أصبحت لبنة صلدة في ذلك الجدار الشامخ والمتين الذي يشيده الشرفاء العاملون لاستعادة ذلك الحصن الحصين الذي سكنته الأمة قرونا وهي في عزة ومنعة”.

في شهادته التي عنونها بقوله: “العدل والإحسان: تمسك بالثوابت فى زمن التراجعات!”، اعترف الرجل بفضل الله ولطيف تدبيره له، أن تعرف، وعن كثب، على عناصر ممثلة تمثيلا صادقا، لهذا الرهط الكريم، فاكتشفت رجالا من طراز خاص، جلّى لي هذا القرب وجها آخر للقوم يخالف، على طول الخط، ما كان المبطلون يروجونه عنهم، رجال يحملون أنفسا تطهرت من أدران الجاهلية المعاصرة وتعلقت بأهداب السماء وتقلبوا في فجاج الإيمان وهم يدبون على الأرض وسط الخلق هاتفين بهم ليؤوبوا إلى الرشد راسمين المنهج السديد بالخلجات والحركات واللمسات.

ووصف سعيد باه رجال الجماعة بأنهم قمم تسامت في الثبات في وجه الزوابع، وبأنهم نماذج في خفض الجناح للمؤمنين، وتابع: “شدني إليهم الدنو الممزوج بالسمو، قد تدفعك الصلابة التي يقفون بها فى وجه الانحرافات إلى ارتكاب جنح التأويل البعيد فى حق القوم، لكن ساعة تتاح لك سانحة فتخالطهم وتجالسهم وتواكلهم ستكتشف وجها لا يعلوه صدأ، سترى قوما يملأ قلوبهم حب الله والتعلق برسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ويؤرقهم ما عليه الخلق من البعد عن الخالق”.

المهتم بقضايا الوجود الإسلامي في غرب إفريقيا، ذهب إلى أن الناظر في سير هذه الكوكبة، من الرجال والنساء، يمكنه استخلاص الرؤية المؤسسة لحركتها في الحياة، من خلال التأمل في سؤال جوهري: لماذا وضعوا ثنائية «العدل والإحسان» شعارا ودثارا لهم في سياحتهم المباركة عبر دروب الحياة؟”

ثم يقول مجيبا عن السؤال: “لأنهم قد أحسنوا التشخيص بلا مواربة وأتقنوا التعليل بلا مجاملة بما هدوا إليه من عقول لمّاحات وأفكار منضبطة ورأوا، وهم يسيرون وراء إمام رباني عاش في ظلال الوحي بشقيه حتى ارتوي من زلاله وقدم لهم شرحا وافيا يربط بين ضفتي الحياة، مكامن العلل ومصادر الخلل، فيسر لهم ذلك الخيار الدقيق في زمن يتميز بكثافة الغبش أو الجنوح إلى السير في ركاب قوم ظالمي أنفسهم”.

وأمام خيار المحاولات المرتجلة والمسارعة إلى جني الثمار قبل انتهاء الغرس، شدد المتحدث على أن رجال الجماعة راهنوا على الإنضاج والوصول إلى الزمن الصحيح معولين على مدد من السماء باذلين أغلى ثمن في الأنفس والأموال والأولاد والأرزاق، “وهو خيار لا يتقنه من يعملون وفق حسابات هابطة أو تقديرات دنيوية لأنهم فقهوا سنن الله الضابطة لسير الكون وإدارة الحياة ثم وطنوا أنفسهم على الرهان على النفَس الطويل والرنو إلى الأفق البعيد، إنه الخيار الأمثل الذي ينحاز إليه المرشحون الأصلاء لانتشال الأمة من الوهدة السحيقة التي انحدرت إليها”.

صحيح أن الاستجابة لذلك النداء الحاني الذي انطلق منذ أربعين عاما بذلك الصوت الودود، كانت مطلبا عاليا لم تكن الظروف ولا الأوضاع تترك للكسالى فرصة الانضمام لموكب تهدده المخاطر من كل حدب وصوب، لكن الأصعب من وجهة نظر المتحدث هو “وجود مناد أمين تخلص من شوائب الروح ومعكرات النفس وانعتق من مكبلات طالما رسفت فيها قيادات”.

حالف التوفيق الإلهي هذا الرهط الكريم والتف حول رائد لم يكذبهم قط، وسار على خطى دليل يعرف منزلقات الطريق ومنعرجاته ويستشرف آفاق المستقبل مستضيئا بنور الوحي الأخاذ تسنده إرادة فولاذية تستمد من العلي القوي الزخم. يقول سعيد باه.

وأضاف: “سار الموكب، وهو يضع معالم العدل والإحسان، في هذا الطريق المتعرج الذي تتناثر في جنباته المخاطر وتكتنفه الأهوال ضاما في صفوفه رجالا ونساء شيبا وشبانا يملؤهم التوق إلى ورود ينابيع صافية لم تعكرها شوائب الضلالات المعاصرة التى ألبست ثوب الحضارة”.

وتابع: “مضت أربعون عاما من الجهد والجهاد، قرابة نصف قرن من التضحيات واحتساب المثوبة عند من بيده مقاليد الأكوان، كان يمكن أن يجعل الأقدام تسيخ في أرض الآلام؛ لكن صوت الدعوة إلى العدل والإحسان لم يخفت يوما بل ظل صادحا مدويا والقوم مستبشرون مستمسكون بموعود الله الذي سيتحقق بجهد يبذل وعمل يتقن ويقين يترسخ بعيدا عن ثقافة الانتظار التى تعشش في رؤوس الكسالى والحالمين والتي خدرت إرادة الأمة فكذبت صادق الوعد ردحا من الزمن”.

ومضى سعيد باه يتحدث عن الجماعة ومسارها، فقال: “إنها حقب مضت من الجهد والبلاء، إنها أعمار من الابتلاء والعطاء سلخت، لكنه أيضا حصاد من الصيد وفير بعيدا عن الأضواء بل عكوف في محاريب التبتل وسبح في ميادين التدافع الحضاري في المشرقين وفي المغربين”.

نعم، هذه الجندية هي التي ننتظر أن تشق طريق النجاح من جديد وأن تضع معالم مشعة لهداية التائهين إلى باب الله حيث الرضى والرضوان. يقول المتحدث، ثم يضيف: “شهدت الأمة مبادرات لكنها اخترمت ولم يبق منها إلا ما يملك عناصر الأصالة وصدق الولاء وصحة الانتماء وما ينفع الناس، إنه مشروع يجمع حماية الدين وإعمار الدنيا، صناعة الفرد وصيانة المجتمع، إنه تحطيم ما عفن وتشييد منارات عاليات، إنها المزاوجة الحكيمة والمقادير المنضبطة في المفاهيم والأفكار والقيم والأخلاق والسلوكيات وتشبيك العلاقات مع الأولياء والأعداء بمقادير محددة، لا تفريط فيها ولا إفراط لا جنوح ولا شطط”.

ويرى سعيد باه أن جماعة العدل والإحسان، أصبحت عنوانا من عناوين المستقبل لهذه الأمة، تشحذ الهمم وتعبئ الطاقات لقطع مسافة طويلة لكنها رحلة مضمونة العواقب، عندما نسير مستضيئين بالنورين، فالأمة متعطشة إلى ذلك الصوت الحنون وإلى من يربت على أكتافها ويبتسم في وجهها ويهمس لها بكلمة طيبة تشد أزرها وتؤنس وحدتها وإلى من يشدو لها في حنان لتسرع الخطى مجددا نحو معاقد العز والسؤدد.

سيظل السؤال قائما يتساءل المتحدث نفسه- كيف عثرتم على المعادلة المعقدة والنادرة فى الجمع بين الشفافية الروحانية والكثافة في الفعل المركب فى شتى ميادين العمران؟

وختم بقوله: “ثم، ها أنتم تقفون اليوم على مشارف حقبة جديدة ولم تهن منكم إرادة ولا فلّت لكم عزيمة ولا تشابه عليكم البقر، فامضوا نحو تلال النصر بحول ذي الطول!”.