ذ. عبد المومني: استهداف المعارضين في المغرب لا يكون بناء على مواد قانونية بل “على إرادة سياسية ممنهجة”

Cover Image for ذ. عبد المومني: استهداف المعارضين في المغرب لا يكون بناء على مواد قانونية بل “على إرادة سياسية ممنهجة”
نشر بتاريخ

اعتبر السياسي والحقوقي المغربي الأستاذ فؤاد عبد المومني عن الهيئة الوطنية لمساندة معتقلي الرأي بالمغرب، أن هناك خطابا للنظام يروِّج لرواية مفادها أننا “نحن أمام مواطنات ومواطنين ضحايا لجرائم حق عام، ونحن دولة حق ومؤسسات ودولة تحمي الحقوق والحريات، تطبق القانون بالقسط عبر مؤسساتها المشروعة والخاضعة للحكامة الجيدة إلى آخره، وأمام هذا الوضع؛ فهو عادي جدا أن المجرمين الذين يعتقلون ويدانون أن يدَّعُوا البراءة وكل الجهات التي تقف إلى جانبهم هي إما جهات داخلية همها هو مواجهة النظام أو جهات خارجية ربما لها حسابات جيو استراتيجية أو مصالح من هذا القبيل”.

عبد المومني أثناء مشاركته في ندوة الهيئة الوطنية لمساندة معتقلي الرأي وضحايا انتهاك حرية التعبير بالمغرب، في موضوع: “قانون مكافحة الاتجار بالبشر؛ سياقات التشريع ومآلات التنزيل، حالة المعتقل محم باعسو نموذجا”، ونقلت بالمباشر في قناة (RIFISION) قال إن هذا الخطاب الذي تروجه جهات تابعة للنظام، يقف أمامه عنصران، أهمهما النسق الداخلي للضمانات القانونية للمحاكمة العادلة، الذي يفترض ألا ينتهك بشكل منهجي في حالة هؤلاء الضحايا الذين نتحدث عنهم.

وذكر عبد المومني عددا من الانتهاكات المشتركة في عدد من ملفات معتقلي الرأي، ومن شأنها أن تفند هذا الخطاب، أولها الاعتقال التعسفي، وقد أقرته لجنة الاعتقال التعسفي التابعة للأمم المتحدة، وأقرت بحالتين على الأقل وهما توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني اللذين تعرضا لهذا النوع من الاعتقال، وقالت إنه “يلزم إطلاق سراحهما فورا وتعويضهما وضمان عدم تعرضهما لأي مضايقات من هذا القبيل، ومحاسبة الجهات التي ساهمت في هذا الاعتقال التعسفي”.

ما تمارسه السلطة على المعارضين هدفه تخويف كل النخب ومن قد تسول له نفسه التعبير عن آراء تزعجها

إضافة إلى الاعتقال التعسفي الثابت، هناك أيضا الاعتقال الاحتياطي الذي يدوم مددا طويلة فضلا عن الخروقات في الشكل، حيث إنه لا يمكن للجهة التي تأمر بالاعتقال الاحتياطي أن تقوم بذلك إلا بقرار معلل، “والحال أنه لا يوجد تعليل مقنع عمليا في الحالات الماثلة أمامنا في هاته الملفات، لذلك نسمع ما يقولون عنه “لضرورة استمرار التحقيق” ولا وجود للشروط والعلل المادية والمباشرة والمحددة في النازلة المعنية التي تقتضي بالضرورة أن نحرم شخصا يعتبره القانون بريئا في هذه المرحلة من حريته”.

ومن الانتهاكات المشتركة بين عدد من الضحايا وفق حديث عبد المومني، هناك “عرقلة التواصل مع الدفاع وعرقلة الحصول على ملفات المتابعة في حالات عديدة”، كما أن هناك تعاملا تمييزيا مع أطراف تسير في اتجاه اتهام حاملي الرأي وتُمَتَّع بكامل الامتيازات، في حين يحرم منها الآخرون”.

وأضاف عبد المومني إلى هذه العناصر، عنصري “الأحكام الجائرة”، و”تسريب الملفات لصحافة التشهير”، موضحا أن كل هذه العناصر تندرج ضمن سياسة الترهيب، وتابع: “الترهيب ليس فقط في حق المعنيين بالأمر، ولكن ترهيب كل النخب في البلد وكل من يمكن أن تسول له نفسه التعبير عن آراء يمكن أن يشكل إزعاجا للسطلة”.

تحويل إدارة السجون إلى خصم سياسي

وإلى جانب غياب ضمانات المحاكمة العدالة؛ سجل عبد المومني ما قال عنه “المعاملة القاسية والمهينة في حق العديد من الحالات يمكن اعتبارها من باب التعذيب”، مثل تصويرهم عراة وتسريب صورهم، وفرض العزلة غير الضرورية عليهم، وتشديد الخناق عليهم وحرمانهم من فترات الفسحة ومن الهاتف ومن الزيارة والتطبيب.

ومن ذلك يضيف المتحدث؛ سحب الحد الأدنى من المكتسبات الذي حققه المعتقلون السياسيون ومعتقلو الرأي تاريخيا بما في ذلك أصعب مراحل الاعتقال السياسي في المغرب، فضلا عن “تحويل إدارة السجون إلى خصم سياسي”.

وهذا يؤشر وفق قراءة عبد المومني “على أن النسق القانوني الداخلي الذي تدعيه الدولة ضامنا لحيادها في هذه القضايا؛ مهزوز وغير بني على أساس”.

استهداف المعارضين لا يكون بناء على مواد قانونية بل على إرادة سياسية ممنهجة

ويرى السياسي أن هناك بلدانا استعملت الملفات الجنسية ضد معارضيها، والدولة المغربية كانت معروفة باستعمالها مثل هاته الملفات لكن ذلك كان من أجل التهديد لا غير، “ولم نتخيل يوما أنها تصل إلى تفعيلها بالقضاء”.

وذكر أنه في مرحلة ما في سنة 2007 كان نظام بنعلي في تونس أرسل صورا جنسية لإحدى المعارضات واستُعملت على نطاق واسع في الإعلام وكان ذلك سابقة، وبعد ذلك سار على النظام المغربي المنوال نفسه مع أشخاص آخرين بدون نشر الصور، كان ذلك بالنسبة إلينا خطوة غير مستساغة أبدا..

لكن الآن، يقول المتحدث “لم نعد أمام وضع تُستعمل فيه هاته الصور أو تلك الملفات للتهديد؛ بل أصبحت بشكل منهجي ومتواتر، مما أعطى المشروعية لإستراتيجية جديدة لمواجهة هذا النوع من الخروقات في حالة المغرب، هي أننا لم نعد نطالب بضمانات المحاكمة العادلة ونؤكد أن هناك نسقا واضحا في استهداف المعارضين”.

والاستهداف هذا “لا يكون بناء على مواد قانونية، ولكن بناء على إرادة سياسية في الاستهداف، فضلا عن وجود أجهزة بوليسية غير خاضعة للقانون، ضف إليها هيئة قضائية غير متمتعة بالنزاهة والقدرة على المواجهة، إضافة إلى آلة التشهير والتهديد والقذف التي أصبحت طبيعية، فضلا عن آلية توظيف البنية السياسية المحيطة بالتخويف والإرهاب والإرشاء التي تصعب حل المواجهة الاجتماعية القوية لهذه التجاوزات”.

فنحن ما زلنا أمام قضاء تعترف الدولة بأنه معلول ولم تقم بما يجب من أجل تصحيحه

وفي حديثه عن قوة تطبيق القانون في الدول، اعتبر عبد المومني أن هذه القوة تأتي من مستويين أو ثلاثة، “الأول هو قوة ودقة ونجاعة النص القانوني”، ونص قانون مكافحة الاتجار بالبشر في المغرب نص مهلهل مما يجعل إمكانية توظيفه وفق الأهواء قوية جدا.

المستوى الثاني هو القوة والنزاهة والنجاعة والكفاءة والإرادة والشجاعة المرتبطة بالجسم القضائي، وهو ما ليس متوفرا لدينا في المغرب، “وهذا لا يعني إهانة القضاء بالنسبة إلينا، بل هو مطالبة بالقضاء، ومن يهين القضاء هو من يريد له الاستمرار بهذا الوجه”.

وأحسن دليل، يضيف فؤاد، على أن جهاز القضاء كما هو قائم الآن لا يجسد قيمة القيم المتمثلة في العدالة، هو أن الدولة المغربية في تقرير هيئة الحقيقة والإنصاف الذي استقبلته أقرت بأن القضاء كان مسيرا ومسيسا ولم تكن له قدرة على مواجهة العليمات والتوجيهات من قبل البوليس والماسكين بالسلطة السياسية، مشددا على أنه ولحد الآن “لا يوجد أي تغيير يضمن لنا الخروج من ذلك الوضع، وبالتالي فنحن ما زلنا أمام قضاء تعترف الدولة بأنه معلول ولم تقم بما يجب من أجل تصحيحه”.