ذ. عبادي في موعظة بليغة.. الحياة وديعة الله والموت تحفة المؤمن

Cover Image for ذ. عبادي في موعظة بليغة.. الحياة وديعة الله والموت تحفة المؤمن
نشر بتاريخ

ذكَّر الأستاذ محمد عبادي بأن الموت فرض علينا، متسائلا وواعظا: “كيف نتعامل معه؟ ما هو موقفنا منه؟”.

وفي معرض جوابه خلال كلمته في تأبين والد الأستاذ محمد حمداوي عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان رحمه الله، اعتبر فضيلته أن “الموت لدى عامة الناس، خاصة من لا يؤمن بالآخرة منهم، أمرٌ مهولٌ مفزعٌ، لكن المؤمن ينتظر الموت بشوق وبلهفة لأنه تحفته” كما عبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم.

واستخلص من ذلك أن ما نعيشه من هوانٍ وخذلانٍ هو نتيجة حُبنا للحياة وكراهيتنا للموت. وهذا ما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوهن في الحديث المعروف الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور  عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت“.

واسترسل الأستاذ عبادي في موعظته ذاكرا مُذكِّرا أن “هذا الهدي النبوي سار عليه الصحب الكرام الذين كانوا يهجمون على الموت” لأنه كان يفصلهم عن لقاء خلة الإيمان؛ الأحبة محمدا وصحبه. واستشهد على ذلك بمثالين من سير الصحابة الكرام؛ فهذا “سيدنا خالد بن الوليد الذي كان يقتحم المعارك، ولم يكن في جسده شبرا إلا وبه ضربة سيفٍ أو طعنة رمحٍ. ورغم ذلك لم يكتب له الله عز وجل الشهادة ومات على فراش كره موتته، واعتبرها موتة البهائم، لأن نفسه تاقت للموت في ساحة الجهاد”.

وهذا، يواصل ضرب المثل بالنموذج الخالد؛ “سيدنا البراء بن مالك أخ سيدنا أنس بن مالك  في موقعة اليمامة عندما استعصى على المسلمين اختراق حصن مسيلمة الكذاب، فطلب  البراء من إخوته المجاهدين أن يجعلوا منه منجنيقا ليرموه داخل الحصن اقتحاما منه رضي الله عنه وإقداما، فتمكن من فتح الباب للمسلمين ثم بعدها استشهد رضي الله عنه وأرضاه”.

ونوَّع الأستاذ المربي في ضرب المثل بشوق المؤمن لأحبابه الذين حبسهم عنه الموت، بشوق المهاجر المغترب إلى وطنه وأهله وأحبابه؛ فكيف إن كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه وإخوانه هم الأهل والأحباب.

كما ذكّر الحاضرين في هذا التأبين بالدعاء الذي حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تعليمه لصحبه وأمته، الذي كان يقول فيه:  “اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين”.

فالموت في نظره شوق وتشوف إلى لقاء الله عز وجل والأحباب عكس الشائع لدى الناس من تمني الموت بعد ضرر نزل بهم أو مرض حل بهم أو غيرهما.  واستدل على ذلك بقصة سيدنا يوسف عليه السلام الذي لم يتمنى الموت في مواطن الضرر  لما كان في الجبِّ، أو لما  استعبد وسُجن أو لما كان بعيدا عن والديه وأهله. لكن بالمقابل لما جمع له الله كل مقومات السعادة الدنيوية من جاه وسلطة وانجماع الأهل دعا الله عز وجل بلسانه سبحانه وتعالى في قوله: رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ.

ولما كان الموت حتما مقضيا وحاجزا للخير العميم، ينبغي للمؤمن، يختم الأستاذ عبادي كلمته، أن يستعد له استعداد الليل والنهار، ومن تمام الاستعداد أن يترك أثرا طيبا في هذه الدنيا يصله ثوابه في قبره. ومن هذا الأثر، ذكر، العمل الصالح والولد الصالح. واستدل بالصحابة الكرام الذين رفع الله ذكرهم إلى قيام الساعة؛ نترحم عليهم ونترضى عنهم وما زالوا أحياء فينا لأثرهم الطيب علينا.

وكل ما أُعطيه المؤمن وأعطيته المؤمنة في هذه الدنيا ليست ملكا لهما، حتى حياتهما، بل هي ودائع الله عز وجل ينبغي عدم التعلق بها وردِّها إلى صاحبها عزَّ وجل، ليكون الجزاء الجنة مصداقا لقوله تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ ۚ يُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ وَٱلْإِنجِيلِ وَٱلْقُرْءَانِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِ ۚ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعْتُم بِهِۦ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ.