ذ. حمداوي: الجماعة أحرزت تطورا في المجال السياسي والوثيقة تمثل خلاصة هذا التطور (حوار)

Cover Image for ذ. حمداوي: الجماعة أحرزت تطورا في المجال السياسي والوثيقة تمثل خلاصة هذا التطور (حوار)
نشر بتاريخ

أكد الأستاذ محمد حمداوي عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان أن الجماعة تابعت مختلف الردود على الوثيقة، وأنها تتفاعل بمسؤولية مع كل الملاحظات الجادة. مشددا على أنها تؤمن بتكامل الاجتهادات الوطنية الغيورة من أجل إحداث التغيير الذي ينشده الجميع.

الأستاذ حمداوي في حوار أجريناه معه في “بوابة العدل والإحسان” لتقييم التفاعل مع الوثيقة السياسية والوقوف عند بعض جوانبها، لفت إلى أن الجماعة قدرت أن ما حصل من تفاعل في هذا الخصوص “قد عزز تواصلنا أكثر، مع أكثر من طرف وقدم توضيحات للمساند وللحليف، وللمحايد وللمخالف”.

نائب رئيس الدائرة السياسية للعدل والإحسان تحدث في الحوار ذاته، عن التطور الذي أحرزته الجماعة في المجال السياسي، موضحا أن الوثيقة السياسية تمثل الخلاصة الحالية لهذا التطور من مقدمتها إلى آخر سطر منها.

وأشار إلى أن العدل والإحسان مستمرة في عملها في مختلف المجالات، وهي تعمل جاهدة على تجويد وتطوير اجتهاداتها لمواكبة التحديات الآنية والمنظورة في الأفق. كما تواصل القيام بما تراه واجبا في التواصل والحوار وتبادل الآراء مع مختلف الفاعلين المستعدين لذلك. راجين لبلدنا بكل أبنائه، وضعا أفضل في المستقبل بإذن الله.

فيما يلي نص الحوار:

مرّت الآن قرابة ثلاثة أشهر على إصداركم للوثيقة السياسية في مطلع فبراير الماضي. كيف تُقيّمون طبيعة التفاعل الذي لقيته الوثيقة وردود أفعال الفاعلين المخاطبين بها ومن ضمنهم السلطة السياسية؟

بسم الله الرحمن الرحيم.

شكل إصدار الوثيقة حدثا سياسيا وطنيا واطلعت عليه أطياف واسعة من المهتمين بالموضوع وكذلك من المهتمين بالجماعة وحضورها وتطورها. ليس كل من اطلع عبر عن رأيه في الموضوع، لكن ما وصلنا عموما تقدير كبير للوثيقة وللجهد المبذول من أجل إخراجها. السلطة السياسية، الراجح أيضا، أنها اطلعت على الوثيقة لكنها لم تعبر عن أي موقف علني منها.

بناء على ذلك هل حققت الوثيقة السياسية المراد منها على الأقل في هذا الشق المتعلق بالتواصل والتفاعل مع باقي الفاعلين، خاصة أن الرهان الاستراتيجي للوثيقة هو إعادة ترتيب موازين القوى لصالح التغيير الديمقراطي؟

هو اجتهاد منا نأمل أن يتعزز باجتهادات كل الفاعلين الجادين في الساحة السياسية الوطنية. ونحن نقدر أنه قد عزز تواصلنا أكثر، مع أكثر من طرف وقدم توضيحات للمساند وللحليف، وللمحايد وللمخالف.

جاء في القرآن الكريم: وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُوله ُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(التوبة – 105).

تناقضت القراءات التي رصدت موقع الوثيقة السياسية في مسار العدل والإحسان؛ ما بين من رأى فيها قطيعة مع المشروع السياسي للإمام عبد السلام ياسين رحمه الله ومن رأى أنها استمرارية في ذات المشروع وإن بلغة مشتركة هذه المرة. فما هو موقع الوثيقة بالضبط؟ وكيف تكون خطوة في المسار التغييري الذي تؤمنون به وليست إجراءً أملاه ضغط الواقع؟ وما هي السياقات الداخلية الحاكمة لهذا الموقع؟

الجماعة حركة تربوية ودعوية وسياسية تتطور باستمرار، لأن الواقع حولنا بمعطياته وبآلياته وبمساراته وبتوازناته ومستجداته يتطور. وهذا التطور هو من صلب مشروع أصيل واضح المبادئ والمعالم، علمه من علمه وجهله من جهله. وهذا التطور على مختلف المسارات الدعوية والتنظيمية والسياسية، على أساس الثوابت الشرعية والتربوية، والمواقف المبدئية المرتبطة بمطلق القيم البانية لكل مجتمع شوري ديمقراطي سليم كالعدل والحرية والكرامة واستقلالية القرار، ومناهضة الظلم والفساد والاستبداد. وأيضا، على أساس تقديرنا للشروط الضرورية لأي تغيير، كربط صلاحيات المؤسسات بمخرجات النتائج الحقيقية للانتخابات، وربط المسؤولية بالمحاسبة وغيرها من الشروط الممكنة من فصل حقيقي للسلط ومن اضطلاعها لمهامها التي يكفلها الدستور والقانون بعيدا عن منطق التعليمات والتوجيه عن بعد..

فإذن نحن بصدد الحديث عن تطورنا في المجال السياسي، والوثيقة السياسية تمثل الخلاصة الحالية لهذا التطور من مقدمتها إلى آخر سطر منها.

وإنه لمن غير الوارد في منهاج اجتهاد الجماعة واشتغالها القطيعة مع مشروع الإمام المربي والمؤسس عبد السلام ياسين رحمه الله، لا من باب التحجر والانغلاق على المشروع الذي كان هو نفسه رحمه الله يذمه ويحذر منه، لكن من باب التفصيل والتطوير والتحقيب في التنزيل والإثراء من داخل نفس المنظومة المنهاجية الاجتهادية التي نقدر أن سبر أغوارها والنهل منها يحتاج لمبادرات وإبداعات أجيال وفية متلاحقة، وليست مظروفة فقط باجتهادات أفراد يعدون على رؤوس الأصابع.

تحدثت الوثيقة في المحور السياسي عن مقترحات وإجراءات عملية لبناء دولة العدل والحرية والكرامة وبناء المؤسسات. في نظركم ما هي أهم المداخل لتنزيل هذه المقترحات عمليا؟ وما هي أبرز العقبات التي تواجهها؟

أهم مدخل هو توفر الإرادة السياسية في التغيير لدى الجميع، السلطة الحاكمة والفاعلين المجتمعيين، سياسيين وغيرهم. توفر هذه الإرادة عند السلطة وتنزيلها عمليا، إن حصل، سيمثل منعطفا كبيرا في اتجاه التغيير. وتوفر هذه الإرادة عند أغلبية الفاعلين المجتمعيين سيدفع حتما، ولو خطوة خطوة، في اتجاه التغيير الحقيقي الذي يتمناه كل مواطن غيور في هذا البلد.

هناك من يقول إن هذا التفصيل هو خطوة ورسالة إلى السلطة في اتجاه تحول الجماعة أو على الأقل دائرتها السياسية لحزب سياسي. ما هو تعليقكم على ذلك؟ وهل الوثيقة السياسية برنامج انتخابي سابق لأوانه؟

المطلع الجيد على مشروع الجماعة يعلم أن هذا التأويل بعيد جدا عن المنطق الذي يحكم عملها ومواقفنا السياسية. الجماعة لا تستجدي أحدا أبدا، وهي تتحرك من منطلق ما تمليه عليها اختياراتها المبدئية وغيرتها على وطنها، وعلى حاضره ومستقبله، وشعورها بالقلق تجاه ما يثقل كاهل الأجيال الحالية والقادمة من معاناة وانسداد الآفاق، نتيجة سوء التدبير والفساد والظلم، وتبذير ثروات الوطن.

تصطدم عادة التدابير السياسية بثقل الأزمات الاقتصادية والآفات الاجتماعية التي تنخر بنيات المجتمع وتجعل الحلول السياسية قاصرة لوحدها. فماذا قدمت الوثيقة السياسية من مقترحات في الشقين الاقتصادي والاجتماعي لتحقيق التغيير الشامل؟

نحن قدمنا تفاصيل في هذين المجالين. لكن كل ذلك مبني على توفر القرار السياسي لإحداث التغيير، كما ذكرت لك سابقا. فهذا القرار السياسي السليم هو المحرك لكل المجالات الأخرى. نعم ينبغي أن يجد هذا القرار بنية متكاملة حديثة ومناسبة لتنزيلها في المجالين. لكن توفر القرار السياسي حاسم.

وبخصوص الاقتراحات فإننا قدمنا مرتكزات تجعل الاقتصاد عادلا ومنفتحا وتنافسيا، وتجعله اقتصاد رقمنة ومعرفة وقيم أخلاقية في خدمة الإنسان، يتمحور على ثلاثة أقطاب، أولا دعم وتقوية نقاط القوة في النسيج الاقتصادي الوطني القائم وتطوير المقاولات الصغرى والمتوسطة وتطوير المجالين الفلاحي والصناعي، وثانيا تطوير المنظومة التمويلية، وثالثا تكريس الدولة الاجتماعية التي تضمن الخدمات الاجتماعية الأساسية لجميع المواطنين. والتفصيل الدقيق في هذه المحاور موجود في الوثيقة.

ميزتم في التبويب بين المجالين الاجتماعي والمجتمعي. فما الفرق بين التوصيفين؟ وما أهم ما ورد في المحور المجتمعي؟

المجال الاجتماعي قصدنا به التنمية الجهوية والتهيئة الحضرية والمجال الصحي والحماية الاجتماعية.

والمجال المجتمعي قصدنا به ما يرتبط ببناء وتربية الإنسان وإعداده للمستقبل كالتربية والتعليم والأسرة والمرأة والطفولة والشباب وتدبير الشأن الديني.

ومما اقترحنا في هذين المجالين اعتماد استراتيجية تنموية قائمة على تنمية متوازنة بين الجهات مع تمييز إيجابي لصالح المناطق الهشة، ودعم استقرار السكان بالقرى وتعميم الحماية الاجتماعية وتحرير مؤسسات الشأن الديني من أي احتكار سلطوي أو حزبي، وتقوية مؤسسة الأسرة والحفاظ على استقرارها وتماسكها والعناية الخاصة بالطفولة والشباب، وجعل التعليم والتعلم واستدامتهما أولى أولويات برامج هاتين الفئتين. والاقتراحات التفصيلية يمكن الرجوع إليها في الوثيقة.

الآن، ماذا بعد؟

نحن تابعنا مختلف الردود على الوثيقة. ونتفاعل بمسؤولية مع كل الملاحظات الجادة. ولم ندَّعِ في يوم من الأيام كمالا أو عصمة. ونؤمن بتكامل الاجتهادات الوطنية الغيورة من أجل إحداث التغيير الذي ينشده الجميع.

والجماعة مستمرة في عملها في مختلف المجالات. وهي تعمل جاهدة على تجويد وتطوير اجتهاداتها لمواكبة التحديات الآنية والمنظورة في الأفق. كما تواصل القيام بما تراه واجبا في التواصل والحوار وتبادل الآراء مع مختلف الفاعلين المستعدين لذلك. راجين لبلدنا بكل أبنائه، وضعا أفضل في المستقبل بإذن الله.