ذ. حمداوي: الأولوية الآن في الأمة هي للديمقراطية وللعدالة الاجتماعية

Cover Image for ذ. حمداوي: الأولوية الآن في الأمة هي للديمقراطية وللعدالة الاجتماعية
نشر بتاريخ

أدلى الأستاذ محمد حمداوي، عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان ومسؤول مكتب العلاقات الخارجية، بحوار للتلفزيون الفنلندي أجاب فيه عن جملة من الأسئلة المحورية التي تهم بعض القضايا السياسية الراهنة والفكرية المبدئية؛ نوع الديمقراطية التي تريد العدل والإحسان، كيفية تغيير المجتمع، موقع الدين في النظام العام، تطبيق الشريعة، إقامة الدولة الإسلامية… وغيرها.

نورد فيما يلي نصه الكامل:

ما هو نوع الديمقراطية الحقيقية الذي تريدون وما هو التوقيت المناسب لهذه الديمقراطية؟

النموذج الديمقراطي الذي نريد هو النموذج المتعارف عليه في العالم بأسره، كالنموذج الديمقراطي في أوروبا وفي كل البلدان الديمقراطية، أن يكون هناك انتخابات نزيهة وأن يكون فصل للسلط، وأن ينتخب الشعب من يحكمه، ومن ينتخبه الشعب ينبغي أن يحاسب وأن يكون مسؤولا عن برنامجه الذي يقدمه للشعب أثناء الانتخابات..

كيف تريدون تغيير المجتمع المغربي لو وصلتم إلى الحكم؟

لابد من مراحل انتقالية من دولة مستبدة إلى دولة ديمقراطية، المرحلة الانتقالية نحن في رأينا ينبغي أن تكون مرحلة توافق والمنطلق في رأينا هو جمعية تأسيسية تضع الدستور. الدستور الديمقراطي مشكل حقيقي، لأنه من تكون له السيادة في وضع الدستور تكون له السيادة في مضمونه. فنحن نرى بأن الدستور ينبغي أن تضعه جمعية تأسيسية منتخبة من جانب الشعب ولا يضعه فرد واحد كما وقع في دستور 2011، الدستور المغربي الذي جاء على إثر أحداث الربيع العربي.. فهذا دستور ممنوح. الملك هو الذي أعطى الأرضية الأساسية وعين اللجنة التي أشرفت على هذا الدستور وهو الذي في الأخير قدم هذا الدستور للاستفتاء.. فإذا السيادة في الدستور لم تكن للشعب بل كانت للسلطة في شخص الملك ومستشاريه ومعاونيه..

ما هو نصيب الدين في النظام الذي تريدونه أن يكون؟ وكم سيأخذ الدين من حجم هذا النظام؟

هناك اختلاف ما بين الأديان بخصوص هذا الأمر، فالدين الإسلامي ليس هو الدين المسيحي وليس دينا آخر. الدين في مجتمعنا يثبت الأصول النافعة للناس في القلوب وفي بيئة المجتمع ويعززها. نحن لا نريد أن يكون للدين سلطة كهنوتية على المجال السياسي. نحن نفهم بأنه في الدين الإسلامي هناك مجال واسع للإبداع وللابتكار في المجال السياسي. والدين هو دين جميع المغاربة لا يمكن لفصيل معين أو لحزب معين أو لتيار معين أن يدعي أنه يحتكر الدين. فالدين هو دين الأمة جميعا، فالمجال السياسي تحكمه اختيارات الناس، اختيارات الأحزاب السياسية.. ومن يختاره الشعب هو الذي سيتصدى للمجال العام على أساس برنامج وتعاقد مع الشعب، والمكسب الذي نراه مهما في المغرب أن كل الناس وكل الأحزاب السياسية تقريبا بدون استثناء وكل هيئات المجتمع المدني الكل يعتبر نفسه مسلما والكل يحترم الدين الإسلامي. فهذه مسألة إيجابية جدا تجعل المغاربة لا يختلفون في احترام الدين واحترام الإسلام، وهم حريصون على عدم الاصطدام مع الإسلام.. ثم أيضا المغاربة كلهم يعلمون بأن الدين يعطيهم في الجانب الروحي اطمئنانا وكذلك يعطيهم وحدة فهو عامل توحيد للمغاربة وليس عامل تفرقة. ثم هناك مسألة أخرى وهي قضية القيم، فالدين منبع للقيم، قيم الصدق، قيم الوفاء، قيم الأمانة… وهذا ما نعانيه في المغرب وفي البلدان المتخلفة: قضية عدم القيام بالمهام وقضية السرقة والفساد المالي والفساد السياسي والاقتصادي.

هل هدفكم هو الدولة الإسلامية؟

هناك مشكل كبير في قضية المصطلح، مشكل في قضية المفهوم، عندما تقول دولة إسلامية دائما الناس يفهمها بأنها مرادف لدولة دينية بالمعنى الذي كان في أوروبا في القرون الوسطى، وكان الحاكم يدعي بأنه يحكم باسم الإله وأن سلطته تستمد مباشرة من الإله وليس من الشعب وليس من صناديق الاقتراع، هذا مشكل.. نحن نقول بأن الدولة نتصورها دولة الحاكم فيها ليس مقدسا، الحاكم كائن بشري ينتخبه الناس على أساس برنامج وهو في عمله قد يصيب ويخطئ ويحاسب على هذا البرنامج الذي قدمه للشعب، فالشعب له الحق في اختيار الحاكم ومحاسبته وعزله إذا تطلب الأمر ذلك. الدولة التي توجد في المجتمع المسلم أو التي قد يقترحها ويشارك فيها تيار له مرجعية إسلامية كتيارنا نحن تيار العدل والاحسان، هذه الدولة بالنسبة لنا هي دولة مدنية عادية، ليست دولة مقدسة ولا دولة شمولية. ينبغي أن تكون دولة ديمقراطية بالمعاني الحقيقية للديمقراطية، ومع الأسف هناك خلط للمعاني عند كثير من الناس عندما يخلطون بين دولة مدنية ديمقراطية في مجتمع مسلم وانطلاقا من مرجعية إسلامية وما بين دولة دينية ثيوقراطية تأتي لتقول للناس لا مجال للتفكير ولا مجال للإبداع؛ فقط الحاكم هو الذي يملي على الناس موقفا معينا أو يسخر الدين لأغراض تسلطية واستبدادية..

في رأيكم، هل تفضلون إقامة قانون الشريعة؟

قضية الشريعة فيها خلط عند كثير من الناس.. إقامة العدل بين الناس أن يحكم القضاء بالعدل؛ هذا من الشريعة، أن يكون القضاء مستقلا هذا من الشريعة، كذلك بناء العمران (من جسور وقناطر… وغيرها) هذا من الشريعة لأن فيها مصلحة للأمة..كل حاجة فيها مصلحة للأمة والمجتمع فهي من الدين. فإذا كل مسألة نافعة للناس فهي من الدين. في الإسلام كل مصلحة أجمع عليها الشعب وتكون نافعة ولا تصطدم مع الإسلام فهي من الدين..كذلك اختيار الشعب عندما يختار حاكمه هذا أيضا من الدين. إن الدين لا يلزم الناس بحاكم معين. ومن الأمور التي يوافق فيها الدين المجال المعاصر اختيار الحاكم وبشرية الحاكم؛ فهو غير مقدس. وهناك نصوص في القرآن معروفة كلها تنص على أنه لا ينبغي أن يكون هناك حرج على الناس، وأن الدين جاء باليسر ولم يأت بالعسر. نقرأ في القرآن (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). ففي منظور الدين فإن الهدف ليس هو التشدد وليس هو بث الكراهية بين الناس وبث الفرقة أو التسلط على الناس.. هذه المسألة نعتبرها أساسية وأنه ليس لأي جهة كانت أن تفرض وتتسلط على الناس بأي أمر كان.. فالاختيار ينبغي أن يكون للشعب لا أن تأتي فئة، سواء كانت تيارا إسلاميا أو غيره، لتفرض بالقوة أو بالعنف سلطته على الناس. فالحرية مقدسة ينبغي على الناس أن تختار بكل حرية من يحكمها ومن يدير شأنها العام. إن الشريعة بشكل عام في تفاصيلها المختلفة شأن كل الشعب، وليست شأن تيار سياسي معين أو حتى تيار إسلامي معين.. لا ينبغي أن تفرض على الناس أمرا معينا. الناس هم الذين ينبغي أن يختاروا بكل حرية وبدون إكراه، أن يختاروا شكل الحكم الذي يريدونه بشكل متوافق عليه. وأنا أعود وأكرر رأينا، نحن جماعة العدل والإحسان، أن التوافق بين جميع مكونات الأمة أمر مصيري، نحن في تقديرنا أن أمر التوافق مهم جدا في الانتقال بالمغرب من واقع الاستبداد إلى واقع العدالة الاجتماعية ونظام ديمقراطي كما هو متعارف عليه في العالم.

ما هو رأيكم في طالبان التي تفرض الشريعة على المجتمع؟

نحن رأينا كما قلت مختلف تماما.. اجتهادنا اجتهاد نوعي ولا يشابه اجتهادات أخرى. ونحن لسنا مع فرض أي شيء على الناس. نحن ننطلق من مبدأ في الدين يقوم على أنه لا إكراه في الدين.. لا يمكن أن تلزم الناس بأمر وهم له كارهون.. فإذا النظرة التي نريدها نحن أن يكون هناك توافق بين الناس وأن تجتمع الناس على كل أمر مفيد للأمة، فإذا نحن لسنا مع أمور التشدد وأمور فرض الدين على الناس أو أي شيء آخر.. نحن نرى بأنه نوع من أنواع الاستبداد أن تلزم الناس بما يكرهون. ينبغي أن تتوافق قوى المجتمع على ما تختاره في حياتها السياسية والاجتماعية.

ما هي الحركة في شمال إفريقيا التي أنتم متعاطفون معها نوعا ما أو ترونها صحيحة؟

نحن كما قلت، في جماعة العدل والإحسان، من المبادئ الأساسية لعملنا أننا حركة مستقلة غير تابعة لأي تنظيم خارجي ولأي جهة خارجية سواء كانت تنظيما أو كانت تيارا أو كانت حكومة أو غيرها.. فنحن تنظيم مستقل ونحن نرى أن الأولوية الآن في الأمة هي للديمقراطية وللعدالة الاجتماعية ولجمع الأمة على كلمة واحدة. هذه أولوية بالغة.

بخصوص الحركات ليس لنا تصنيف لحركات معينة لأننا بكل دقة نحن نريد أن يصطف الناس على أساس سياسي وعلى أساس ما ينفع البلد، لا على أساس إيديولوجي.. لانريد اصطفافا على أساس إيديولوجي أو على أساس حزبي.. نريد أن يكون الاصطفاف على أساس سياسي وعلى أساس ما فيه مصلحة الأمة. بمعنى آخر إن في كل بلد، ومنه المغرب، نرى أن كل طرف يريد الحرية ويريد الديمقراطية وهو بعيد عن الاستبداد فنحن معه بغض النظر عن خلفيته الإيديولوجية أو الدينية أو السياسية.. وكل طرف مع الاستبداد أو مع التشدد أو مع إكراه الناس على شيء ما أو مع الفساد فنحن بعيدون منه كيفما كان أصله، كان إسلاميا أو كان علمانيا أو غير ذلك.. نحن في جماعة العدل والإحسان نرى أن الإسلام دائما إلى جانب العدل، إلى جانب الحرية، إلى جانب العدالة الاجتماعية، إلى جانب ما يجمع الأمة في وجه الاستبداد وفي وجه الفساد.