ذ. جرعود: ما يؤجج شرارة الاحتجاج المقاربة الأمنية الخاطئة وتعاطي السلطة الوحشي مع الحراك

Cover Image for ذ. جرعود: ما يؤجج شرارة الاحتجاج المقاربة الأمنية الخاطئة وتعاطي السلطة الوحشي مع الحراك
نشر بتاريخ

تفاعلا مع الأحداث المتصاعدة والمتطورة بشكل يومي في الريف، أجرت صحيفة “نون” الإلكترونية، يومه الجمعة 23 يونيو 2017، حوارا مع الأستاذة أمان جرعود، الكاتبة العامة للقطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان وعضو الأمانة العامة لدائرتها السياسية.

وننشر فيما يلي النص الكامل لهذا الحوار تعميما للفائدة.

ماهي قراءتكم لتطورات الحراك بالريف، من اعتقالات متتالية، ومحاكمات وصفت بالقاسية، وهجوم متصاعد على احتجاجاته السلمية؟

بداية لا بد من التأكيد على أن حراك الريف حراك مشروع ومطالبه مطالب مشروعة فضلا عن أن عنوانه الأبرز هو السلمية ثم السلمية ثم السلمية. لكن للأسف بدل الإنصات لنبض الشارع والتفاعل الإيجابي مع مطالب المواطنين يصر النظام على مواجهة الاحتجاجات السلمية بمنطق القمع والتعنيف وتغليب المقاربة الأمنية التي أثبتت فشلها في العديد من الملفات عوض فتح باب الحوار واحترام مطالب الساكنة المشروعة، هذا إن دل على شيء فإنما يدل على غباء المخزن وعلى إصراره على اجترار نفس الأساليب القمعية التي يتشدق بأنه قطع معها إلى غير رجعة.

إن الطبيعة الاستبدادية للنظام لا تتعايش مع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، لذا سرعان ما يسقط قناع الشعارات ويغلب الطبع التطبع. وما تدشين حملة الاعتقالات في صفوف المحتجين ونصب المحاكمات الصورية وإصدار الأحكام القاسية في حق المطالبين بحقوقهم إضافة إلى الوحشية التي تواجه بها المسيرات السلمية ويجابه بها المحتجون إلا دليل آخر على أننا أمام نظام استبدادي قمعي لا قدرة له على التنازل عن منطق ”ما أريكم إلا ما أرى”. النظام المغربي باختياره مواجهة الاحتجاجات السلمية بالمقاربة القمعية يؤكد أنه غير مؤهل لانتحال صفة نظام ديمقراطي.

في نظرك، إلى أي مدى يمكن لهذا الحراك أن يصمد؟

هذا الحراك، في اعتقادي، سيستمر ما دامت الشروط التي أنتجته موجودة، ولعل أبرز هذه الشروط هو الوضعية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعيشها منطقة الريف وساكنتها والتي تتميز بالتهميش والتفقير وتئن تحت وطأة الحيف والظلم.

ومما يؤجج شرارة الاحتجاج المقاربة الأمنية الخاطئة والتعاطي الوحشي للسلطة مع الحراك بإصرارها على تغليب لغة العنف والقمع بدل الحوار والمعالجة الشمولية.

إن المقاربات الأمنية والمحاولات الالتفافية لن تفلح في الإجهاز عن المطالب الشعبية المشروعة، قد تتمكن من حجبها أو تأجيلها أو القفز عليها في لحظة من اللحظات، لكنها بالأكيد، سرعان ما تعاود الإفصاح عن نفسها بقوة أكبر وإصرار أكثر.

لماذا لا تستجيب الدولة لمطالب ساكنة الريف المقدور عليها وتختار مواجهتها؟

رغم خروج ساكنة الريف للاحتجاج منذ ما لا يقل عن ثمانية أشهر بعد مقتل محسن فكري، رافعة لمطالب اجتماعية واقتصادية مشروعة والمتمثلة في توفير الشغل، ومرافق التطبيب وجامعات للتعليم العالي وغيرها من الأمور الأساسية التي تحقق كرامة المواطن وإنسانيته، وعوض أن تتم الاستجابة لهذه المطالب، راهنت الدولة على عامل الوقت لخفوت جذوة الاحتجاج، واغدقت الوعود تلو الأخرى لامتصاص الغضب، لكن الشعب على ثقة من خلال التجارب السابقة أن النظام لا يحفظ عهدا ولا وعدا. بعدها انتقلت الدولة إلى خطوة أخرى من خلال سياسة العصا والجزرة وذلك بالتخوين والاتهام بالانفصال تارة، والاعتراف بشرعية المطالب تارة أخرى، لزرع الخوف بين المحتجين وخلق تصدع بين متزعمي الحراك، لكن الدولة لم تنجح في محاولاتها واستمر المحتجون متمسكين بالسلمية، مما استفز النظام ليسقط هاويا في مستنقع العنف غير المبرر، والاعتقال التعسفي، والقمع غير القانوني لمظاهرات شرعية لأن العقلية المخزنية ما زالت تراهن على نجاح سياسة الالتفاف على المطالب والعمل على احتواء كل الحركات المعارضة للفساد والاستبداد. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فالنظام المغربي لا يطيق التعامل مع المواطن خارج دائرة المنة والمنحة والأعطية في سادية مرضية مقززة، وبالتالي فأي استجابة لمطالب الحركات الاحتجاجية يعتبرها مساسا بهيبته وانتقاصا من سلطته، ويرى فيها كذلك تشجيعا لثقافة الاحتجاج كآلية من آليات الضغط لتحقيق المطالب، وأي نظام سلطوي لن يقف متفرجا على هذا.

يوم 11 يونيو 2017، شهد مسيرة حاشدة ساهمت في نجاحها بشكل كبير جماعة العدل والإحسان دعما لمطالب الحراك، هل لهذه المسيرة ما بعدها؟

كل المتتبعين للشأن المغربي، اعتبروا مسيرة 11 يونيو ناجحة بالنظر إلى عدد الحضور الذين قدروا بمئات الآلاف؛ وبالنظر إلى قوة الشعارات التي رفعت فيها، وبالنظر إلى مستوى النضج الذي عبرت عنه مختلف المكونات المشاركة فيها من خلال الشعارات الموحدة، وجماعة العدل والإحسان كغيرها من المكونات المشاركة كانت حاضرة وبقوة في هذه المسيرة التاريخية.

إن الشعب المغربي قال كلمته في هذه المسيرة من خلال تثبيت المطالب المشروعة لساكنة الريف وكل المناطق المهمشة في ربوع هذا الوطن الحبيب، فالدولة أمام خيارات محدودة، فإما أخذ هذه الاحتجاجات بعين الاعتبار والعمل على تلبية المطالب وإبداء حسن النوايا بالاستجابة للمطالب الآنية من إطلاق المعتقلين ومحاسبة للمفسدين والقطع مع سياسة الريع والتفقير والتجهيل… وإما أن يستمر الحراك وتتوسع دوائره، وقد جاء في خاتمة بيان المسيرة أن “نجاح هذه المسيرة مقدمة لتوالي معارك انخراط الشعب المغربي في جبهة الدفاع عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية”.

من خلال مواقفكم الداعمة، انتشر خطاب يتهم الجماعة بالركوب على الاحتجاجات، وهذه ليست أول مرة يوجه فيها هذا الاتهام إلى الجماعة، من يروج لهذا الخطاب ضدكم؟

تعتبر جماعة العدل والإحسان الاصطفاف مع الشعب المغربي في قضاياه الاجتماعية والسياسية والحقوقية واجبا من واجباتها باعتبارها جزءا من هذا الشعب، لكن هذا الحضور قد يفسره بعض المغرضين المناوئين للحراك وللجماعة معا على أنه ركوب واستغلال لهذه الهبّة الشعبية قصد توجيه الأحداث إلى ما يخدم الجماعة. وبالمناسبة فهذا أمر اتهمت به الجماعة في الماضي والحاضر، وقد تتهم به في المستقبل ما دامت بعض الجهات تصر على الركوب على “فزاعة” العدل والإحسان. والقصد من مثل هذه الخرجات هو إضعاف الحراك وتخويف الفاعلين السياسيين والنشطاء من حضور الجماعة. أما إذا أردت معرفة من يروج لهذا الخطاب فيكفي أن تبحث عن المستفيد من المقاربة الالتفافية وضعف الحراك، في أفق تلاشيه واندثاره. والمتهم الرئيس هو المخزن وبعض أبواقه المأجورة.

نزلت نساء العدل والإحسان بقوة في المسيرة، وشاركت النساء بشكل لافت في احتجاجات الريف، بل قدن تظاهرات واعتقلن، قربينا أنت كقيادية وناشطة سياسية من الدور الذي تلعبه المرأة لنصره القضايا المجتمعية العادلة؟

لطالما كانت المرأة حاضرة وبقوة في جل القضايا المجتمعية رغم محاولات التهميش الممنهج الذي عانت وما زالت تعاني منه لأسباب تاريخية وسياسية وثقافية واجتماعية لا يتسع المجال للتفصيل فيها، والتي حشرت المرأة في ركن ضيق لا يتجاوز في أحسن الأحوال خويصة نفسها وجدران بيتها.

اليوم، وبالنظر إلى التحولات المجتمعية التي تعرفها المنطقة والتي ساهمت بشكل أو بآخر في الرفع من منسوب الوعي بالقضايا المصيرية، إذا أضفنا إلى هذا حجم الظلم والمعاناة التي تجثم على الجميع نساء ورجالا، فإن هذا سيولد انخراطا تلقائيا وواعيا  بكل الأشكال النضالية التي من شأنها أن تحقق قيم العدل والحرية والمساواة.

إن هذه الدينامية النسائية المتنامية في ميادين النضال لا يكفي أن ننظر إليها بإعجاب وانبهار، بل لا بد من تحصينها والحرص على أن تصبح مؤشر مهما من مؤشرات إعادة الاعتبار لدور المرأة الحيوي في أي فعل مجتمعي.

لاحظنا خلال هذه الاحتجاجات غيابا واضحا لحكومة العثماني وللأحزاب، هل هذا شأن لا يعنيهم، أم هي حكمة الصمت، أم ماذا؟

في ما يتعلق بالأحزاب، وحتى نكون منصفين، لا ينبغي أن نسقط في فخ التعميم، ففي الوقت الذي قدمت فيه الأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي عرضا رديئا حيث تم استدعاؤها لتكون شاهد زور على الحراك، وخرجت تصريحات مسؤوليها تدين الحراك وتشيطن نشطاءه، متهمة إياهم بالعمل على نشر الفتنة والسعي نحو الانفصال، هناك بعض الأحزاب خاصة تلك المحسوبة على اليسار تجاوبت مع الحراك، وانخرطت في التنسيقيات الداعمة له، على تفاوت بينها في هذا الانخراط والدعم.

وبالرجوع إلى حكومة العثماني فمرة أخرى لم تخيب الظن، وأكدت لكل المغاربة أنها حكومة محكومة، تنتظر الإشارة ممن يحكم حقيقة قبل أن تقدم على أي خطوة، وهذا يزكي المقاربة التي طالما عبرنا عنها، وهي أننا أمام مؤسسات دستورية صورية، وأن أزمتنا أزمة حكم لا أزمة حكومة.