ذ. بناجح: حجم المتابعة الإعلامية والسياسية للوثيقة راجع إلى حجم انتظارات المغاربة من الجماعة في هذا الانسداد السياسي

Cover Image for ذ. بناجح: حجم المتابعة الإعلامية والسياسية للوثيقة راجع إلى حجم انتظارات المغاربة من الجماعة في هذا الانسداد السياسي
نشر بتاريخ

اعتبر الأستاذ حسن بناجح، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، أن إصدار الجماعة للوثيقة السياسية يعد بالفعل مبادرة وخطوة نوعية في المشهد العام الذي يهيمن عليه الركود، والانحدار المتسارع في أتون الأزمة المركّبة. في حين هي تعبر عن صيرورة وثمرة طبيعية للدينامية التي يعرفها سير الجماعة ومؤسساتها داخليا على المستوى الوطني وعلى مستوى الهيئات والمؤسسات الإقليمية والمحلية والقطاعية والتخصصية.

الوثيقة فصّلت في المجالات الكبرى للسياسات العمومية

وتابع بناجح، أجرته معه قبل أيام جريدة أفريقيا برس حول الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان، موضحا أن الميزات الإضافية للوثيقة الحالية أنها فصّلت بمستوى متقدم في المجالات الكبرى للسياسات العمومية، وحمَلت النَّفَس الصريح الواضح الاقتراحي المعهود على الجماعة، في واقع غلبت عليه الاستكانة للتجريف السلطوي للمشهد، والتطبيع مع آلة التحكم الاستبدادي المطلق من نظام الحكم.

ويرى المتحدث في الحوار ذاته، أن المتابعة الإعلامية والسياسية الكبيرتين للوثيقة راجع إلى “حجم الانتظارات والرهانات التي يعقدها المغاربة على الجماعة، في ظل هذا الانسداد السياسي الحالي، ونظرا لتعطش الناس ربما لمعرفة رأي تيار ظل وفيا لنهجه وموقفه من العلاقة مع السلطة”.

الخلافة مفهوم أصيل شيطنته الدوائر الغربية وجعلته مرادفا للإرهاب

وقال بناجح إن مفهوم الخلافة “مفهوم مركزي في تصورنا وأدبياتنا وهو أحد الآليات المنهاجية التي نحلل بها تاريخنا ومستقبلنا كأمة”، موضحا أن هذا المفهوم قد تعرض لكثير من التلبيس والشيطنة عالميا، ولعبت المراكز الاستخباراتية والأكاديمية والإعلامية الغربية دورا خطرا وقذرا لتشويه هذا المصطلح الأصيل النوراني الشريف قرآنيا ونبويا، بعد أن صار في وقت من الأوقات يمثل الأفق الاستراتيجي للإسلاميين في العالم.

وأضاف: “وقد سعت هذه الدوائر في حربها النفسية والمفاهيمية والاصطلاحية لتجعل من مفهوم الخلافة مرادفا للقتل والإرهاب والسبي وقطع الرؤوس، وبالتالي تم تحميله بحمولات قدحية لتنفير الأمة والرأي العام منه.”

فهذا المفهوم، يقول بناجح “استعملناه منذ قرابة نصف قرن ليس مقابلا لمفهوم الدولة القطرية، وليس تعبيرا عن طبيعة الشكل السياسي للنظام فقط. فهو لدينا أوسع من حيث المضامين الحضارية والشرعية، ومن حيث المدى الزمني والنطاق الجغرافي في الأفق الاستراتيجي الذي يطلب، بل يفرض، على الأمة الإسلامية أن تتكتل أقطارها ودولها في بنية قوية أمام التكتلات الأممية المقابلة. وذلك للخروج من وضع التشظي والتفتيت في أقطار ومحاور معزولة ضعيفة ومنغلقة، وأحيانا متصارعة بينها”.

الوثيقة عرفت الدولة التي تريدها الجماعة

وبينما لفت عضو الأمانة العامة إلى أن تعريف الدولة، يعد من القضايا والتحديات التي طرحت على الحركة الإسلامية عموما مع الربيع العربي، لفت في المقابل إلى أن هذا شكل دافعا في الوثيقة للحديث عن الدولة التي تريدها العدل والإحسان.

وهذه الدولة هي “دولة مدنية مقابل عسكرة وبولسة الدولة، وهي دولة مؤسساتية دستورية حرة بعيدا عن الدولة الشمولية والثيوقراطية الدينية، كما عرفها الغرب وعاشها تجربة وعانى من تواطؤ الإكليروس الكنسي وسلطة الإقطاع”. وهو ما فصلت فيه الوثيقة تفصيلا وافيا وفي المكونات المؤسسية والعلائقية للمفهوم المركزي الذي حملته حول الدولة الذي أسمته بـ ”دولة المجتمع لا مجتمع الدولة”.

وفي جوابه عن ملامح الدستور الذي تقترحه الجماعة، شدد بناجح على أن الدستور المبتغى ينبغي أن يكون “حرا نابعا من إرادة شعبية حقيقية غير ممنوح، ويعبر عن الهوية الدينية والحضارية للشعب، ويساوي بين الأفراد والفئات في الحقوق والواجبات، ويوازي بين الصلاحيات والمحاسبة، ويؤسس لسلطة المؤسسات لا استبداد الأفراد، ويكرس الحرية والتعددية ومبادئ العدالة الاجتماعية ويحقق التوزيع العادل للثروات”.

العدل والإحسان وعلاقة الدعوي بالسياسي

أما في موضوع الارتباط بين الدعوي والسياسي، اعتبر بناجح أن “الهدف والغاية والأصل” هو ما تعرف به الجماعة نفسها؛ إذ هي “جماعة دعوية تربوية تدعو إلى الله، وتتوب إلى الله، وتتعاون مع الناس على التوبة والصلح مع الله عز وجل”، غير أننا لا نَفْصل هم المصير الفردي الذي هو محور الرحى، عن المصير الجماعي لشعبنا ولأمتنا وللإنسانية جمعاء، يقول بناجح ثم يضيف: “فلسنا ممن يدعون إلى التناوم والدروشة والاستقالة من الشأن العام لكلفته وتبعاته، وفي بالمقابل الجماعة ليست حزبا سياسيا بالمعنى المتعارف عليه”.

وتابع: “لكن، لإدراكنا أهمية السياسة واعتبارها وسيلة من وسائل التدافع لتحقيق العدل الذي هو أحد ركائز دعوتنا، أسسنا الدائرة السياسية وأسندنا إليها هذه المهمة وتخصصت فيها بأجهزتها وأطرها، تحت رعاية وتوجيه الإمام المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله، وإخواننا المربين في مجلس الإرشاد.

ومن حيث المبدأ، يقول: “لا نرى ضيرا في تحولها إلى حزب سياسي يتنافس ويتداول على السلطة، فهذه وظيفة الأحزاب، لكن في ظل أي ظروف وبأي شروط، وفي أي مناخ سياسي؟ هذا ما نراه غير وارد حاليا”. أضاف: “فإما أن يتغير الحكم عن طبيعته الاستبدادية، وهذا ما نأمله دائما لتقصير الطريق وخفض الكلفة على الوطن، أو تتغير الجماعة عن طبيعتها المعارضة. وقد صرحت الوثيقة بكل وضوح وشفافية بأن الجماعة غير مستعدة للتحول عن مبادئها وثوابتها”.

عملية طوفان الأقصى كانت فرصة للنظام المغربي لينقذ نفسه من مأزق التطبيع لكن للأسف..

واسترسل بناجح حديثه عن توقعاته لمستقبل تطبيع العلاقة بين المغرب و”إسرائيل” خاصة بعد حرب غزة، مشددا على أن نصرة فلسطين ودعمها ومناصرة أهلها يعد أمرا مبدئيا نابعا من العقيدة والدين ومن الإنسانية ومن منطلق الدفاع عن المستضعفين والمظلومين في جميع أنحاء العالم.

وأوضح موقف الجماعة من التضامن مع فلسطين، فجعله خارج مجالات المزايدة أو استعراض القوة أو المواجهة مع النظام أو حتى الاختلاف. وقال: “لذا تجدنا نقدم كثيرا من التنازلات، ونتعالى على كثير من الحسابات، ونغض الطرف لنحشد الدعم والتأييد لهذه القضية العادلة”. وعندما أقدم النظام في المغرب على التطبيع مع الكيان الصهيوني، اعتبرنا الأمر نكسة وطنية للمغرب والمغاربة وليس للنظام وأدواته فحسب، واعتبرناه انتحارا سياسيا غير محسوب العواقب والمآلات، لا للحكومة ذات المرجعية الإسلامية [حكومة العدالة والتنمية]، بالنسبة للحزب الأغلبي فيها، التي شاركت في التوقيع عليه ولا للنظام، وقمنا برفضه والاحتجاج ضده وتعرضنا للمنع والقمع يضيف القيادي في الجماعة.

وقال بناجح إن عملية طوفان الأقصى وتطوراتها، وما تلاها من إدانة دولية للجرائم الصهيونية، ونزول المغاربة إلى الشارع بالملايين في مجموع الاحتجاجات، كانت ستكون فرصة للنظام لينقذ نفسه من المأزق، لأن كل الأسس التي بنى عليها موقفه من التطبيع تهاوت. “لكن للأسف، لحد الآن لم يتجاوب صناع القرار مع نبض الشارع المغربي، ولم يعيدوا تقييم الموقف، ولم يعتبروا من الأحداث.”