ذ. بارشي يدعو إلى التعاون والعمل لصدّ كل ما يفسد الأسرة والمجتمع

Cover Image for ذ. بارشي يدعو إلى التعاون والعمل لصدّ كل ما يفسد الأسرة والمجتمع
نشر بتاريخ

تحدث عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان الأستاذ محمد بارشي في افتتاح الندوة الثانية لذكرى الوفاء الحادية عشر لرحيل الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، صباح اليوم الأحد 17 نونبر 2023، عن تزامن الموضوع مع ما تعيشه الأسر الفلسطينية في غزة من التضييق والتنكيل والتقتيل والإبادة. ورغم ذلك نرى ما أكرم الله عز وجل به بهذه الفئة من عزة وكرامة، ونرى تماسك الأسر ودفاعها عن قضيتها وإيمانها، ونرى في أهل غزة بنيانا مرصوصا شامخا، يشد بعضه بعضا.

وأكد بارشي بأن ما نرى فيهم من يقين في نصر الله وحب للشهادة في سبيله وتكافل الناس وتعاونهم، هو بعد فضل الله عليهم، من ثمار النشأة في أسر مؤمنة متماسكة نشأت على عين الله، مع كتاب الله، ومصاحبة أولياء الله. وأورد مقتطفات لكلام الغزيين في استطلاع أجرته إحدى الصحف يؤكد معاني التكافل والتعاون والتضامن بين الناس.

المتحدث أضاف أن الله عز وجل خلق الإنسان في أحسن تقويم، وأنزل عليه قرآنا يهديه للتي هي أقوم، استخلفه في الأرض ليعمرها، وهذا الاستخلاف في الأرض بدأ بزوجين، أبوينا عليهما السلام، ومنهما كان التناسل والتكاثر. أسرة واحدة ولو شاء لكان غير ذلك. إذا أصل الإنسانية من ظهر ورحم واحدة، ومنهما كانت الأخوة.

ويورد بارشي عن الإمام تسميته للعمران عمرانا أخويا، ومدلول الجمع بين الكلمتين عمران لأن الله تعالى استعمرنا في الأرض، وأخوي لئلا ينسى المؤمن أنه أخ المؤمن في الدين، وأخ الإنسان في الإنسانية، فهذا الرابط، رابط الأخوة بين المؤمنين وتوادهم من شأنه أن يجعل البناء متماسكا.

وشدد المتحدث بأن قوة العمران وارتقاءه مرتهنان بصلاح الإنسان، والظلم مخرب للعمران، والاستبداد يقلب موازين الأخلاق كما قال ابن خلدون رحمه الله. صلاح الإنسان مرتبط بأخلاق الأسرة وصلاحها، إلا ما كان استثناء، فهي النواة وهي الحاضنة الأولى. وينقل عن الإمام قوله في كتاب العدل: “بالمودة والرحمة الحميمين يتميز الزواج المطابق بالقصد والفعل والتوفيق الإلهي للفطرة، وبهما لا بمجرد العقد القانوني يحصل الاستقرار في البيت، وبالاستقرار في البيت يشيع الاستقرار في المجتمع”.

 

 

عرّف علم الاجتماع الأسرة بأنها الخلية الأساسية في المجتمع البشري، وأهم جماعاته الأولية، وتساهم في النشاط الاجتماعي في كل جوانبه المادية والروحية والعقائدية والاقتصادية. أما في ديننا فالأسرة النواة تبدأ برجل وامرأة مؤمنين، جمع الله بينهما بميثاق غليظ، ليسكنا إلى بعضيهما، ويمن الله عليهما بالمودة والرحمة.

اعتنى الشرع الحنيف بروابط الأسرة ورغّب فيما يقوي أواصرها، وحذر مما يسبب خرابها. وصى القرآن بالإحسان بالوالدين، وحذر من سوء الأدب معهما ومن عقوقهما. ورغبت السنة وحفزت على حسن التعامل مع الأزواج، ونبهت أن الأبناء أمانة يسأل عنها الوالدان. وعموم ما جاء من نصوص في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم آمرة بحسن التعامل وحسن الخلق، الأسرة معنية بها كذلك.

وتابع بارشي بالقول إن صاحب الذكرى رحمه الله يعتبر أن الأسرة لبنة أساس في الأمة، وأن الأسرة القوية عماد الأمة القوية. قوة الأسرة في تماسكها وترابطها أجسادا وأرواحا؛ ارتباط منشأه المودة والرحمة الحميمين.

وذكر المتحدث بعض ما جاء في حوار سابق أجري مع زوج الإمام الشريفة لالة خديجة المالكي رحمها الله، عن أخلاق الإمام أبا وزوجا حيث كان بعض مما قالت إنه “كان إنسانا رحيما ودودا لطيف المعشر، وكان أسوته رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أهل بيته، ومع كل من جمعه الله بهم رحمه الله”. وقالت: “كان يلاعب أبناءه وأحفاده، يحكي لهم قصص الأنبياء ويحببهم في الصلاة وفي حفظ القرآن دون أن يضغط عليهم أو يكرههم على ذلك. يعطي لكل واحد منهم لقبا جميلا يفرح به. ويسابقهم فيسبقهم تارة ويسبقونه أخرى، فيقول هذه بتلك”.

 

ثم عرّج المتحدث على ما تواجهه الأسر عموما والمسلمة منها خصوصا من تحديات كثيرة بسبب العولمة الثقافية، يعملون على تفكيك الأسر وتدمير روابطها، موردا قول الإمام رحمه الله بأن منية كل شيطان من شياطين الإنس والجن أن تنكسر الأسرة ويضيع الأولاد ويتمزقوا. يسعى المخربون تحت شعارات متعددة ومخادعة لطمس هويات الشعوب وبالأخص العالم الإسلامي، بل لطمس فطرة الله التي فطر الناس عليها، وذلك بتعميم نموذجهم الثقافي، مستغلين تفوقهم في مجالات متعددة وإمكانياتهم الإعلامية، كما يستغلون فقر الشعوب العربية والإسلامية واستبداد حكامها، كل هذا من أجل التمكين لثقافة الاستهلاك والمتعة وإشاعة مفاهيم فاسدة؛ كمفهوم النوع الذي لا يفرق بين الذكر والأنثى، والاعتراف بالعلاقات المخالفة للفطرة والمحرمة دينيا، يسعون لتدمير قدسية الزواج، مع تسهيل الزنا والتشجيع عليه تحت مسميات حربائية، وتدمير روابط الأبوة والأمومة والأخوة، بل كل روابط الأسرة، بدعوى التحرر والاستقلالية، وغير ذلك كثير، هدفهم الأساس الابتعاد عن دين الله وما جاء به من أخلاق، وتمزيق المجتمعات المسلمة، نسأل الله أن يجعل تدبيرهم في تدميرهم.

وأوضح بارشي بأن العلاقة بين الأسرة اللبنة والمجتمع البناء، علاقة تأثير وتأثر، فصلاح اللبنات وصلابتها تعطي البناء قوة ومتانة وتماسكا، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد. وخراب الأسرة إن لم يتدارك ويعالج ويقاوم يعدي، والعدوى قد تعم المجتمع كله، ومن ثم هلاكه شأن ذلك شأن من هم في أسفل السفينة؛ إن خرقوا خرقا في نصيبهم ولم يؤخذ على أيديهم غرق الجميع نسأل الله الحفظ.

وختم المتحدث بالتأكيد على واجبات أساسية؛ أولها أن نتعاون ونعمل متوكلين على الله، لصدّ كل ما من شأنه أن يفسد علينا ديننا. عسى ربنا أن يصلحنا وأسرنا، وأن يصلح بنا مجتمعنا. والواجب ثانيا أن نغير ما بأنفسنا حتى يغير الله ما بنا. فقد قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. وقال الإمام رحمه الله إن هذه الآية الكريمة تدرج النشأة الإنسانية على مدارج رشدها، من الذكر والأنثى يخلق الله سبحانه الكائن البشري، إنه حضن الأسرة، حنان الأمومة وعطف الأبوة، الغذاء والأمن والتربية، ثم هو الحضن الأوسع الاجتماعي الضروري، الشعب والقبيلة والقوم، هذا وضع فطري. يبقى فطريا إن ارتقى بالإنسان إلى نضج التعارف ثم إلى كرامة الانتساب لله عز وجل، واكتساب التقوى والعمل الصالح.