ذ. الملاخ: منظومة التعليم تسير في ظل غياب تام لرؤية استراتيجية واضحة الملامح

Cover Image for ذ. الملاخ: منظومة التعليم تسير في ظل غياب تام لرؤية استراتيجية واضحة الملامح
نشر بتاريخ

أجرى موقع الجماعة نت حوارا مع الأستاذ نور الدين الملاخ، أحد الباحثين المشاركين في تقرير “المغرب في سنة 2012” الذي أصدره المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات، وذلك بمناسبة الدخول المدرسي والجامعي الجديدين.

في الجزء الأول من هذا الحوار نتطرق لجديد المنظومة التربوية المغربية في موسم 2013-2014، وأسباب فشل ميثاق التربية والتكوين والبرنامج الاستعجالي، وحجم أزمة التعليم بلغة الأرقام. فيما يلي نص الحوار:

ما جديد المنظومة التربوية المغربية في هذا الموسم الجديد؟

كثير هم الغيورون في هذا البلد يصيحون بأعلى صوت ويكتبون بالخط العريض أن للتعليم قضية، لابد من معالجة مشاكله المتفاقمة منذ فجر الاستقلال، والتي زادت حدتها بسبب التبني الرسمي للحلول الترقيعية.

فمنذ زمان بعيد ومواسمنا الدراسية تتشابه في القرارات التي يجمع كل الفاعلين على كونها ارتجالية، هذا إلى جانب التشابه في المعضلات المعروفة من اكتظاظ وأقسام مشتركة وهشاشة في البنية التحتية وخصاص فظيع في الأطر وتدني في الخدمات الاجتماعية. فالقطاع يعرف استمرار الأوصياء عليه في النهج ذاته، نهج العبث في قطاع حيوي، ولعل هؤلاء الأوصياء قد اعترفوا هم من خلال التقويم الوزاري للبرنامج الاستعجالي بوجود اختلالات خطيرة تدبيرية ومالية تمس مختلف جوانب المنظومة التربوية.

بيد أن المفزع في الأمر أن المنظومة تسير في ظل غياب تام لرؤية استراتيجية واضحة الملامح، وكل الذي تبقى منها هو حديث فضفاض عن استقرار المنظومة. استقرار على ماذا؟ وبماذا؟ الله وحده يعلم.

والذي بات ظاهرا لكل متتبع في كل دخول بل في كل حين أننا بصدد تسيير تطبعه الانفرادية والارتجال والاستعجال والتسرع في اتخاذ قرارات مصيرية دون ما دراسة علمية وافية أو إشراك حقيقي لمختلف المتدخلين، ناهيك عن وجود قيادة تنفيذية -إن جاز الحديث عن قيادة- تغلب عليها الشعبوية ولغة التهديد والوعيد وترصد الأخطاء.

لعل التقارير الصادرة مؤخرا والخطاب الملكي الأخير في 20 غشت 2013، تفصح عن تردي التعليم في المغرب، لكن هذه المرة بنبرة واضحة تصرح بهشاشة الوضعية الاجتماعية والثقافية للبلاد.

الملك محمد السادس هاجم في خطاب ألقاه بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب الحكومة الحالية واتهمها بالتراجع عن مشروع إصلاح منظومة التعليم، ودعا في خطابه الحكومة إلى عدم إقحام السياسة في هذا المشروع وانتقد التراجع عن تطبيق مضامين منظومة التعليم ودعا الى عدم إقحام القطاع التربوي في المزايدات السياسية مطالبا بوضعه في إطار اجتماعي وثقافي.

وقال الملك في خطابه أن الحكومة الحالية لم تشرك الفاعلين غير أنه لم يتم العمل مع كامل الأسف على تعزيز المكاسب (منظومة التعليم) التي تم تحقيقها في تفعيل هذا المخطط بل تم التراجع دون إشراك أو تشاور مع الفاعلين المعنيين عن مكونات أساسية منه تهم على الخصوص تجديد المناهج التربوية وبرنامج التعليم الأولي وثانويات الامتياز).

أما تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2012، فهو يصف واقع التعليم بالمغرب كونه نظام تربوي ضعيف ينتظر الإصلاح. نجد في الصفحة 11 من ملخص هذا التقرير أن المغرب سجل تأخرا في الترتيب حسب مؤشر التنمية البشرية المحدد من قبل برنامج الأمم المتحدة للتنمية، منتقلا من الرتبة 124 في 1980 إلى الرتبة 131 في 2005، ليصل إلى الرتبة 146 في 2012.

يلاحظ أن هذه التصريحات جاءت عقب انتهاء مدة البرنامج الاستعجالي (2009-2012) الذي عرف فشلا كبيرا رغم أن الدولة وفرت له اعتماد يقدر ب 33 مليار درهم. ونشير إلى أنه تم نفس الشيء مع متم عشرية ميثاق التربية والتكوين، حيث أصدر المجلس الأعلى للتعليم سنة 2008 تقريرا يرصد إخفاقات الميثاق واستشراف مستقبل مغرب 2025. يقول تقرير التنمية البشرية خلال 50 سنة: “… ومع بداية الثمانينيات، بدأت المنظومة التربوية، في التراجع، لتدخل بعد ذلك في أزمة طويلة؛ من بين مؤشراتها: الهدر المدرسي، وعودة المنقطعين عن الدراسة إلى الأمية، وضعف قيم المواطنة، ومحدودية الفكر النقدي، وبطالة حاملي الشهادات، وضعف التكوينات الأساسية (القراءة، الحساب، اللغات، التواصل)…”.

يرى البعض أن ميثاق التربية والتكوين والبرنامج الاستعجالي، الذين وضعا لتصحيح مسار معالجة قضايا التعليم، قد أخفقا في ذلك. هل يمكن أن تحدد لنا أسباب هذا الإخفاق؟

عرف قطاع التعليم بالمغرب، منذ فجر الاستقلال، مجموعة من الأزمات المتتالية. تراكمت وأفرزت اختلالات عميقة، أجبرت أصحاب القرار على اتخاذ مجموعة من المبادرات؛ باللجوء إلى التقويم الهيكلي مع منتصف الثمانينيات والذي أفرز بدوره تعليما هشا ورديئا انتهى بوضع إصلاح تربوي شامل وضعته لجنة من رجال المقاولة والتعليم والإدارة والمجتمع السياسي والمدني: إنه ميثاق التربية والتكوين، وصولا للبرنامج الاستعجالي للتربية والتكوين 2009-2012…

جوابا عن سؤالكم، يمكن إجمال أسباب إخفاق منظومة التعليم في الأسباب التالية:

• التعامل مع أزمة التعليم بشكل تقني، وغياب تصور شامل يضع النظام واختياراته تحت المجهر، ويحدد الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة.

• انفراد الدولة باتخاذ قرارات مصيرية، وتهميش قوى المجتمع ومختلف المؤسسات والهيئات التي لها علاقة بقطاع التعليم.

• هيمنة الشعارات و”الإنشائية”، إذ أن كل إصلاح يغرق في تفاصيل جزئية شكلية، ويتجنب التطرق للنقط الأساسية.

• كل إصلاح يأتي لمعالجة أزمة التعليم ينتهي بفشل ذريع ويؤزم الوضع أكثر.

• تعامل الخطاب الرسمي مع أزمة التعليم بمعزل عن بقية القطاعات، مما يوحي أن الأزمة تهم هذا القطاع فقط والحال أنها أزمة شاملة…

هل يمكن أن توضحوا حجم أزمة التعليم من خلال بعض الأرقام؟

المتتبع للشأن التعليمي في الميدان، أو من خلال ما ينشر في وسائل الإعلام يعرف بسهولة ابتعاد الأرقام الرسمية عن الواقع، ولعل هذا الخلل الذي لم تستطع “أرقام الأوراق” الرسمية أن تخفيه.

لكن رغم علة هذه الأرقام، لابد لنا أن نتعامل معها ونعتمدها لتحليل الوضع التعليمي لغياب أية أرقام أخرى، وعلى القارئ أن يتصور ما تخفيه “أرقام الأوراق”.

وحتى لا أغرق القارئ بكثرة الأرقام أو الرجوع إلى تاريخ بداية الإصلاح، أحيله على التقرير السنوي الذي ينجزه فريق عمل من الباحثين والخبراء مكون من حوالي 50 باحثا وخبيرا متكاملي التخصصات في “المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات”، تحت عنوان: “المغرب في سنة”.

في تقرير “المغرب في سنة 2012″، في الباب الرابع الخاص بمجال التعليم والثقافة، وتحت عنوان: “البرنامج الاستعجالي، نهاية الميثاق واستمرارية الارتجال” نجد رصدا لمجموعة من الاخفاقات في المجال مختلفة، أهمها:

الاخفاق في المجال البيداغوجي، تجلى في: ضعف التواصل والتشاور والتنسيق، تعدد المشاريع وتشتتها ونزولها دفعة واحدة، غياب نظام الأولويات، تأثير محدود لبعض المشاريع بالرغم من المجهودات المبذولة، عدم الحسم في الاختيار المنهجي لمشروعي مراجعة المناهج وتعزيز التحكم في اللغات.

الاخفاق في المجال المادي، تجلى في: عدم تحقق مشاريع إحداث المؤسسات التعليمية بالأسلاك الثلاثة، انعكس التأخر في إنجاز البنايات على مستوى الاكتظاظ بعدد كبير من المؤسسات التعليمية.

وما يؤكد ذلك، توضيح وزير التربية الوطنية في أول وثيقة رسمية تقيم البرنامج الاستعجالي، خلال اجتماع للجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب٬ خصص لتقييم حصيلة هذا البرنامج، أنه تعتريه عدد كبير من النقائص أدت إلى فشله، حيث أجملها في غياب المقاربة التشاركية في تنفيذ مشاريع البرنامج، إضافة إلى غياب المقاربة التعاقدية، وعدم استقرار مدبري مشاريع البرنامج على تدبير المصالح المالية، مشيرا إلى غياب تام للافتحاص الواجب للصفقات التي تفوق كلفتها 5 ملايين درهم، علاوة على غياب تام لتقارير انتهاء تنفيذ الصفقات التي تفوق كلفتها 1 مليون درهم.

وأشار الوزير أيضا، إلى أن عددا من الأكاديميات لم تنجز سوى 5 % من المدارس كما أن 31.4 % من الثانويات بلغت فيها نسبة الاكتظاظ فوق 40 تلميذا، وهي نسب مقلقة على حد تعبير الوزير.

وفيما تجاهل انقطاع التلاميذ عن الدراسة في الثانوي، اعترف الوفا أن المنقطعين في الإعدادي تجاوز 10.80 %، أما على مستوى التعليم الابتدائي فقد وصلت نسبة المنقطعين 3.1%.. أما عن نسب الاكتظاظ ما فوق 40 تلميذا بالقسم، فقد سجل التعليم الابتدائي نسبة بلغت 7.9 %، أما الإعدادي فقد بلغ 14.4 %، بينما تجاوزت هذه النسبة 31.4 % بالتعليم الثانوي، هذا وأشارت ذات الأرقام إلى أن الميزانية الإجمالية المرصودة لتنزيل البرنامج الاستعجالي على مستوى الأكاديميات الجهوية برسم الفترة الممتدة بين 2009 و2012، تمثل 85.74% من مجموع الاعتمادات المرصودة لإنجاز هذا البرنامج.