ذ. أرسلان: الوضعية الخطيرة التي تخنق البلاد لا يجدي إنكارها أو التعامي عنها…

Cover Image for ذ. أرسلان: الوضعية الخطيرة التي تخنق البلاد لا يجدي إنكارها أو التعامي عنها…
نشر بتاريخ

أجرى موقع هسبريس حوارا مع الأستاذ فتح الله أرسلان، الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، تناول أحوال المشهد السياسي في المغرب، نعيد نشره تعميما للفائدة:

مرة أخرى يثير بيان جماعة العدل والإحسان حول الوضعية الاجتماعية للمغرب قراءات متناقضة لموقفكم، بين من يراه إعلان حرب على حكومة العدالة والتنمية، وبين من يراه طوق نجاة لهذه الحكومة، كما كان الحال لحظة انسحابكم من حركة 20 فبراير. ما سر هذا الاختلاف في القراءة، وما هي مناسبة وخلفيات إصدار هذا البيان؟

الاختلاف في قراءة البيان أمر طبيعي بالنظر إلى اختلاف زاوية النظر من قارئ لآخر، ومنطلقات وآليات كل متلق لبياننا والصورة التي يحملها عن الجماعة. والبيان لم يكن حربا على حزب العدالة والتنمية، ولم يكن طوق نجاة له. فنحن نؤكد دائما على أن خصمنا الوحيد والأوحد هو الاستبداد، ولن تحجبنا تفاصيل المشهد السياسي في يوم من الأيام عن هذا الأمر، لأننا نعتبر الاستبداد هو المسؤول الأول عن التردي السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تتخبط فيه البلاد ويتخبط فيه الشعب. كما أننا لا نعفي الحكومة، والعدالة والتنمية عمودها الفقري، من المسؤولية، وأعتقد أن حزب العدالة والتنمية لما اختار هذا الاختيار، فهو مستعد لكل تبعاته، فلا أحد أرغمه على الدخول في لعبة يعلم سلفا أن كل قواعدها بيد المخزن. والأصل أن يصارح الشعب المغربي بحقيقة الأوضاع، وينتصر لمطالبه ويفي بوعوده، وإن عجز فما عليه إلا أن يعترف بخطأ هذا الاختيار.

كثير من الهيئات أصدرت بيانات متشابهة فيما يخص تحليل الوضعية وحتى الحلول. هل نقول بأن بوادر وشروط تشكيل الجبهة الموسعة بدأت تنضج، أم ما زال هناك خلاف كبير رغم التقارب الملاحظ في لغة البيانات؟

لعل التقارب الملاحظ في لغة البيانات حول الوضعية الحالية راجع إلى الوضوح التام لمظاهر الأزمة التي تكاد تعصف بالبلاد. ولكي نكون واقعيين، فالتطابق في قراءة هذه الوضعية لا يعني التطابق في منطلقات التحليل، أو في وصف الحلول وسقفها الكفيل بإخراج البلاد من عنق الزجاجة الخانق. ولكن هذا لا يعني استحالة تشكيل جبهة موحدة لمواجهة الاستبداد، يكون فيها الالتقاء على أرضية سياسية جامعة بغض النظر عن الاختلافات الإيديولوجية. فنحن نعتقد أن دروس الماضي وتحديات الحاضر ينبغي أن تتجه بالجميع إلى ضرورة التكتل لتغيير ميزان القوى لفائدة مطالب الشعب.

تتحدثون عن الموجة الثانية للاحتجاجات، هل يمكن اعتبار هذا الموقف بداية لهذه الاحتجاجات؟

كل شروط هذه الموجة متوفرة، ولحظة انطلاقها لا يمكن لأحد التكهن بها لأن من أهم سماتها الفجائية كما حدث في تجارب دول مجاورة. والاحتجاجات لم تتوقف يوما، والوضعية الخطيرة التي تخنق البلاد لا يجدي إنكارها أو التعامي عنها في تجاوزها. فالأرقام تؤشر إلى الاشتداد الخانق للأزمة المنذر بالانفجار الوشيك، والشعب المفقر وصل إلى آخر درجات التحمل.

القطاع النقابي للجماعة يدعو إلى جبهة، والجماعة إلى ميثاق، هل هي دعوات لها مصداقية واقعية؟

إن إلحاحنا منذ سنوات طويلة، ودعواتنا المتكررة إلى ضرورة الحوار، وإلى ضرورة الاجتماع على ميثاق مشترك بين الشركاء في هذا الوطن من أجل مواجهة الفساد والاستبداد، نابع أولا من ضرورته التي لا غنى لنا عنها إن نحن أردنا أن ننقذ البلد من الهاوية التي يشرف عليها، وثانيا لأن الزمن والأحداث في المغرب خصوصا، وفي محيطنا العربي بشكل عام من المفترض أن يكون قد ولّد لدى كل مهتم، شخصا أو هيئة، شعورا بالحاجة إلى العمل المشترك والمقاربة الجماعية والحل التوافقي، مما يجعل من الدعوة إلى الحوار وإلى الاجتماع على ميثاق جامع أكبر من أن تكون مجرد مبادرة للاستهلاك الإعلامي أو السياسي. وما نشاهده حولنا يؤكد صحة تحليلنا ومقترحاتنا التي ما فتئنا ننادي بها منذ سنوات.

بعد ما آل إليه الوضع من مأساوية في دول الربيع العربي، هل ما زال الحديث عن التغيير الجذري مجديا؟

ما يميز تجربة الربيع العربي أنها بينت عدم جدوى التغيير من داخل مؤسسات رسمية متحكم فيها، وناتجة عن انتخابات مزورة ولا تحظى بسند شعبي، كما أكدت إرادة الشعوب في استرجاع سيادتها وممارسة حقها من خلال النزول إلى الشارع والتظاهر السلمي. للأسف، من يقول بعدم جدوى التغيير الجذري يتحدث عن أسطوانة مشروخة، هي الاستقرار المرادف للجمود الذي لن يفضي إلا إلى موجة جديدة من الاحتجاجات، لأنه لا معنى لاستقرار تهجم فيه السلطات على حقوق الناس، وتنتهك كرامتهم، وتطبع فيه مع مظاهر الفساد والاستبداد والريع، وتقف فيه المؤسسات المنتخبة كشاهد زور.

تدعون إلى جبهة موسعة للاحتجاج.. ألا تخشون مما وقع في مصر حين تخلف القوميون واليساريون، وانضموا إلى الدولة العميقة ضد الإسلاميين؟

نحن ندعو الجميع إلى الاعتبار بما حدث في مصر وغيرها، والترفع عن كل الحسابات الحزبية وتغليب مصلحة البلاد والعباد، واستباق هذا النوع من الخلاف بحوار مفتوح يصدر عنه ميثاق يضع الضمانات، ويعيد الثقة، ويوحد الجهود، ويهيئ الأجواء الملائمة للتنافس السياسي والتداول على السلطة وفق الإرادة الشعبية.

واليساريون كذلك لا يزالون يتخوفون منكم حين انسحبتم من 20 فبراير، بمعنى أن مبررات الانسحاب التي قدمتها الجماعة لم تكن مقنعة لشركائكم في الشارع؟

توقيف مشاركتنا في حركة 20 فبراير كان له سياقه وأسبابه التي أوضحناها في حينه من خلال بيان الانسحاب في 18 دجنبر 2011، والذي ذكّرنا فيه بالضوابط التي ظلت تؤطر انخراطنا ذاك وهي التشاركية والسلمية والاستمرارية والجماهيرية، وبحرصنا على تغليب قيم التقارب والتعاون تقوية للعمل المشترك وتعزيزا للثقة وتوجيها للجهود إلى مصدر الداء وهو الاستبداد المهيمن على السلطة والثروة. وكنا مستعدين جاهزين للمضي في الحراك الشعبي إلى ذروة المطالب الشعبية بحيث كنا نرفض أن يفرض عليه سقف معين يغير فقط في بعض شكليات الاستبداد ويبقي على جوهره، أو ينحرف بالحراك من طريق التغيير الحقيقي المنشود إلى مجرد التنفيس عن غضب الشعب، أو تحويله إلى وسيلة لتصفية الحسابات الفئوية الضيقة أو طبعه بلون إيديولوجي أو سياسي يطمس هوية الشعب الحقيقية. وأظن أن ما خبره منا شركاؤنا في الوطن قبل حراك 20 فبراير، وأثناءه وبعده يبعد أي نوع من التخوفات تجاهنا.

كلما صعدت الحركة الإسلامية عبر صناديق الاقتراع تم الانقلاب على النتائج، وآخر الدروس هو الدرس المصري، ما الخلاصة المعتبرة؟

الخلاصة الأولى هي أن الحركة الإسلامية أو أي تيار آخر مهما كانت قوته ومهما كان امتداده الشعبي ومهما كانت جدية مشروعه ونظافة أيدي أبنائه، لا يستطيع وحده تحمل تبعات ميراث ثقيل وقديم من الفساد المزمن.

والخلاصة الثانية هي أن الحركة الإسلامية تحتاج إلى إعادة قراءة مشروعها التغييري، لإعادة تركيب أجزائه وترميم بعض الجوانب خاصة ما يتعلق منها بعلاقة الدعوة بالدولة، وبما بينهما من اتصال أو انفصال.

والخلاصة الثالثة هي أن الحركة الإسلامية حركة مهمتها الأساسية الدعوة إلى الله تعالى وسط الشعب ومن داخل المجتمع، ولهذا السبب فمهمتها أكبر من مجرد عمل سياسي مهما كانت أهميته. فالعمل السياسي يتقدم ويتأخر وينجح ويخفق ويمتد وينحسر بما يجعل من المراهنة الكلية عليه وربط مصير الحركة به مغامرة غير محسوبة العواقب.

وما هي آلية تنزيل الدرس المصري لدى الجماعة؟

لا شك أن الدرس المصري يفرض على الجميع، إسلاميين وغيرهم، تأمله طويلا، ولعل كثيرا من تفاصيل هذا الدرس كانت للنظرة الاستشرافية للإمام عبد السلام ياسين رحمه الله وقفات طويلة عنده خاصة علاقة الدعوة بالدولة، وعلاقة العمل التربوي بالتحرك السياسي الميداني وتصوره لموضوع الإسلاميين والحكم خاصة في كتاب: “العدل؛ الإسلاميون والحكم”، الذي طرح فيه عقبات وصول الإسلاميين إلى الحكم وتحدياته.

هل ترون أن الإخوان في مصر أخطئوا التقدير، أو بشكل أدق: أين أخطأ الإخوان؟

هم أنفسهم اعترفوا بعدد من هذه الأخطاء، وصرحوا أكثر من مرة أنه لو أتيحت لهم حرية التعبير لبسطوا تلك الأخطاء أمام الشعب، ولكن الانقلابيين الجاثمين على رقاب الشعب يحولون دون الشعب ودون الاستماع إلى تقييم ذاتي ممن عاشوا هذه التجربة. وبالمقابل نجد أن الطرف الآخر المخاصم للإخوان لا يريد الاعتراف بأي خطأ ويصر على ذلك.

سؤال يتردد لدى البعض ولاسيما على صفحات الفيسبوك حول علاقتكم بالإخوان المسلمين، ما هي طبيعة العلاقة التي تربطكم بالإخوان في مصر؟

على المستوى العاطفي، تجمعنا بكل أطياف الحركة الإسلامية في العالم على اختلافها المرجعية الإسلامية العامة، والإخوان المسلمون جزء من هذا الفسيفساء الذي يحاول كل حسب أسلوبه ونهجه وزاوية نظره تجديد ما بلي من ديننا الحنيف والمساهمة في انتشال الأمة من وهدتها التاريخية. أما على المستوى التنظيمي فنحن كنا واضحين من أول يوم: لا للعمل السري ولا للعنف ولا للتعامل مع جهات أجنبية. كما أننا اخترنا من أول يوم العمل على أساس القطرية لا العالمية بسبب اختلاف خصوصية وطبيعة كل بلد عن غيره. فجماعة العدل والإحسان مدرسة مستقلة قائمة بذاتها، وكل الحركات الإسلامية والمتابعون الموضوعيون والجادون يعرفون ذلك تمام المعرفة. وأظن أن من أهم أسباب الخلط لدى البعض ضعف الاطلاع وقلة المتابعة والاقتصار على بعض المنابر الإعلامية المغرضة كمصدر وحيد للمعلومة، دون بذل قليل من الجهد في البحث للحصول على المعلومة الدقيقة.

بعد هذه المرحلة الدامية التي تعيشها الحركة الإسلامية، أي خطاب على الحركة الإسلامية أن تتبناه؟

هي مرحلة عصيبة لا شك، ولتجاوزها على كل القوى الحية، الإسلامية منها وغير الإسلامية، ألا يزيدها ذلك إلا تشبثا بالخطاب والفعل التشاركيين الذين يوحدان الجهود ولا يقصيان أحدا. ونحن على يقين تام بوعد الله تعالى وبموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن بعد هذه المرحلة العصيبة والمخاض العسير ولادة جديدة للأمة.

لماذا هذا الضعف الإعلامي لدى الحركة الإسلامية؟

تاريخ الحركات السياسية في القرن العشرين وبداية هذا القرن يكشف بوضوح لا يكاد يختلف عليه اثنان بأن ما تعرضت له الحركة الإسلامية على امتداد العالم العربي من حرب ضروس لم تتعرض لمثله أي حركة سياسية أخرى. وكان الحصار والتعتيم والتشويه الإعلامي، ولا يزال، أحد أساليب هذه الحرب. والحديث عن الضعف الإعلامي لدى الحركة الإسلامية، من هذا المنطلق، له ما يبرره أو يفسره. ولكن هذا لا يعفي الحركة الإسلامية من المسؤولية عن هذا الضعف. ولا يمكننا أن نتصور إعلاما يتطور بين زنازن السجون المظلمة للاستبداد وبين فجوات الحصار الخانق . ولقد احتاج الأمر إلى سنوات طويلة من العمل ومن التجارب ومن النضج لتجاوز مخلفات تلك المرحلة. وأظن أن ما يعيق إعلام الحركة الإسلامية اليوم له علاقة بالأجهزة المسيطرة على مفاصل الدولة، وبحصارها للرأي المخالف أكثر مما له علاقة بالحركة الإسلامية ذاتها.

وما تقييمك للأداء الإعلامي لجماعة العدل والإحسان؟

لسنا استثناء من باقي الحركات الإسلامية المحاصرة والمضيق عليها، ولكننا نحاول جهدنا أن نبلغ صوتنا ومضمون مشروعنا إلى الناس إيمانا منا بما للإعلام من تأثير.

كتابات الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، وهي كتابات مؤسسة ولا شك، تؤكد على سيادة الدعوة على الدولة، وعلى مفهوم دولة القرآن، ولا نجد البتة أي إحالة على مفهوم الدولة المدنية. ألا ترون أن خطابكم التأسيسي لا يؤسس لتواصل حقيقي؟

مفهوم الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله لدولة القرآن وطرحه التجديدي لعلاقة الدعوة بالدولة ولكثير من القضايا المرتبطة بهما يمتح من مشروع تغييري تنظيري متكامل، ويعتمد جهازا مفاهيميا قرآنيا نبويا فصله في عشرات الكتب التي تناول فيها كثيرا من القضايا ومن بينها منظوره لعلاقة الدعوة بالدولة وللديمقراطية وللأمازيغية وللعلاقة مع شركاء الوطن وغيرها من القضايا الملحة. ولهذا السبب يصعب الحكم على قضية من قضايا هذا المشروع قبل ضبط جهازه المفاهيمي. وأظن أن تاريخ جماعة العدل والإحسان منذ تأسيسها هو تاريخ تواصل ودعوة إلى الحوار، وتكفي الإشارة إلى سلسلة كتب الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله الحوارية: “حوار مع الفضلاء الديمقراطيين”، و”حوار الماضي والمستقبل”، و”حوار مع صديق أمازيغي”، و”الشورى والديمقراطية”.

كيف تنظرون إلى تعسر تشكيل الحكومة في نسختها الثانية؟

هذا يؤكد أن الحكومة لا تملك قرارها بيدها، وأن هناك متحكم آخر في خيوط اللعبة وهو يحاول بعث رسائل لكل من يهمه الأمر أن البلاد ليست في حاجة لحكومة.