مِحنة أم منحة
من حسنات التطبيع عندنا في المغرب -إن كان له أصلا حسنات- أن أصبح للمغاربة يومٌ وطني لمناهضة التطبيع يوافق 22 دجنبر من كل سنة، وهو مناسبة تجتمع فيها كل القوى الحية داخل الوطن للدفاع عن القضية الفلسطينية ومساندة الشعب الفلسطيني، ومناصرته ضد كل المخططات والاستراتيجيات التي ترمي إلى تهويد مقدسات الأمة، وتهجير المواطن الفلسطيني وحرمانه من حقه في الوطن.
والدفاع عن الشعب الفلسطيني دفاع عن أنفسنا، والانتصار لحرية وكرامة المواطن الفلسطيني انتصار لحريتنا وكرامتنا، كما أن الوقوف في وجه مخططات تهويد القدس، هو صراحةً وقوف في وجه مخططات إفساد الإنسان، وطبيعة منظومة القيم والمبادئ التي يراد لها أن تحكم مدارسنا وإعلامنا.
كانت ولازالت وستبقى القضية الفلسطينية هي الجدار الذي تنكسر عليه شعارات حقوق الإنسان، وقرارات الأمم المتحدة من أجل تحقيق السلم والسلام.
ستبقى القضية الفلسطينية صامدة في وجه كل المخططات والاستراتيجيات التي ترمي إلى عزلها وتهجير وتشريد شعبها.
سيبقى الشعب الفلسطيني واقفا فوق أرضه متشبثا بتراب بلاده مدافعا عن وطنه، لن تزيده اتفاقيات التطبيع إلا ثباتا وإصرارا.
إن اتفاقيات التطبيع أريد لها أن تُشكل محنة للشعب الفلسطيني خاصة وللشعوب العربية والإسلامية عامة، إلا أنها كانت منحة ربانية لم تنل من عزيمة الشعب الفلسطيني الأبي، بل زادته تشبتا وإصرارا وارتباطا بالأرض والوطن، مع الانفتاح على طرق ووسائل جديدة لمواجهة الاحتلال يتم التركيز فيها على العامل الذاتي الداخلي، مع الإجماع على أن سلاح المقاومة هو الوسيلة الأولى للدفاع عن الوطن والمقدسات.
وهذا عكس ما كان يريده الاحتلال من التطبيع، حيث كان يريد أن يشعر الشعب الفلسطيني باليأس والإحباط والعزلة، ثم الرضوخ للتفاوض والإقرار بأن الحل هو التنسيق والتطبيع وليس المقاومة.
أما على مستوى الشعوب العربية الإسلامية فلم تزدها اتفاقيات التطبيع إلا ارتباطا بالقضية واستعدادا لنصرتها والدفاع عنها بشتى الطرق والوسائل وفي كل المحافل والمناسبات.
إن من منح وحسنات التطبيع أن كَشف نوعية الأنظمة السياسة التي تحكم الشعوب العربية، وطبيعة القيم والمبادئ التي يؤمن بها هؤلاء الحكام.
تطبيع أم عزلة
لعل من الأهداف الكبرى لاتفاقيات التطبيع هو تجميل صورة الكيان الصهيوني لدى المجتمعات الغربية، والترويج لها كدولة مسالمة تريد نسج علاقات إيجابية مع الدول العربية، تقوم على التعاون وحسن الجوار، غايتها تحقيق السلم والسلام، وبالتالي فهي ليست دولة محتلة تمارس القتل والإرهاب والتهجير بشكل يومي.
أما على المستوى الداخلي فكان الهدف هو التنفيس عن المجتمع “الإسرائيلي” الذي يشعر بالاختناق والعزلة، يشعر بأنه شعب منبوذ غير مرغوب فيه من طرف شعوب المنطقة بل ومن شعوب العالم قاطبة، فأريدَ للتطبيع المعلَن عبر وسائل الإعلام العالمية، أن يكون رسالة طمأنة وتهدئة للمجتمع الإسرائيلي، وتشجيعا له من أجل الاستقرار والاستيطان.
لكن الواقع أن اتفاقيات التطبيع لم تزد القضية الفلسطينية إلا انتشارا لدى الأمم والمجتمعات، ولم تزد مواطني العالم إلا تعاطفا وتضامنا مع الشعب الفلسطيني، ولم تزد “إسرائيل” إلا تشويها وفضحا باعتبارها دولة محتلة، كما أنها لم تزد المجتمع “الإسرائيلي” إلا يقينا في كونه شعبا منبوذا مغتصبا للأرض والوطن لابد أن يرحل يوما، حتى وإن اعترفت به الأنظمة السياسية، فالشعوب تقول له فلسطين وعاصمتها القدس الشريف عربية إسلامية طال الزمان أو قصر.
فُرقة وشتات أم وحدة وتضامن
لعل من أهداف التطبيع غير المعلنة هو أن تتحول القضية الفلسطينية من قضية للتوافق والوحدة والإجماع إلى قضية للاختلاف والفُرقة والشتات، سواء على مستوى الداخل الفلسطيني أو داخل الشعوب العربية والإسلامية، لكن بحكمة الشعب الفلسطيني وشجاعة المقاومة انحاز الشعب إلى المقاومة واعتبر سلاحها هو الخيار الأول لتحرير الوطن، وبحكمة الشعوب العربية والاسلامية ورزانة تنظيماتها الممانعة، اختارت التوافق حول القضية الفلسطينية والاصطفاف إلى جانب الشعب الفلسطيني الأعزل، ومناصرته والدفاع عن حقه في التحرر من ربقة الاحتلال مهما كان الثمن وكيفما كانت طبيعة التضحيات.
إن تحرير فلسطين مرتبط أشد الارتباط بتحرير أوطاننا، وأي عمل نقوم به في مواجهة الظلم والاستبداد هو مساهمة في نصرة فلسطين وسير في طريق تحرير الأقصى من يدي الصهاينة الغاصبين.
وكأن الشعب الفلسطيني يقول لجميع الشعوب المستضعفة التي تئن تحت وطأة الظلم والاستبداد، وتكتوي بنار التطبيع وويلاته، عليكم بالمقاومة وعدم الاستسلام، عليكم بمواجهة الباطل بكل أنواعه والمساهمة في كشف خطط المطبعين وفضح سلوكاتهم وأفعالهم، تجاوزوا الخلافات والصراعات وكونوا كثلة واحدة في مواجهة التطبيع والمطبعين، إنما النصر صبر ساعة، وإن بعد العسر يسرا وبعد الليل يأتي النهار، وبعد الشدائد والمحن تأتي المسرات والنعم، ويومئد يفرح المومنون بنصر الله ويتحرر الأقصى من يدي الصهاينة الغاصبين وتعود فلسطين عربية إسلامية.
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين في ديوان قطوف1، قطف 44.
فِلِسْطينُ فلسطين.. بَجَنْبِ العُرْبِ إِسْفِين
ولَوْ للعُرْبِ تمييز.. وفُلْكُ العُرْبِ مشحونُ
لأَلْقَوْا مِن شِعاراتٍ.. لها بالدينِ تهوين
وقُدْسُ اللهِ نَفْدِيه.. فَقُدْسُ الله مسجونُ