بنت الناشطة الحقوقية البارزة، الأستاذة خديجة الرياضي، مداخلتها في ندوة اليوم (الثلاثاء 4 يونيو 2024) التي نظمتها جمعية عائلة وأصدقاء الشهيد كمال عماري (AFAMAK) في موضوع “الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب، الشهيد كمال عماري نموذجا”، على ثلاثة محاور؛ قضية الشهيد عماري كإحدى قضايا استمرار انتهاكات حقوق الإنسان، والمقاربة الحقوقية لهذه القضية على مستوى الآليات الوطنية والدولية، ومواصلة النضال الحقوقي بشأن القضية. لتختم بالربط بين الحقوقي والسياسي بخصوص هذه القضية وغيرها من قضايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
لا مناص من خلق حركة تناهض عنف السلطة
نبهت الرياضي، كخلاصة لورقتها، لما تعرفه الآليات الحقوقية الأممية من محاولة ضرب من طرف الدول الامبريالية، عبر سياساتها العدوانية على الشعب الفلسطيني وضد الشعوب المضطهدة بشكل عام. ووقوفا في وجه ذلك دعت إلى التشبث بهذه الآليات والنضال للحفاظ عليها لأنها آليات فرضتها الشعوب بنضالها وليست منة من هذه الحكومات.
واعتبرت، رغم أهمية هذه الآليات، أن العمل الأساسي يجب أن يتم على المستوى المحلي؛ عبر خلق وتقوية الوحدة والتنسيق وتضافر جهود كل الفئات والتنظيمات والقوى المناضلة من أجل الديموقراطية من أجل خلق حركة مناهضة لعنف السلطة ومواجهة تزايد العنف البوليسي وتغول الأجهزة الأمنية. في إطارها يتم جعل قضية الشهيد، والشهداء بشكل عام ضحايا العنف البوليسي، قضية تمكن ليس فقط من الحقيقة والمساءلة بخصوص كل حالة على حدة، ولكن كذلك جعلها قضية نناضل من خلالها من أجل حماية شعبنا من هذا العنف البوليسي المتزايد، والحيلولة دون سقوط ضحايا جدد، وفضح القضاء المسيس الذي يبيض هذه الانتهاكات، والنضال ضد الإفلات من العقاب الذي يحميها.
هذه الآلية، وفق الرياضي التي كانت تتحدث إلى جانب الأستاذين محمد النويني وعبد الصمد فتحي، يجب أن تضم ضمن برنامجها كل تقارير القضايا المتعلقة بانتهاك الحق في الحياة منذ السنة التي توقفت عندها هيئة الإنصاف والمصالحة سنة 1999.
وفي هذا الإطار ناشدت الحركة الحقوقية أن تدفع بكل القوى المناضلة من أجل الحريات والديمقراطية إلى الانخراط النضالي القوي في هذه الحركية؛ من أجل مغرب دون أمن بوليسي، مغرب الكرامة والحرية والتضامن والعدالة والمساواة وكل القيم التي ناضل وضحى من أجلها الشهيد كمال عماري، وناضلت من أجلها حركة 20 فبراير.
قضية الشهيد عماري إحدى قضايا استمرار انتهاكات حقوق الإنسان
عدت الرياضي قضية الشهيد عماري إحدى القضايا البارزة التي تفضح مدى تنكر الدولة لالتزاماتها الحقوقية؛ سواء الوطنية التي أعلنت عنها في إطار توصيتها في إطار هيئة الإنصاف والمصالحة أو بعدها من خلال دستور 2011، أو أيضا لالتزاماتها الدولية من خلال الاتفاقيات والعهود التي صادقت عليها وفي مقدمتها العهد الدولي الخاص للحقوق السياسية والمدنية.
تندرج قضية الشهيد كإحدى تجليات هذا التنكر، تقول الرياضي، ضمن قافلة الشهداء التي عرفها المغرب منذ سنة 1999، سنة توقف هيئة الإنصاف والمصالحة والتزام الدولة بالتوصيات الصادرة عنها خاصة التوصيات المتعلقة بالحكامة الجيدة وبوضع استراتيجية مناهضة الإفلات، حيث عرف المغرب حتى خلال عمل الهيئة وقوع هذه الانتهاكات الجسيمة.. واستمرت بعدها وتواصلت حتى بعد دستور 2011. وتضم هذه القافلة إضافة إلى الشهيد كمال عماري، الشهيد عبد الله حجيلي (ماي 2019)، الذي توفي بسبب عنف السلطة الذي لم يتوقف والإفلات من العقاب الذي يشرعنه ويكرسه موقف السلطة وقضاؤه المتساهل مع هذه الجرائم..
فهذه سياسة ممنهجة للدولة وخيار لا محيد عنه، تضيف الرياضي، واستمرارها يؤدي إلى انتهاك الحق في الحياة، وإلى أصناف أخرى من الانتهاكات ضمنها الاعتقال السياسي..
المقاربة الحقوقية لهذه القضية على مستوى الآليات الوطنية والدولية
أحالت الرياضي، على مستوى الآليات الوطنية، وفي الجانب المتعلق بالقضاء؛ حيث يعتبر الدفاع أمام القضاء إحدى الآليات الحقوقية، وأيضا المدافعون المتطوعون عن حقوق الإنسان، على المداخلة التفصيلية للأستاذ محمد النويني. وسجلت متابعة العائلة مؤازرة بدفاعها القضية إلى نهايتها، إلا أنها ووجهت بالجهاز القضائي الذي ما زال كما كان في الماضي وسيلة للإفلات من العقاب، وقرر حفظ الملف، دون أن يستعمل قاضي التحقيق كل سلطاته للبحث في القضية بما يمكن من التعرف على الجناة، وجاء كذلك قرار محكمة النقض الذي رفض مراجعة الحكم الاستئنافي.
على مستوى الآليات الوطنية ذكرت الرياضي عمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي بادر للتحري في القضية، واعترفت نتائجه بشكل واضح بمسؤولية القوات العمومية والدولة في استشهاد عماري، وهو ما خلصت إليه مجموعة من الهيئات الحقوقية الوطنية..
فيا يخص الآليات الدولية؛ أوردت الرياضي ما جاء عن المقرر الخاص للقضايا المتعلقة بالتعذيب في زيارته للمغرب سنة 2012 الذي التقى بعائلة الشهيد، وأكد في تقريره الذي قدم في جنيف السنة الموالية (مارس 2013) أن الشهيد كان ضحية استعمال مفرط للقوة من طرف القوات الأمنية عند فضها لمظاهرات شارك فيها يوم 22 ماي سنة 2011، وطالب الدولة المغربية بالقيام بتحقيقات محايدة ومعمقة في هذه القضية وفي كل قضايا التعذيب وسوء المعاملة والمعاملة الحاطة بالكرامة والمهينة.
وذكرت الرياضي بالمنظمات التي تبنت القضية، وطرحتها من منطلق انتهاك الحق في الحياة، أو من منطلق مناهضة الإفلات من العقاب، أو من منطلق الاستعمال المفرط للقوة من طرف القوات العمومية، أو من هذه المنطلقات مجتمعة، وهي منظمة افدي الدولية لحقوق الإنسان، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان (في تقريرها حول إصلاح العدالة بالمغرب سنة 2015)، ومنظمة العفو الدولية (في تقريرها السنوي لسنة 2012)..
مواصلة النضال الحقوقي بشأن القضية
أعلنت الرياضي أن مهام المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان هي الخروج بطريقة للاشتغال، وكيفية تقديم القضية من أجل الشهيد ومن أجل عائلته، وكذلك من أجل وطن خال من هذا النوع من الممارسات والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وفي هذا الشأن اقترحت:
– على مستوى القضاء: استغلال الفجوة التي تركها قرار محكمة النقض، التي تركت الملف مفتوحا لعدم وجود أدلة كافية، ونصت على إمكانية إعادة النظر فيه إذا ظهرت عناصر جديدة. وذلك بتقديم إفادات جديدة لإعادة فتح القضية..
– على مستوى تحميل المجلس الوطني لحقوق الإنسان لمسؤوليته: يمكن إعادة صياغة تقرير جديد يطرح على المجلس لمساءلته عن مدى إعمال خلاصته المتعلقة بالإقرار بالاستعمال المفرط للقوة العمومية المؤدية إلى انتهاك الحق في الحياة..
– على مستوى الحركة الحقوقية الوطنية: إعادة طرح القضية على كل المهتمين بالقضايا الحقوقية للاستمرار في العمل..
بالإضافة إلى مداخل أخرى يمكن أن تشتغل عليها جمعية عائلة وأصدقاء الشهيد والائتلاف المغربي لحقوق الإنسان أو إطار يجمع كل هذه التنظيمات، منها العمل بالآليات الدولية، حيث حضت على إيلائها مزيدا من الاهتمام. ذكرت منها ما يلي:
– رفع شكاية للجنة حقوق الإنسان للدول المعنية بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادق المغرب سنة 2022 على البروتوكول الأول الملحق به، والذي يتيح إمكانية شكاوى، خاصة أن ملف الشهيد استكمل كل المساطر القضائية الوطنية دون تحقيق العدالة والإنصاف لذوي الحقوق.
– أيضا؛ ونظرا لأن قضية الشهيد لم يلتزم فيها القضاء بالاستقلالية والحياد الضرورين لقضاء فعال ونزيه؛ يتوجب علينا اللجوء للمقرر الخاص المعني باستقلال القضاء، لاتخاذ ما يلزم من إجراءات.
– اللجوء إلى المقرر الخاص بالإعدام خارج نطاق القانون أو الإعدام التعسفي، الذي يهتم بكل أشكال انتهاك الحق في الحياة التي تكون السلطة متورطة فيها بشكل لا يتماشى مع معايير الضرورة والتناسب.
– باعتبار التأخر الكبير جدا للمغرب في تقديم تقريره الدولي حول مدى إعمال الاتفاقية الدولية للحماية من التعذيب وكل ضروب المعاملة القاسية؛ وجب على الحركة الحقوقية تقديم تقرير يمكن أن تدخل ضمنه قضية الشهيد وقضايا الشهداء الآخرين وقضايا التعذيب بشكل عام.
– وهناك أيضا استحضار قضية الشهيد في المحافل التي تهتم بحقوق الإنسان دوليا، واللجوء إلى الآليات الدولية الكثيرة الأخرى.