ذة. البوحسيني: يجب النهوض بنخبة شابة مؤهلة لطرح مشروع سياسي بديل يحارب الظلم ويتجاوز ثقافة العداء

Cover Image for ذة. البوحسيني: يجب النهوض بنخبة شابة مؤهلة لطرح مشروع سياسي بديل يحارب الظلم ويتجاوز ثقافة العداء
نشر بتاريخ

في حلقة جديدة من برنامج “ضيف الشاهد”، استضاف المنشط محمد الإبراهيمي الناشطة السياسية والحقوقية الدكتورة لطيفة البوحسيني، لمناقشة الوضع السياسي بالمغرب، واحتجاجات جرادة والريف، وغيرها من قضايا الساعة.

افتتح المنشط البرنامج بسؤال حول ما إذا كان المغرب الآن يعرف انتكاسة حقوقية ودستورية وسياسية حقيقية، فأجابت الدكتورة البوحسيني بالتذكير أنه “قبل حكومة 2011، مع حكومة التناوب 1999 يمكن أن نقول، باستحضار المسافة الزمنية التي تفصلنا الآن على هذه المحطات السياسية في المغرب، أنها شكلت قوسا سياسيا يمكن اعتباره إيجابي نسبيا”، ونبهت إلى أننا عندما “نتكلم عن انتكاسة فنحن نقارن مع ما حقق من مكتسبات في حدودها الدنيا”، لتعيد التأكيد أن “المغرب في عهد حكومة التناوب سجل مكتسبات في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير والانفتاح النسبي للفضاء السياسي بشكل عام، فإذا ما قارنا عهد حكومة التناوب مع سنوات الرصاص نجد الفرق واضح، الذي وقع عمليا للأسف ومنذ انتخابات 2002 والخيار الذي انتهجته الدولة الذي يتمثل في عدم احترام الديمقراطية وعدم احترام نتائج الانتخابات التي أسفرت عن تصدر الاتحاد الاشتراكي آنذاك، وهو الحزب الذي قاد تجربة التناوب، أعتبره كان تدشينا لمرحلة ازدياد الصعوبات على كل المستويات”، وساقت مثال “الشق السياسي في علاقته بحقوق الإنسان”، لتوضح “في 2002 كان هناك تراجع سياسي، في 2003 ضربت أحداث الإرهاب الدار البيضاء وواكبتها اعتقالات شملت عددا كبيرا من الأبرياء، فدشنت مرحلة جديدة في مجال حقوق الإنسان. آنذاك نادت أصوات من هنا وهناك بإصلاح دستوري يوضح الصورة، ومنذ ذلك العهد والمغرب يعرف تراجعا في المجال عن طريق الاعتقالات وغيرها. وفيما هو سياسي، أصبح المتابعون للشأن السياسي يتحدثون عن إرادة الدولة في استنساخ تجربة تونس وهو ما كان يسمى آنذاك بـ”تَوْنسة المغرب” والتي مفادها السعي للتنمية دون ديمقراطية، وفي نهاية المطاف خلت تجربة بنعلي لا من التنمية ولا من الديمقراطية”، وأضافت شارحة “هذه الوتيرة التي سارت عليها الدولة، إذا أضفنا عليها أنها قررت تأسيس حزب “فوقي” الذي هو حزب “الأصالة والمعاصرة”، أظهرت بوضوح أن الدولة تعمل على القضاء على أية إمكانية للانفتاح والذهاب صوب البناء الديمقراطي السلمي المتدرج، وبعدما وقع في تونس وفي مصر سيعيش المغرب أيضا حركة 20 فبراير التي أعتبرها خلخلت الوضع السياسي في البلاد، وأظهرت تراجع الفاعلين السياسيين والنقابيين الذين كانوا يعملون في الساحة، هذه الحركة أعتبرها أعطت للنظام السياسي المغربي (الدولة) الإشارة على أنه لم يعد هناك إمكانية للاستمرار في الوضع الذي كنا نعيشه من الناحيتين السياسية وحقوق الإنسان، وكذلك من الناحية التنموية، وبالتأكيد وضع الأصبع على المعضلة الكبيرة المتمثلة في الفساد والرشوة التي أصبحت عمليا العملة السارية”.

وجوابا على سؤال ماذا ربحنا بعد 7 سنوات على الحراك؟ حيث اتخذت الدولة، بعد فشل ما خططت له من استحداث “حزب الأصالة والمعاصرة” ومع تأجج حراك 20 فبراير، خطوة استباقية تمثلت في تقديم دستور جديد “دستور 9 مارس” جاء بمجموعة من المخرجات السياسية التي استبشر بها بعض الفاعلين السياسيين خيرا. أجابت الأستاذة الجامعية أن “الذي ربحناه وثيقة دستورية، هي اليوم حبر على ورق، لم يتم تفعيلها، بل يمكن القول أننا نعرف تراجعات حتى عن تلك الوثيقة مع محدوديتها، حتى الأمور الإيجابية، ونحن نتتبع مسلسل حياتنا السياسية والحقوقية، ليس فقط لم يتم تفعيلها ولكننا نعيش انتكاسة خطيرة ومهولة مقارنة مع الوضع الذي كنا نعيشه ما قبل 2011”، لتؤكد على أن “الدولة نجحت في إفقاد الثقة في الشأن السياسي عموما وفي الشأن الانتخابي، ونلاحظ كيف أنه منذ أن تصدر العدالة والتنمية في انتخابات 2011 استعملت ولمدة 5 سنوات كل الوسائل الخسيسة والمحطة، إلا الوسائل المشروعة التي يتطلبها تنافس المشاريع السياسية المختلفة والمتناقضة مع بعضها”، وتضيف “بناء الثقة يتطلب احترام الفاعلين السياسيين واحترام نتائج الانتخابات وترك الناس يعيشون الهامش الذي يمنحه لهم الدستور كما يجب، حتى يستطيع المغاربة بعد مرور 5 سنوات الحكمَ على المشروع نجح أم فشل”.

وأكدت المناضلة السياسية، ذات التوجه الفكري اليساري، حول إمكانية الإصلاح من الداخل في ظل الوثيقة الدستورية الحالية أن “التجربة السياسية المغربية بتلاوينها الإيديولوجية المختلفة أفرزت اليوم تيارين؛ أحدهما يؤمن بالإصلاح من داخل النسق وآخر يعتبر أننا نضيع الوقت. رأيي أن الإصلاح من الداخل لا يستجيب فقط لرغبة الإصلاح وإنما يعطيك إمكانية الاشتغال مع المجتمع عبر مؤسسات الدولة وضمنها مؤسسة القضاء والتعليم.. المشكل لا ينحصر فقط بين الفاعلين والأحزاب السياسية والنظام، ولكن يتعداه إلى مجتمع يحتاج عملا حقيقيا من أجل التأهيل، ومع إيماني، شخصيا، بهذا الخيار  أعتبر بأننا في نسق غير ديمقراطي وينحو نحو الاستبداد أكثر من أن ينحو نحو الديمقراطية، أعتبر أن الخيارين معا لهما مكانهما المعتبر ولهما مشروعيتهما ويمكن التقاؤهما على نقط مشتركة كحد أدنى في لحظة من اللحظات، إذن فهذا لا يلغي هذا“، واستدركت قائلة “المشكلة هو أن النظام مقابل هذين التيارين نجح في استقطاب النخب، بل وأحيانا يشتريهم، وأن يفقد الناس الثقة، وأن يفرغ الأحزاب السياسية من مضمونها، ويعمل أيضا جاهدا من أجل إضعاف العاملين من خارج النسق”.

وقالت البوحسيني، في مسألة تدني سقف مطالب النخب، أن “تجربتَي 2002 عندما اتخذت الدولة قرار تعيين الأستاذ جطو رئيسا للحكومة خارج المنهجية الديمقراطية وكيف تفاعلت أطر الاتحاد الاشتراكي مع هذا الخيار، حيث اعتبروا أن أوراش الإصلاح قد بدؤوها ويجب أن يستمروا فيها، ولاحظنا كيف أنه في نهاية المطاف جزء منهم لم يستطع الاستمرار في هذه الأوراش وجزء آخر اعتبروا مشروعهم هو مشروع الملك فخسروا، وكانت الصفعة في انتخابات 2007 قوية للحزب لأنه تخلى عن خيار الإصلاح والبناء الديمقراطي وتحقيق حد أدنى من العدالة الاجتماعية”، ونبهت إلى كون النظام “حرص طيلة حياته، ومنذ الاستقلال ودخول المغرب في التقاطب السياسي، وبكل الوسائل الممكنة، أن يخدم هدفه الأساسي الذي هو إفقاد المغاربة الثقة في الشأن السياسي، وهو ما ينتج صعوبة كبيرة لدى الفاعلين السياسيين، ولكن النظام نجح في شراء جزء من النخب السياسية بنهج “استراتيجية الاستقطاب”، هذا قبل 2011، أما المرحلة بعدها، والتي اتسمت بحراك وظرف سياسي وطني وإقليمي عام بيّن بالملموس أن جدار الخوف سقط وأن الشعوب لم تعد مستعدة للقبول بالظلم والفقر، ثم جاءت الانتخابات واكتسحها حزب العدالة والتنمية سنتي 2011 وخصوصا 2016 حيث أبان الشعب المغربي عن ذكائه عندما التقط مواقع الرهان وأعاد الثقة في الحزب”.

وقاطع الإبراهيمي البوحسيني متسائلا عما إذا كان هذا الأمر يصب في صالح الدولة، حيث ستدخل في صراع مباشر مع الشعب بفعل إضعاف الوسائط، لتجيبه بأن “النظام يحصد ما زرع”، وللتوضيح استحضرت الفاعلة السياسية “ما وقع في الوقفة ضد المجرم كالفان، حيث وجدت الدولة نفسها من دون وسائط، بعدما أفرغت الأحزاب من محتواها، في مواجهة مباشرة مع الشعب الذي خرج يستنكر”. وزادت كاشفة “أحيانا أتساءل هل هناك حكماء على رأس هذا الشعب؟ فحتى إن لم يريدوا التفكير في مصلحة الشعب فعلى الأقل عليهم أن يفكروا في مصلحة النظام، ما يقع لا يخدم مصلحة النظام في شيء.. اليوم النظام يقر بوضوح بفشل النموذج التنموي، وكأنهم يقولون: النموذج التنموي فاشل ولا يوجد غير الفقر ولا يحق لكم الخروج للاحتجاج ضد الفقر، وهنا أتساءل ما هو العرض الذي تعطيه الدولة للمغاربة، ويظهر لي أن الوضع سيزداد تأزما بشكل أفظع، وهذا لن يخدم أحدا بما في ذلك النظام“.

وأكدت البوحسيني، حول ما إذا كان النظام مزهوا بقدرته على إخماد أي احتجاج ما دام استطاع إخماد حراك 20 فبراير، أن “هذه ممارسات نظام يعرف أنه يعيش أزمة، هذه ممارسات لا تدل على أن النظام يعيش في راحة، بل يدبر اللحظة بلحظتها ولا يتوفر على خطة استراتيجية، فهل جواب الدولة يكون بالمقاربة الأمنية والقمع وضرب الاحتجاجات والمواطنين وإلصاق التهم بهم؟ أنا أقول أن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تنزل بكلكلها على أكتاف المواطنين، والمواطنون يقولون للدولة بأنهم لم يعودوا يخافون مهما فعلت“، وأضافت مستدركة “أنا أقدر أن هناك تراكم صعوبات ولكن لا يكون الجواب بزيادة تأزيم الأزمة، بل يجب أن يكون الجواب عن طريق طرح مشاريع اقتصادية، ولا يمكن للأمر أن يحصل بين عشية وضحاها لكن يلزم الدولة أن تعطي إشارات دالة تبين أنها ستحط القطار على سكته الصحيحة”.

وتناولت البوحسيني نقطة أخرى تزيد في تأجيج الأوضاع هي “إفلات الفاسدين واللصوص الكبار من العقاب”، ووضحت أن “هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، وأنه من أحد الإشارات التي ستجعل المغاربة يهدؤون نسبيا، والمغاربة مستعدون للصبر في حال تيقنوا النية الصادقة في التغيير”.

وبينت، بشأن اختلاف تعامل النظام الحالي عن سابقه في عهد الحسن الثاني مع الاحتجاجات والذي يتسم ببعض النعومة، أن “اعتقال 400 من شباب الريف ووضعها في السجون لا يظهر أية نعومة، انتهاكات الدولة الجسيمة لحقوق الإنسان خلال سنوات الرصاص لم يعد ممكنا تطبيقها بنفس الطريقة لأننا اليوم نعيش وضعا دوليا مختلفا عما كنا نعيشه في السابق، لا يمكن الرجوع إليها بنفس الأسلوب، ولكن هناك رجوع بأسلوب آخر ليس بنفس درجة العنف ولكنه أكثر خطورة، فالتعامل مع حراك الريف وطرق الاعتقال وأساليب التحقيق والتعامل مع الزفزافي ونشر فيديو له عاريا، هو ليس أسلوب دولة تحترم نفسها، الأسلوب الذي تم به اعتقال بوعشرين، وخروقات الدولة المسجلة بالطول والعرض في هذا الملف تمثل كارثة عظمى، هذه ليست انتكاسة هذا نكوص وتراجع حقيقي، هؤلاء يستعملون أساليب مطرزة من فبركة واتهامات بالجملة وصناعة الأمور بطريقتهم، والهدف زرع الخوف من جديد، وقد ينجحون في بعض الأوساط، لكن الذي لا ينتبهون إليه هو أن الشريحة الفقيرة الواسعة من الشعب المغربي لم يعد لديها ما تخسر”، وأشارت إلى أن “الشباب المغربي كان يرمي بنفسه في عرض البحر فإما أن يصل إلى الضفة الأخرى وإما يموت، الآن وبعد التضييق عليه في مسألة الهجرة، ها هم مستعدون للموت هنا.. وأخوف ما أخاف أن تخرج الفئات الفقيرة في ضواحي المدن الكبرى مثل الرباط والدار البيضاء ومراكش وفاس، فهؤلاء إن خرجوا فسيكون هناك كلام آخر، كم ستفتح الدولة من سجون؟ وكم ستقمع من الناس؟”، وأضافت مستنكرة “هل هؤلاء يبحثون عن الحد الأدنى لاستقرار الوطن، وعن حل مشاكل الشعب بشكل متدرج؟”.

وختمت الأستاذة الجامعية بالدعوة إلى “الاشتغال على النخب السياسية والثقافية والإعلامية والمثقفين والحقوقيين والتنمويين، فهذه الحرب الاستنزافية عانت منها كل فعاليات هذا البلد، والتي تتحمل جزئيا مسؤوليتها فيها”، متسائلة “ألم يحن الوقت أن نفكر في تأسيس جبهة عريضة تضم الفاعلين جميعهم على أساس وضع برنامج واحد يتم الاشتغال عليه من أجل إصلاح دستوري واقتصادي وسياسي حقيقي؟”.

واعتبرت “أنه لا خيار لنا إلا أن نتشبث بالأمل، نتشبث به ونعي أن الوضع صعب جدا وسيحتاج إلى زمن طويل، لأن ثقافتنا السياسية قائمة على العداء والخصومة وعلى الفرقة والتشتت، ثقافة تبحث عن المختلف حوله مهما كان حجمه ولا تبحث عن المشترك، وهي ثقافة استبطنها جيل بأكمله،  وهذا ما أخافه ويظهر لي أنه سيعرقل الحوار. لذلك يجب أن نساهم في النهوض بنخبة جديدة شابة مثقفة ومكونة ومؤهلة وقادرة على طرح مشروع سياسي بديل تتواجه مع نظام مستبد ولكن تتجاوز فيه هذه الثقافة السياسية القائمة على العدائية والخصومة والحقد”.