ذة. آسية الفرحي: تعليم الفتاة القروية قاطرة للتنمية المستدامة

Cover Image for ذة. آسية الفرحي: تعليم الفتاة القروية قاطرة للتنمية المستدامة
نشر بتاريخ

في ختام حملة القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان حول تمدرس الفتاة القروية، أجرى موقع مومنات.نت حوارا مع الأستاذة آسية الفرحي، عضو المكتب الوطني للقطاع، أجابت فيه عن مجموعة من الأسئلة المرتبطة بالموضوع؛ وضحت فيه الغاية من الحملة وسياقها السياسي والثقافي والاجتماعي، وبسطت أسباب الظاهرة التي تتجدد مظاهر المعاناة فيها مع بداية كل سنة دراسية، ومدى استجابة المشاريع الإصلاحية والتنموية التي قام بها المغرب لاحتياجات العالم القروي عموما والمرأة القروية خصوصا، واقترحت بعض مداخل التغيير.

فيما يلي نص الحوار:


ما هو الهدف من هذه الحملة؟ وبماذا يتميز السياق السياسي والثقافي والاجتماعي الذي يؤطرها؟

بداية نشكر موقع مومنات.نت على إتاحتنا هذه الفرصة، ونتمنى لكم التوفيق في مساركم الإعلامي المتميز.

جاءت هذه الحملة والعالم يعرف أحداثا متسارعة سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي، وفي ظروف معقدة؛ أهمها جائحة كورونا ثم تداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا التي ما تزال تنذر بحدوث أزمات، خاصة على المستوى الاقتصادي.

سياق محلي يعرف موجة غلاء فاحش أثارت سخط المجتمع المغربي، غلاء ألقى بظلاله على اللوازم المدرسية التي ارتفعت أسعارها هي الأخرى، ولم تعد في متناول العديد من الأسر، فما بالك تلك التي تقطن القرى البعيدة والتي تعاني من الفقر والهشاشة والتهميش.. ليتضاعف الانعكاس على وضعية الفتاة القروية بالخصوص.

جاءت حملة تمدرس الفتاة القروية من قلب معاناة دامت لعقود تتجرعها طفلة البارحة واليوم، وامرأة اليوم والغد، حملة كشفت اللثام عن مغرب في طي النسيان تخط معالمه أحلام نساء ذهبت أدراج الرياح، هن ضحايا كل زوبعة على المستوى العالمي أو الوطني أو المحلي.

فغلاء السلع والزيادة المهولة في ثمن المحروقات زاد الطين بلة عند الأسر في العالم القروي، وأثر على ثمن المواصلات إلى المدرسة، فتضطر الطفلة إلى قطع عدة كيلومترات في مسالك وعرة لا زالت هي نفسها منذ الاحتلال الفرنسي، بل زادت سوءا.

ثم ما خلفته أزمة كوفيد من إكراهات التعليم عن بعد وبوسائل تكنلوجية متطورة تتطلب بالضرورة شبكة الأنترنيت، والحال أن جل القرى المغربية إما تصلها الشبكة بشكل ضعيف، وكثير منها معزول عن العالم بدون شبكة ولا تواصل.

ومع قرار العودة إلى المدارس، تجددت معاناة الطفلة القروية، أولها مشكل قطع مسافات طويلة على الأقدام، الذي يفتح أمامهن أبواب جميع المخاطر؛ من سرقة واغتصاب وهجوم الكلاب الضالة.. مما يجعل الوالدين يجنحان للحل الأسهل: منع الفتيات من حق التمدرس خوفا من مآلات غير محسوبة العواقب.

 أسباب، وغيرها، دفعتنا كنساء مغربيات إلى تدشين هذه الحملة قصد لفت الانتباه إلى هذه الفئة المهمشة والمغيبة كليا عن برامج التنمية البشرية التي تطالعنا بها الحكومات المتعاقبة وتبقى حبرا على ورق.

ما هي، في نظرك، الأسباب الحقيقية لهذه الوضعية؟

ارتباطا بالموضوع، يجب استحضار البعد التشخيصي باعتباره آلية مهمة لبناء الوعي، وكذلك مقدمة ومدخلا أساسيا للمعالجة.

فنجد المعطيات الرسمية التي كشفت عن وجود فجوة كبيرة بين النساء القرويات في المغرب ونظيراتهن الحضريات في مجالات عديدة على رأسها التعليم والصحة، وهو ما يجعل القرويات أكثر عرضة للهشاشة والفقر، فإذا كان تعميم التعليم قد تحقق نسبيا للإناث في المجال الحضري، فإنه ما يزال بعيد المنال بالنسبة لشقيقاتهن القرويات. إذ إن المعدل الصافي لتمدرسهن في مستوى السلك الإعدادي لم يتجاوز خلال موسم 2017-2018: 39.73% مقابل 80.15% بالنسبة للحضريات، وهو المعدل الذي ينخفض إلى 12.48% بالنسبة للسلك الثانوي التأهيلي مقابل 57.39% بالنسبة للحضريات.

أما الفرق الأكثر أهمية بين الجنسين، لوحظ في السنة السادسة ابتدائي في الوسط القروي، حيث بلغت نسبة الانقطاع عن الدراسة %23 لدى الإناث، مقابل %13 لدى الذكور.

ويجد المشكل جذوره في العديد من العوامل تتجلى في:

– بناء المدارس بعيدا عن التجمعات السكانية القروية.

– ضعف الطاقة الإيوائية للداخليات.

– محدودية المنح الدراسية.

– ضعف البنيات التحتية للمدارس (تدفئة، ماء، مراحيض..).

– عدم تلاؤم التوقيت الدراسي مع خصوصيات المجال القروي.

– حاجة الأسر القروية للفتيات للمساعدة في الإنتاج.

– تفشي الفقر في القرى.

– النقص الحاصل في وسائل النقل، إن وجدت.

وكل هذه المؤشرات تعزز فرضية أن الانتماء الجغرافي (للوسط القروي)، هو من أهم عوامل تهميش المرأة/الفتاة القروية، خاصة المجال المنسي المغيب عن أجندات التنمية، حيث يعيش أكثر من 40 في المئة من السكان، وحيث تشكل نسبة النساء حوالي 49.2٪ (2019) وفقا للمعطيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط.

أرقام تفضح زيف الشعارات، وتكشف واقع فئات عريضة من النساء المغربيات، وتعكس مرارة ما يتجرعنه من ألوان التجهيل والتفقير والتهميش. طبعا لا يتسع المجال للتفصيل فيها، فهي متاحة في تقارير دولية وبعض تقارير مؤسسات الدولة.

ما مدى انعكاسات المشاريع الإصلاحية والتنموية التي قام بها المغرب على تمدرس الفتاة القروية؟

سؤال يجيب عنه أحدث تقرير للتنمية البشرية الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حيث تراجع المغرب من الرتبة 122 سنة 2020 إلى 123 سنة 2021، هذا المؤشر للتنمية الذي يتم قياسه وفقا لثلاثة معطيات أهمها التعليم.

 فبالرغم من العديد من المبادرات التنموية والإصلاحية، حيث لا أحد يجادل في وجودها ولا أحد يجادل في دورها في التنمية، نذكر منها:

مشاريع وبرامج التمكين الاجتماعي والسياسي وبرامج التمكين الاقتصادي للنساء، وفي مقدمتها: المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ومخطط المغرب الأخضر، ثم الخطة الوطنية للمساواة. برامج استنزفت أموالا باهظة، إلا أن المعطيات والمؤشرات السابقة تثبت أن وضعية الفتاة والمرأة القروية ما تزال هامشية تتسم بالهشاشة، وما زالت تتجاذبها العديد من التناقضات، التي لا يمكن مناقشتها إلا في إطارين اثنين .

إطار عام:  وهو مرتبط بالسياسات والمخططات التنموية التي أورثت واقعا مأزوماً على أكثر من صعيد. وآخرها النموذج التنموي الجديد، الذي أعطى حيزا ضيقا جدا لمناقشة قضايا المرأة الملحة وما تستحقه أوضاعها من اهتمام، دون التركيز على أصل  المشكل .

إطار خاص: مرتبط بالظروف القاسية التي تعيشها (الأمية، الصحة، كثرة الأشغال..).

فهي مهمشة على ثلاث مستويات:

1- كونها تنتمي إلى مجال مهمش.

2- وتنتمي إلى جنس الإناث المهمش (العادات الموروثة، الهيمنة الذكورية، التبعية..).

وهذا يعتبر ظلما مزدوجا؛ ظلم عام تتشارك فيه مع الرجل هو نتاج اختيارات سياسية، وظلم الرجل الذي يستند فيه للأعراف والتقاليد.

3- تهميش من بنات جنسها، فلا توجد حركات نسوية في هذا المجال المنبوذ من طرف النخبة.

أمام كل هذه العراقيل التي تواجه الفتاة القروية وتحول دون اندماجها الحقيقي في عملية التنمية، يحق لنا أن نتساءل حول جدوى الخطوات التي تتخذها الدولة في هذا الإطار، وهل هي كافية لتجاوز هذه الوضعية، أم أن الأمر يتطلب تظافر الكثير من الأطراف وبذل المزيد من الجهود على أكثر من صعيد.

تتعدد المداخل المقترحة للتعاطي مع وضعية تمدرس الفتاة القروية، ما هي المقاربة التي تقترحنها في القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان؟

تأكيدا منا أن تعليم الفتاة القروية هو قاطرة للتنمية المستدامة، بل إنه قادر على حل كثير من المعضلات التي يعاني منها المجال القروي، وسبيل لإبراز الطاقات المطمورة بين الجبال والوديان، لأن قضيتها مرتبطة بقضية الوسط القروي الذي تنتمي إليه ارتباط الجزء بالكل، فواقعها ما هو إلا انعكاس لأنساق سياسية وثقافية واجتماعية، فلابد من وضع اختيارات جديدة بعدما فشلت البرامج والمشاريع التنموية في تحقيق هدفها، فكانت النتيجة تأزيم الوضع أكثر.

هذه الاختيارات لابد لها من الاعتماد على مبادئ أساسية، نجمل أهمها فيما يلي:

– وضع نموذج تنموي شامل بالعالم القروي، يعطي الأولوية لتقوية المراكز الاجتماعية والاقتصادية لخلق توازن بين العالم القروي العميق والمدن..

– الحفاظ على الموارد البشرية، وهو هاجس تنموي يجعل الإنسان في المرتبة الأولى، والذي يتطلب بذل جهود على مختلف المستويات لتحقيق كرامة الفتاة والمرأة القروية لإعطائهما مكانتهما المستحقة ضمن النسيج الاجتماعي والاقتصادي، لإبراز المساهمات القيّمة التي تقدمها جنديات الخفاء.

– التركيز القوي على بناء اقتصادات ومخططات أكثر تكافؤًا وشمولًا واستدامة، وأكثر مرونة في مواجهة الأوبئة، وتغير المناخ، والعديد من التحديات العالمية الأخرى، إضافة إلى استخلاص الدروس من الأزمة، بدءًا من دعم التخطيط، وإدارة الموارد، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وطرق إنفاق الأموال، مع الأخذ بهذا في صياغة نماذج تنموية يكون لها إسهام في التغيير الحقيقي الذي يستأصل جذور الاستبداد الذي هو السبب الرئيس في هذه المعاناة.

وفي الأخير، وانسجاما مع الشعارات التي نرفعها دائما، والتي تدعو إلى الانفتاح على الآخر والبحث عن المشترك، يصير مطلب الحوار الصادق مطلبا ملحا من أجل رص الصفوف لننتقل من التدبير الانفرادي إلى تدبير تشاركي يساهم فيه الجميع. لأن الإجراءات المتفرقة وغير المندمجة لا يمكن أن تستجيب لوحدها لمتطلبات التنمية.

ونعتقد أن قضية الفتاة القروية خاصة والمرأة بصفة عامة من القضايا الأساسية التي ينبغي أن تتكاثف فيها جهود كافة الفاعلات والفاعلين من أجل تقريب وجهات النظر، في أفق إقلاع جاد نحو التغيير المأمول.